الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 2 من سورة يوسف
ثم بين- سبحانه- الحكمة من إنزاله بلسان عربي مبين فقال: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
أى: إنا أنزلنا هذا الكتاب الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، لعلكم أيها المكلفون بالإيمان به، تعقلون معانيه، وتفهمون ألفاظه، وتنتفعون بهداياته، وتدركون أنه ليس من كلام البشر، وإنما هو كلام خالق القوى والقدر وهو الله- عز وجل-.
فالضمير في «أنزلناه» يعود إلى الكتاب، وقرآنا حال من هذا الضمير أو بدلا منه.
والتأكيد بحرف إن متوجه إلى خبرها وهو أنزلناه، للرد على أولئك المشركين الذين أنكروا أن يكون هذا القرآن من عند الله.
وجملة لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ بيان لحكمة إنزاله بلغة العرب وحذف مفعول «تعقلون» للإشارة إلى أن نزوله بهذه الطريقة، يترتب عليه حصول تعقل أشياء كثيرة لا يحصيها العد.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات، وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب، بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وفي أشرف شهور السنة، فكمل له الشرف من كل الوجوه» .
وقال الجمل: «واختلف العلماء هل يمكن أن يقال: في القرآن شيء غير عربي.
قال أبو عبيدة: من قال بأن في القرآن شيء غير عربي فقد أعظم على الله القول. واحتج بهذه الآية.
وروى عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة بأن فيه من غير العربي مثل: سجيل، والمشكاة، واليم، وإستبرق ونحو ذلك.
وهذا هو الصحيح المختار، لأن هؤلاء أعلم من أبى عبيدة بلسان العرب، وكلا القولين صواب- إن شاء الله-.
ووجه الجمع بينهما أن هذه الألفاظ لما تكلمت بها العرب، ودارت على ألسنتهم صارت عربية فصيحة، وإن كانت غير عربية في الأصل، لكنهم لما تكلموا بها نسبت إليهم، وصارت لهم لغة، فظهر بهذا البيان صحة القولين، وأمكن الجمع بينهما» .