عادة الإلحاد الاصطياد في الماء العَكِر، فبدلًا من إذاعة الشبهة، كان الأولَى ردها لأهل العلم والاستنباط، ثم الأخذ بما يطرحونه من أدلة شرعية توافق العقل والمنطق السليم…
بضاعةُ الملحدين بضاعةٌ كاسدة، وليس لديهم ما يقدِّمونه لأتباعهم، ويملؤون به فراغهم الروحيَّ؛ فهم بعد أن يُلقُوا تلك الشُّبَهَ السقيمة، ويتقبلها الأتباع، يعملون بعمل معلمهم الأكبرِ إبليسَ لعنه الله؛ قال تعالى مخبرًا عنه: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16].
لذلك لا يَمَلُّون الكذبَ والافتراء على الشريعة الإسلامية، والتشكيك في مصداقيتها، لكن يأبى الله إلا أن يُوقِعَهم في سوء أعمالهم، ويُتِمَّ نورَه، ولو كرِه الكافرون.
آخر ما اطَّلعت عليه من شُبَهِهم تشكيكُهم في آيات الميراث، وزعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيد الحساب، مستدلين بالعول والانكسار، وغيرهما من مسائل علم الفرائض، متناسين خواص الأعداد وقسمتها إلى أعداد أولية، وأعداد عشرية، حاصل القسمة عليها غير منتهٍ.
ولو سلَّمنا جدلًا بصحة ما يدعون إليه، وأهملنا أصحاب الفروض، وقُسِّمت التَّرِكَةُ بشكل متساوٍ بين الرجل والمرأة، فلن تخلوَ من تلك العمليات المعقَّدة، والفواصل غير المنتهية، فهب أن رجلًا مات عن ثلاثة بنين، وثلاث بنات، وخلَّف 100 دينارٍ ذهبيٍّ، ستجد أن حاصل القسمة فاصلته غير منتهية، فماذا نفعل بالدنانير الباقية؟ ولمن تُصرَف؟!
ناهيك عما في طرحهم من عَوَارٍ وانحراف عن الفطرة والعدل، فالشريعة أعْطَتِ الذكرَ مثلَ حظِّ الأُنْثَيَينِ، وألزمته بنفقة العيال ومهر المرأة، فالأنثى بطبعها ضعيفة وعاجزة، وبحاجة لمن يمنحها الرعاية ويقوم عليها، واعتراض الملاحدة هنا يذكِّرني بقول المتنبي:
وكم من عائبٍ قولًا صحيحًا ** وآفته من الفَهم السَّقيــمِ
ولكن تأخذ الآذان منــــــــــه ** على قدر القرائحِ والعلومِ
تلك المسائل الرياضية وغيرها هي التي دفعت العلماء المسلمين لتصحيح المسائل الحسابية، وإيجاد الحلول لها.
وأول مسألة عائلة هي: زوج وأختان؛ وذلك أنه في عهد عمر رضي الله عنه، ماتت امرأة عن زوج وأختين، فرُفِعَ أمرهم إلى عمر، فالتبس عليه الأمر ثم اجتهد وحكم بالعول؛ [تاريخ التشريع الإسلامي، ص217، مناع القطان].
وهذا ما دفع عالم الرياضيات المسلم “الخوارزمي” لاكتشاف علم الجبر والمقابلة وإظهاره للناس، لكن قلوب الملحدين عمياء، فلو تأملوا وأنصفوا، لأدركوا أن هذه إحدى بركات تدبُّر القرآن الكريم؛ قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، لكن يأبى الظالمون إلا جحودًا وكُفُورًا.
فلا شكَّ أن علم الجبر أفاد البشرية، وهو أحد مفاتيح النهضة العلمية الحديثة، ولولا علم الفرائض، ما عُرِف علم الجبر؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار.
لا شكَّ أن هذه الشبهة شبهة مستهلَكة، وهذا وتر طالما عزف عليه الملحدون، فعادة الإلحاد الاصطياد في الماء العَكِر، فبدلًا من إذاعة الشبهة، كان الأولَى ردها لأهل العلم والاستنباط، ثم الأخذ بما يطرحونه من أدلة شرعية توافق العقل والمنطق السليم، لكن الإلحاد يسعى بصاحبه ليكون ممن قال الله تعالى فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [النحل: 108].
لا شك أن الملاحدة أثاروا تلك الشبهة للطعن في القرآن الكريم، وبيان أنه ليس من لدن حكيم خبير، وهذا جهل بالأصول والقواعد التي قررها القرآن الكريم؛ فالله سبحانه وتعالى يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
فبيان ما أُشْكِل فَهمه من آي الذكر مهمة الرسول الكريم، وورثته العلماء؛ الذين قال الله تعالى فيهم: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]؛ لذلك تُرِك باب الاجتهاد مفتوحًا لمن أخذ بنصيب وافر من العلم، وتوفرت فيه شروط الاجتهاد الأخرى كافة، فلا ترجعوا أمرًا قَصَرَتْ أفهامكم عن إدراك معانيه لتقصير الوحي، بل لتقصيركم في البحث وطلب العلم الشرعي من موارده، فلْيَهْنِكُم الجهل إذًا، إن لم يَهْنِكُمُ العلم.
يعتمد الملاحدة الغربيون على “نظرية التطور” لتفسير نشأة الخلق، ويطورون نظريات ليثبتوا أزلية الكون، ويعتمدون على طرح “فرويد” لتفسير السلوك والأخلاق، يسلكون بذلك سبيل الظالمين؛ {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ} [الأعراف: 45]، أما الملاحدة “المسلمون” فحظُّهم التقليد الأعمى، نعوذ بالله من الشقاء والخِذلان، وطمس البصيرة عن الإيمان.
Source link