شركاء متشاكسون وقوى متصارعة.. متى ترسو سفينة السودان بعيدا عن دوامة العواصف
الصراع السياسي في السودان يمور مورا منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير في ديسمبر 2018، فالقوى السياسية القديمة والجديدة كلها تتشاكس في صراع لا ينتهي على السلطة وعلى الموارد وعلى أجندة الانتقال السياسي والاصلاح الاقتصادي، ويزيد من تأجيج هذا الصراع تداخل قوى دولية وإقليمية في هذا الصراع بذريعة المساعدة على حل الأزمة.
لقد تأجج الصراع منذ أن عزل الجيش السوداني الرئيس عمر حسن البشير في 11 ابريل 2019 استجابة لموجة متنامية وممتدة من المظاهرات الجماهيرية الواسعة، ومنذ عزل البشير من الحكم فإن الساحة السياسية في السودان تموج بصراعات سياسية متسارعة لا تنتهي.
والمتابع للأزمة السياسية في السودان منذ عزل الرئيس السابق عمر حسن البشير يتبين له بوضوح أن القوى الرئيسة التي تمثل أطراف الصراع السياسي في السودان الآن تتمثل في تيارين رئيسيين اثنين هما:
-تيار القوى العسكرية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش رئيس مجلس السيادة، والفريق حميدتي قائد قوة الدعم السريع نائب البرهان في رئاسة مجلس السيادة.
-تيار القوى المدنية والتي مازال قلبها متجسد في أكبر الأحزاب السياسية التقليدية في البلاد وهي “حزب الأمة القومي” و “الحزب الاتحادي الأصل”.
وبالإضافة لهذين الفريقين الرئيسيين في الصراع فهناك العديد من القوى السياسية الأخرى التي تتفاوت في قوتها السياسية ودرجة تأثيرها الجماهيري ولعل اشهرها التالي:
-“حركة جيش تحرير السودان” بقيادة عبد الواحد محمد نور (من حركات درافور).
-“حركة العدل والمساواة” بقيادة جبريل إبراهيم (من حركات درافور وكردفان).
-“حركة تحرير السودان” بقيادة مني أركو مناوي (من حركات درافور).
-“الحزب الشيوعي السوداني”.
-“حزب البعث” بكل انشقاقاته، فهو ثلاثة أحزاب بنفس الاسم أحدهم امتداد لحزب البعث العراقي (ويسمى القيادة القومية) والثاني امتداد لحزب البعث السوري (ويسمى القيادة القطرية) والآخر مستقل عن كليهما.
-“جماعة أنصار السنة المحمدية”.
-“حزب المؤتمر الشعبي” هو اسلامي أسسه حسن الترابي رحمه الله.
-“حزب المؤتمر الوطني” وهو اسلامي أيضا وهو حزب الرئيس السابق حسن البشير.
-“تجمع المهنيين” وهو تكتل سياسي وثيق الصلة بالحزب الشيوعي السوداني ويتمثل فيه ممثلون عن نحو 17 نقابة مهنية سودانية.
وتعمل كل هذه القوى من خلال عدد من الكيانات الجبهوية ولعل أشهرها:
-“لجان المقاومة الشعبية” وهي شبكة حركية لا مركزية لا تنتمي للقوى السياسية المنظمة لكنها تنسق مع بعضها وخاصة تجمع المهنيين، وتكمن فاعليتها في حركتها النشطة بالشارع وتنظيمها الاحتجاجات والمظاهرات وهي حتى الآن لا يمكنها صنع القرارات والأحداث السياسية لكنها قادرة على عرقلة ومعارضة أي من القرارات بسبب قدرتها على شل شوارع وميادين السودان كلما قررت ذلك وستظل على هذا الحال في المدى المنظور.
-“الجبهة الثورية” وهم ما يسمى بأطراف العملية السلمية: أي حركات الكفاح المسلح التي أصبحت جزءاً من السلطة الانتقالية بموجب “اتفاق جوبا لسلام السودان” في أكتوبر 2020، و تضم حركات مسلحة تنتمي لدارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
-“قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي”: ويطلق عليها اختصارا “قحت”.
-“قوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية”: وتضم حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، إضافة إلى الحزب الاتحادي الأصل بقيادة الميرغني، إلى جانب المجلس الأعلى لنظارات البجا ممثلا في الناظر محمد الأمين ترك وآخرين، وحزب “البعث”.
-“التيار الاسلامي العريض” وهي جبهة تضم حزب المؤتمر الوطني ، والاخوان المسلمين وعدد من التيارات الاسلامية والمتعاطفين معها.
-“جبهة نداء أهل السودان للوفاق الوطني” التي تضم في صفوفها حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق، وتيارات إسلامية أخرى.
وبغض النظر عن التعدد الواسع للكيانات السياسية السودانية التي باتت تتجاذب أطراف الصراع السياسي في السودان منذ عزل الرئيس السابق عمر البشير، فإنه من المعروف أن الساحة الشعبية السودانية تظل ملتفة في أي انتخابات حرة حول قوتين رئيستين لا ثالث لهما وهما:
-القوى السياسية التقليدية: ويمثلها حزب الامة القومي والحزب الاتحادي
-القوى السياسية الاسلامية: وعلى رأسها حزبا المؤتمر الشعبي والوطني
وبعد التغيرات السياسية الكثيرة التي ألمت بالحياة السياسية السودانية في العشرين سنة الأخيرة فهناك حركات سياسية ذات طبيعة جهوية أو قبلية قد برزت مثل حركات دارفور وشرق السودان والجنوب وهي حركات ظهر أكثرها كحركات تمرد مسلح ذات طبيعة مطلبية ثم تحولت للعمل السياسي بعد ثورة ديسمبر وخاصة الحركات التي وقعت على اتفاق جوبا، وفي حالة اجراء انتخابات حرة فمن المتوقع أن تحوز كل حركة سياسية جهوية الكثير من أصوات المناطق والقبائل التي تمثلها.
وأيا كان الأمر فكيف ستصل السودان لحالة الانتخابات البرلمانية والرئاسية الحرة بعدما امتدت المرحلة الانتقالية حتى اليوم؟؟
من غير المعلوم متى تنتهي فعليا هذه المرحلة الانتقالية بغض النظر عن الاعلانات والاتفاقات التي تتغير من شهر لآخر، ولكن الصراع السياسي فى السودان هو فى جوهره نوع من عض للأصابع بين القوى المدنية الكبرى من جهة والقوى العسكرية من جهة اخرى من أجل حيازة القدر الاكبر من القوة السياسية والنفوذ فى الساحة السودانية أو على الأقل تحسين مواقعها التفاوضية، ولكل من الطرفين حلفاؤه من القوى السياسية الأصغر حجما التى تسانده من أجل أن تفوز بقدر من النفوذ من جراء دورها المساند لأحد طرفي الصراع.
ولا شك أن أكبر القوى المدنية المشاركة فى الصراع هى حزب الأمة القومى والحزب الاتحادي الأصل وحزب المؤتمر الشعبي وحزب المؤتمر الوطني، لكن اتجاه الأحداث واتجاه التدخلات الخارجية -خاصة الأمريكية والأوروبية- تستبعد الأحزاب الإسلامية من حيازة أى نفوذ فى المرحلة القادمة، فيتبقى حزبا الأمة والاتحادي كمتصدرين للقوى المدنية باعتبار أنهما الأكثر قوة من حيث اتساع القاعدة والتأييد الشعبي لكل منهما.
إن القوة العسكرية في السودان تعرف أنها لن تتمكن من حيازة قوة سياسية فى مستقبل السودان بدون التدثر ببعض القوى السياسية المدنية ذات القواعد شعبية الوازنة بشكل ملحوظ، ومن هنا نفهم تدثر القوى العسكرية فى حالات عديدة -منذ عزل عمر حسن البشير- بالعديد من القوى السياسية والتى بدأت تتبلور تحت أكثر من عنوان منها “قوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية” ومنها “ورشة القاهرة” وغير ذلك من العناوين والتكتلات، ولأن كلا من الحزبين التقليديين الكبيرين -الأمة والاتحادي- يصعب على أى قوة تحديهما فى ظل حالة الثوران الشعبي الذي تعيشه السودان منذ ثورة ديسمبر فإن القوى العسكرية دأبت على التفاوض مع الحزبين الكبيرين (ومعهم حلفاؤهم) وتقديم بعض من التنازلات التدريجية بهدف التغلب على تحركات الحزبين المعارضة لاستمرار نفوذ القوى العسكرية السياسي.
وفي نفس الوقت فإن الدور الذي تلعبه القوى الخارجية فى السودان والذي يتدخل فى كل تفاصيل الصراع السياسي هو دور يرتدي ثوب الوسيط الذي يريد تسهيل التعاون بين مختلف الأطراف المتصارعة لكن جوهر عمل كل قوة من القوى الخارجية المتدخلة هو تحقيق أولويات وأهداف هذه القوة نفسها سواء كان هدفا إقليميا أو دوليا، وهذا أمر جدير بتحليل منفرد يخرج عن حيز هذه السطور.
لقد قامت القوى المدنية الرئيسة بالعديد من خطوات الضغط على القوى العسكرية الحاكمة كما قابلت القوى العسكرية الحاكمة هذه الخطوة أو تلك بما يكافئها من الخطوات، ولكن إلى أين يسير الصراع السياسي في السودان؟؟
سوف يحدث لون من ألوان التوازن بين القوى العسكرية والقوى المدنية بمباركة الأطراف الدولية الوسيطة في السودان وسينتج عن هذا التوازن شراكة مستقرة أو شبه مستقرة بين القوى العسكرية الحاكمة والقوى المدنية الرئيسة سواء الأمة أو الاتحادي أو مكونات الجبهة الثورية خاصة أطراف اتفاق جوبا وقوى الشرق، وستجري انتخابات في النهاية تترجم هذا التوازن في حكومة منتخبة وبرلمان منتخب.
وستحاول القوى الإسلامية الرئيسة الاستفادة من تعدد القوى ذات النفوذ فى السودان الجديد، كما ستحاول القوى الإسلامية الرئيسة لعب دور مؤثر في السودان الجديد غير أنه سيصعب عليها ذلك ما لم تتحالف مع العسكريين أو مع أى من القوى الأخرى التي سيصير لها نفوذ مناسب فى السودان الجديد، وستتيح الشعبية الواسعة للقوى الاسلامية موقعا أقوى للتفاوض والتحالف مع من تشاء، لكن العقبة الرئيسة أمام التيارات الإسلامية هي اختلافها فيما بينها حول أولويات العمل واختيار الحلفاء.
كما أن القوى الإسلامية التقليدية السودانية كالصوفية وأنصار السنة ستظل رديف قوى للقوى الإسلامية السياسية لاسيما بالتمترس حول الواقع الاجتماعي السوداني لعرقلة عجلة التغريب المتسارعة بدفع من القوى الأوربوأمريكية المتدخلة فى السياسة الداخلية السودانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة مهمة: هذا الموضوع كنت قد اعددته وكتبته قبيل اندلاع القتال بين قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي وقوات الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان.
Source link