وداعاً رمضان..  وحق ذوي الأرحام. – محمد سيد حسين عبد الواحد

قبل أيام معدودات لا تساوى فى حساب الزمان شيئاً وقفنا مثل هذا الموقف فى مثل هذا الجمع فى مثل يومنا هذا وتحديداً فى مثل هذا الوقت وقفنا نهنئ ونبشر ونبارك بقدوم شهر رمضان

أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه { (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) }

وفى الصحيحين من حديث عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ « « إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُكْتَبُ رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ ثُمَّ يُكْتَبُ شَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ أَوْ قِيدُ ذِرَاعٍ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ أَوْ قِيدُ ذِرَاعٍ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» » 

أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم 
قبل أيام معدودات لا تساوى فى حساب الزمان شيئاً وقفنا مثل هذا الموقف فى مثل هذا الجمع فى مثل يومنا هذا وتحديداً فى مثل هذا الوقت وقفنا نهنئ ونبشر ونبارك بقدوم شهر رمضان شهر الصيام والقرآن والقيام شهر الصدقة والإحسان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران لما جاءنا رمضان غرفنا بفضل الله من بحار بركاته وسبحنا بفضل الله فى بحار حسناته ثم دارت الأيام دورتها.. 

وها نحن اليوم أيها المؤمنون نقف نفس الموقف ونجتمع نفس الجمع وفى نفس الوقت لنودع الشهر الفضيل.. نسأل الله العظيم أن يتسلمه منا متقبلا.. 

لما جاءنا رمضان غمرنا بفضله وإحسانه، وأفاض علينا من بره وامتنانه فأحبنا وأحببناه وألفنا وألفناه ثم شمر الشهر الكريم عن ساق وحان وقت الفراق، ذلك أن الزمن لا يتوقف، وأن دوام الحال من المحال..

لملم الشهر الكريم أوراقه وهو يقول لكل مسلم ومسلمة سلام عليكم فإنى لا ألقاكم بعد عامى هذا إلا بين يدى الله عز وجل نسأل الله تعالى أن يُعيد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزماناً مديدة إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شئٍ قدير.. 

أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى رمضان :
من هذا العام وهو على أقوالنا وعلى أعمالنا شهيد , شهيد على كل من صلى وصام شهيد على كل تصدق ورتل القرآن وقام قال رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ رِبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّرابَ بِالنَّهَارَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ رَبِّ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قال صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَيَشْفَعَانِ» .. 

غاية ما نطنع فيه، وأقصى ما نرجوه أيها المؤمنون أن يتقبل الله بفضله وكرمه وإحسانه وإنعامه منا صيام رمضان وقيامه  .. 

كان بعض السلف إذا فرغ من صيام رمضان ودخل عليه يوم عيد الفطر يظهر عليه فى ذلك اليوم شيئ الحزن والخوف والقلق فيعتب عليه بعض أصحابه ويقول إن اليوم عيد يوم فرح وبهجة وسرور! وأنت على هذه الحال من الخوف والقلق ؟! 
فيقول الرجل لأصحابه صدقتم اليوم يوم فرح وبهجة وسرور ولكني عبد من عباد الله أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فعملته لكنى لا أدري أيقبل مولاى مني عملى أم يرده علىّ “

فى سنة من السنوات رَأى وهيب بن الورد عليه رحمة الله أقوامًا يضحكون في يوم عيد الفطر فقال إن كان هؤلاء تُقبّل منهم صيامهم وقيامهم فما هذا فعل الشاكرين وإن كان لم يُتقبّل منهم صيامهم ولا قيامهم فما هذا فعل الخائفين” 

قال مالك بن دينار عليه رحمة الله الخوف على العمل ألا يُتقبل أشد من العمل”

إنها ليست دعوة اليأس ولا للقنوط من رحمة الله أيها المسلمون إذ لا يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ , ولكنها دعوة إلى محاسبة النفس ومراجعة الذات لأن محاسبة النفس على العمل والخوف من عدم قبوله هى فى الأصل دعوة إلى الخير وإلى صدق النوايا ودعوة إلى الإخلاص والإتقان وهذه كلها من صفات المؤمنين ومن سمات أهل الصلاح المتقين ولا أقول ذلك من عند نفسى لكنها آيات الله تعالى وفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. 

لما أنزل الله تعالى من سورة المؤمنون قوله {(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )} سألت أم المؤمنين عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت من هؤلاء يا رسول الله ؟ أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ويزنون؟ فقال صلى الله عليه وسلم لا يا بنت الصديق ليسوا من يسرقون ويزنون ويشربون الخمر ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يتقبل الله منهم {(أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ )}

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل {(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) }

وقال فضالة بن عبيد رحمه الله “لو أني أعلم أن الله تقبل مني حسنة واحدة لكان أحب إلي من الدنيا وما فيها”

بعد ذهاب رمضان أيها المؤمنون نقول :
نحن بحاجة لأن نعيش العمر كله بأخلاقنا التى عشنا بها فى رمضان بسعة صدورنا وصدقنا وأمانتنا ووفائنا وطهارة قلوبنا ونظافة ألسنتنا وحبنا لبعضنا فأكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله تعالى والخلق الحسن كما قال النبى صلى الله عليه وسلم.. 

نسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا الثبات على الحق والخير والإيمان في الحياة وحتى الممات إنه ولي ذلم ومولاه وهو على كل شيء قدير.. 

الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث عن وداع رمضان أن نقول: نحن بحاجة لأن نعيش ما بقى لنا من أعمارنا وكأننا فى رمضان،  وخاصة عند التعامل مع الإخوة والأخوات والأعمام والعمام وغيرهم من الأقارب وذوي الأرحام.. 

نصبر ولا نجزع نحلم ولا نجهل نعفو ونتجاوز ونصفح ونحتسب أجورنا على الله ونعزى أنفسنا بقول ربنا سبحانه ( {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} ) 

لو طبقنا هذا فعلاً أيها المؤمنون وعشنا الحياة بصبرنا وسعة صدورنا وعفة نفوسنا وبأخلاقنا التى نتخلق بها فى رمضان نعيش بلا شك في مجتمع مثالي لا عداوة فيه ولا بغضاء لا أحقاد فيه ولا شحناء ولا فساد.. 

قال النبي عليه الصلاة والسلام ” ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه “

بأخلاقيات رمضان المجتمع الذى نعيش فيه يسوده الحب وتميزه المودة وتحفه التقوى، ويسري فيه التكافل والتراحم فى أتم صوره 
 مجتمع الصبر والصبر جزائه الجنة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم ، ومجتمع الصدق والصدق يهدي إلى البر كما قال النبى صلى الله عليه وسلم. 

في رمضان المسلمون لا يهجر بعضهم بعضا، لا يقطع بعضهم بعضا لا يحقر الغني منهم فقيراً، ولا يحقد الفقير منهم على غني، فالكل فيه سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بتقوى الله تعالى والعمل الصالح وينبغى أن يكون المسلمون على هذا الحال فى رمضان وفى غير رمضان 

( { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } )
لما فرض الله صيام رمضان جعل الحكمة من فرضه أن يتق المسلم ربه.. 

التقوى أيها المؤمنون ليست الهدف من الصيام وحده ولكنها الهدف من وراء كل ما فرض الله تعالى علينا من فرائض , التقوى هي الغاية من وراء كل ما شرّع الله لنا من شرائع .

التقوى هى أن تعيش حياتك من يوم بلوغك وإلى يوم الممات وأنت تملأ قلبك هيبة وخشية لله رب العالمين وصانا بهذا ربنا كما وصى الذين كانوا من قبلنا 

التقوى تواضع لعظمة الله تعالى وعبادة , التقوى طاعة بلا عصيان وذكر بلا نسيان وشكر بلا كفران فى رمضان وفى غير رمضان قال الله تعالى ( {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} )

التقوى تزكية الضمائر وإصلاح الذمم وتطهير النفوس وتنزيه القلوب عن المعاصى والذنوب فى رمضان وفى غير رمضان قال الحق سبحانه ( {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} ) 

التقوى ليست مجرد شكل خال من المضمون أيها المؤمنون، ليست التقوى طقوساً تمارس ولا تمتمات تقال وتخالفها الأعمال ليست التقوى صوراً ولا أشكالاً إنما تسكن التقوى القلوبَ ويظهرُ أثرها على اللسان وعلى عمل الجوارح والأركان قَالَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنظُرُ إِلَى أَعْمَالِكُمْ وَقُلُوبِكُمْ »


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *