الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 47 من سورة إبراهيم
وقوله- سبحانه-: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ.. تفريع على ما تقدم من قوله- تعالى- وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ.. وتأكيد لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ولتثبيت يقينه.
وقوله «مخلف» اسم فاعل من الإخلاف، بمعنى عدم الوفاء بالوعد وهو مفعول ثان لتحسب والمراد بالوعد هنا: ما وعد الله- تعالى- به أنبياءه ورسله من نصره إياهم، ومن جعل العاقبة لهم.
قال- تعالى- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ .
وقال- تعالى- كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.
والمعنى: لقد وعدناك- أيها الرسول الكريم- بعذاب الظالمين، وأخبرناك بجانب من العذاب الذي يحل بهم يوم القيامة، وما دام الأمر كذلك فاثبت على الحق أنت وأتباعك، وثق بأن الله- تعالى- لن يخلف ما وعدك به من نصر على أعدائك.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا قيل: مخلف رسله وعده، ولم قدم المفعول الثاني لمخلف- وهو: وعده- على المفعول الأول- وهو رسله-؟
قلت: قدم الوعد ليعلم أنه- سبحانه- لا يخلف الوعد أصلا، كقوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ.
ثم قال «رسله» ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا، وليس من شأنه إخلاف المواعيد، فكيف يخلفه مع رسله الذين هم خيرته وصفوته من خلقه..».
ويرى صاحب الانتصاف أن تقدم المفعول الثاني هنا، إنما هو للإيذان بالعناية به، لأن الآية في سياق الإنذار والتهديد للظالمين بما توعدهم الله- تعالى- به على ألسنة رسله، فكان المهم في هذه الحال تقديم ذكر الوعيد على غيره.
وقوله- سبحانه- إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ تعليل للنهى عن الحسبان المذكور.
والعزيز: الغالب على كل شيء.
أى: إن الله- تعالى- غالب على كل شيء، وذو انتقام شديد من أعدائه لأنهم تحت قدرته، ومادام الأمر كذلك فإخلاف الوعد منتف في حقه- تعالى-.