ما المرادُ بالنار الحاشرة المذكورة في الحديث ؟ وهل تكون بعد البعث ، أم قبله ؟ وهل تكون على شرار الخلق أم ماذا ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
الحديث الذي ذكره السائل : حديث صحيح ، [أخرجه الإمام مسلم في “صحيحه” (2901)] «عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ . قَالَ: ” إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ – فَذَكَرَ – الدُّخَانَ ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ» “.
ما المرادُ بالنار الحاشرة المذكورة في الحديث ؟ وهل تكون بعد البعث ، أم قبله ؟ وهل تكون على شرار الخلق أم ماذا ؟
وجواب ذلك : أن الحشر لغة هو : الجمع والسوق . والحشر في خطاب الشرع أربعة .
قال القرطبي رحمه الله ، في “التذكرة” (ص225) : ” باب الحشر ومعناه الجمع ، وهو على أربعة أوجه : حشران في الدنيا و حشران في الآخرة “. انتهى .
وإليك بيان أنواعه :
الأول : ما حدث لليهود الذين أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة ، فذهبوا إلى الشام ، وفيهم يقول الله تعالى :” {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} ..” الحشر/2
الثاني : يكون قبل نفخة الصعق وقيام الساعة ، أي قبل فناء الدنيا ، وهي المذكورة في الحديث الذي أورده السائل ورواه الإمام مسلم ، وهذا الحشر يكون بخروج نار عظيمة من اليمن ، تسوق الناس إلى محشرهم ، في أرض الشام ، ويكونون على ثلاثة طرائق كما سيأتي بيانه .
وقد ورد في وصف هذه النار ، وعلى من تخرج ، وإلى أي موضع تخرج ، وإلى أي موضع تسوق الناس عدة أحاديث ، تبين ذلك تفصيلا :
أما من أي مكان تخرج ؟ فقد ورد فيه حديثان : الأول : ما ذكره السائل وهو حديث حذيفة بن أسيد ، وفيه أن النار تخرج من اليمن .
وجاء حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أول أشراط الساعة فقال :” ««أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ» ..” . أخرجه البخاري (3938) .
قال الحافظ ابن حجر في “الفتح” (11/378) :” وَقَدْ أَشْكَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ ؟
وَظَهَرَ لِي فِي وَجْهِ الْجَمْعِ : أَنَّ كَوْنَهَا تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ، لَا يُنَافِي حَشْرَهَا النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمُغْرِبِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ابْتِدَاءَ خُرُوجِهَا مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ، فَإِذَا خَرَجَتِ : انْتَشَرَتْ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا .
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ : إِرَادَةُ تَعْمِيمِ الْحَشْرِ ؛ لَا خُصُوصِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ .
أَوْ : أَنَّهَا ، بَعْدَ الِانْتِشَارِ : أَوَّلَ مَا تَحْشُرُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ . وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِتَنِ دَائِمًا مِنَ الْمَشْرِقِ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ .
وَأَمَّا جَعْلُ الْغَايَةِ إِلَى الْمَغْرِبِ : فَلِأَنَّ الشَّامَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَشْرِقِ : مَغْرِبٌ “. انتهى
وأما عن هذه النار ، وهل تكون قبل قيام الساعة أم بعدها ؟
فجواب ذلك : أنه قد وقع خلاف بين أهل العلم في هذا الحشر هل هو قبل انتهاء الدنيا وقيام الساعة ، أم هو الحشر يوم القيامة بعد بعث الأرواح ؟
والذي عليه الجماهير من أهل العلم : أن هذا الحشر يكون قبل انتهاء الدنيا وقيام الساعة .
وهذا القول هو الذي رجحه البغوي في “شرح السنة” (15/125) ، والقاضي عياض في “إكمال المعلم” (8/391) ، والخطابي في “أعلام الحديث” (3/2269) ، والقرطبي في “التذكرة” (ص225) ، وابن رجب في “لطائف المعارف” (ص89) ، وابن كثير في “النهاية في الفتن والملاحم” (1/278).
وخالفهم في ذلك الحليمي كما في “شعب الإيمان” للبيهقي (1/546) ، وأبو حامد الغزالي كما في “الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة” (ص42) .
قال السفاريني في “لوامع الأنوار البهية” (2/155) :” اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَشْرِ النَّاسِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ، هَلْ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ قَبْلَهُ؟
فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَصَوَّبَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ : إِنَّ هَذَا الْحَشْرَ يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَأَمَّا الْحَشْرُ مِنَ الْقُبُورِ فَهُوَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا : إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ” .
وَقَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ “. انتهى
والقول الراجح ، الذي تؤيده الأدلة ، هو قول الجمهور ، وذلك لما يلي :
أولا : أنه جاء في حديث حذيفة بن أسيد :” لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ ” ، فدل ذلك على أن هذا الحشر يكون قبل قيام الساعة .
قال القاضي عياض في “إكمال المعلم” (8/391) :” وقوله: ” يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين ، واثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير . وتحشر بقيتهم النار ، تبيت معهم حيث باتوا ” الحديث: هذا الحشر هو في الدنيا قبيل قيام الساعة، وهو آخر أشراطها كما ذكره مسلم بعد هذا في آيات الساعة ، قال فيه: ( وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس ) ، وفى رواية: ( تطرد الناس إلى محشرهم ) ، وفى حديث آخر: ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز ) ، ويدل أنها قبل القيامة “. انتهى
ثانيا : أنه قد جاء في صفة هذا الحشر حديث أخرجه البخاري (6522) ، ومسلم (2861) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «” يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاَثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ ، وَثَلاَثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا ، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا ، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا ، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا » ” .
وفي الحديث بيان أن النار : تبيت وتقيل وتصبح وتمسي معهم ، وهذا لا يكون إلا في الدنيا . قال ابن الملقن في “التوضيح لشرح الجامع الصحيح” (30/37) :” ما ذكره عياض من أن ذَلِكَ في الدنيا : أظهر ، لما في نفس الحديث من ذكر المساء ، والمبيت ، والقائلة ، والصباح ، وليس ذَلِكَ في الآخرة “. انتهى
ثالثا : أنه قد ثبت في صفة الحشر يوم القيامة : أن الناس يحشرون حفاة عراة غرلا ، كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” « إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا » “. [ أخرجه البخاري (3349) ، ومسلم (2860) ] .
وهذه الصفة خلاف تلك الصفة التي وردت في حشر الناس لأرض الشام قبل البعث . قال الخطابي في “أعلام الحديث” (3/2269) في شرح حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين …” . قلت: الحشر المذكور في هذا الحديث : إنما يكون قبل قيام الساعة ، يحشر الناس أحياء إلى الشام. فأما الحشر الذي يكون بعد البعث من القبور، فإنه على خلاف هذه الصورة من ركوب الإبل والمعاقبة عليها ، إنما هو على ما ورد في الخبر أنهم يبعثون يوم القيامة حفاة عراة بهما غرلا . وقد قيل: إن هذا البعث دون الحشر ، فليس بين الحديثين تدافع ، ولا تضاد “. انتهى .
وقال البغوي في “شرح السنة” (15/125) :” قَوْله: يحْشر النَّاس عَلَى ثَلاث طرائق ، هَذَا الْحَشْر قَبْلَ قيام السَّاعَة ، إِنَّمَا يَكُون إِلَى الشَّام أَحيَاء ، فَأَما الْحَشْر بَعْد الْبَعْث من الْقُبُور عَلَى خلاف هَذِهِ الصّفة من ركُوب الْإِبِل والمعاقبة عَلَيْهَا ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا أخبر أَنهم يبعثون حُفَاة عُرَاة “. انتهى
رابعا : أنه قد جاء في حديث ابن عمر في وصف هذه النار الحاشرة، أن رسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «” سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ نَحْوِ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ ، قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ ، تَحْشُرُ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ “» . [أخرجه الترمذي (2217) ، وصححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (2768) ] .
فصرح الحديث بأن ذلك الحشر يكون قبل يوم القيامة . ثم إنه أوصى الناس بـ”الشام” ؛ وهذا لا يكون إلا قبل يوم القيامة . قال ابن الملك في “شرح المصابيح” (6/524) :” “قال: عليكم بالشام”، وهذا يدل على أن ذلك يكون قبل قيام الساعة “. انتهى
خامسا : أنه قد جاء في القرآن العظيم في صفة أرض المحشر : أنها غير الأرض التي نعيش عليها حيث قال الله تعالى :” يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ “. إبراهيم/48 .
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ» . [أخرجه البخاري (6521) ، ومسلم (2790)] .
وهذا التبديل على قولين لأهل العلم : إما هو تبديل كلي ؛ أي أرض غير الأرض تماما ، فهو تبديل عين بعين . أو تبديل صفة .
قال القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” (9/382) :” واختلف في كيفية تبديل الْأَرْضِ ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: إِنَّ تَبَدُّلَ الْأَرْضِ : عِبَارَةٌ عَنْ تَغَيُّرِ صِفَاتِهَا ، وَتَسْوِيَةِ آكَامِهَا ، وَنَسْفِ جِبَالِهَا ، وَمَدِّ أَرْضِهَا .. وَقِيلَ: اخْتِلَافُ أَحْوَالِهَا …
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْبَابَ مُبَيَّنًا فِي كِتَابِ” التَّذْكِرَةِ” ، وَذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ إِزَالَةُ هَذِهِ الْأَرْضِ ، حَسَبَ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[رَوَى مُسْلِمٌ ] «عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الأرض والسموات؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ » “. انتهى .وأيا ما كان من أمر التبديل ؛ فحشرُ النار الناسَ إلى الشام : دليل على أنه قبل القيامة ، حيث إن أرض المحشر يوم القيامة : ليس فيها معلم لأحد .
قال ابن كثير في “النهاية في الفتن والملاحم” (1/278) :” فَهَذِهِ السِّيَاقَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَشْرَ هُوَ حَشْرُ الْمَوْجُودِينَ فِي آخِرِ الدنيِا ، مِنْ أقطار محلة الحشر ، وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ ، وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ عَلَى أَصْنَافٍ ثلاثة ، فقسم يحشرون طَاعِمِينَ كَاسِينَ رَاكِبِينَ ، وَقِسْمٍ يَمْشُونَ تَارَةً وَيَرْكَبُونَ أُخْرَى ، وَهُمْ يَعْتَقِبُوَنَ عَلَى الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ ، وَثَلَاثَةٌ على بعير ، وعشرة على بعير ، يعني يعتقبونه من قلة الظهر ، كما تقدم ، كما جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ ، وَهِيَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ ، فَتُحِيطُ بِالنَّاسِ مِنْ وَرَائِهِمْ ، تَسُوقُهُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ ، وَمَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ أكلته النار .
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا في آخر الدنيا ، حيث الأكل والشرب ، والركوب على الظهر المستوي وغيره ، وحيث يهلك المتخلفون منهم بالنار .
وَلَوْ كَانَ هَذَا بَعْدَ نَفْخَةِ الْبَعْثِ ، لَمْ يبق موت ولا ظهر يسري ، وَلَا أَكْلٌ وَلَا شُرْبٌ ، وَلَا لُبْسٌ فِي الْعَرَصَاتِ “. انتهى
الحشر الثالث : وهو حشر الخلائق يوم القيامة .
قال تعالى : {(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) } ا [لبقرة/203] .
وقال تعالى : {(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) } [آل عمران/158]
وقال تعالى : {(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)} [البقرة/281]
وروى البخاري في صحيحه (3349) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، ثُمَّ قَرَأَ» : {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، «وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ » “: { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } [المائدة: 117]- إِلَى قَوْلِهِ – {العَزِيزُ الحَكِيمُ} [البقرة: 129] .
وينظر : “القيامة الكبرى” للشيخ عمر سليمان الأشقر، رحمه الله (56) وما بعدها .
وينظر أيضا : جواب السؤال رقم (21679).
الحشر الرابع : حشر المتقين إلى الجنة . قال الله تعالى : {( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} . [مريم/85- 86] .
ومما سبق يتبين أن المقصود بالنار الحاشرة التي وردت في السؤال أنها تكون قبل يوم القيامة ، حيث تسوق الناس إلى أرض الشام ، ثم عليها تقبض أرواحهم ، وليس المقصود بها نار تسوق الناس للحشر يوم القيامة كما ظن السائل ، والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب
Source link