منذ حوالي ساعة
مواقف تكشف الجانب الإنساني في شخصيته صلى الله عليه وسلم، بل إن إنسانيته عليه الصلاة والسلام تفوق إنسانية الخلق مجتمعةً، فهو بحقٍّ رحمة مهداة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «يَا بْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ»، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ»[1].
دروس وعبر:
لقد فُجِعَ النبي صلى الله عليه وسلم بفقْد ابنه إبراهيم، كما فُجِعَ بفَقْدِ جميع أبنائه في حياته ما عدا فاطمة رضي الله عنها، وإنها وربِّ الخلق لمن أشدِّ ما يصيب الإنسان في دار الفناء، فليست هناك مصيبة أشدُّ على المرء من فقْد الولد، فكان يستقبل هذا البلاء باليقين والصبر والرضا بقضاء رب العالمين، وكان صبره على فراقهم بمقدار تحمَّله لجميع شدائد الدنيا، فما كانت تتعدى ردةُ فعله سيلانَ عبراته الشريفة على خَدَّيْهِ الكريمين.
وتلك مواقف تكشف الجانب الإنساني في شخصيته صلى الله عليه وسلم، بل إن إنسانيته عليه الصلاة والسلام تفوق إنسانية الخلق مجتمعةً، فهو بحقٍّ رحمة مهداة.
الحكمة من موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم:
وردت الحكمة في موت أبناء النبي صلى الله عليه وسلم الذكور، وخاصة إبراهيم رضي الله عنه، فيما فقد روي عن أنس رضي الله عنه بسند صحيح قال: “لو عاش إبراهيم بنُ النبي صلى الله عليه وسلم، لكان صدِّيقًا نبيًّا”[2]؛ قال إِسْمَاعِيلُ: قُلْتُ لِابْنِ أَبِي أَوْفَى: رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «مَاتَ صَغِيرًا، وَلَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ عَاشَ ابْنُهُ، وَلَكِنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ»[3].
«قوله: (ولو قُضي) على البناء للمجهول، وهذا يحتمل أن يكون بيانًا لسبب موته ومداره على أن إبراهيم قد علق نبوته بعيشه، وهذا مبني على أنه عَلِم ذلك من جهته صلى الله عليه وسلم، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم ببعض الطرق الضعيفة، وكذلك جاء مثله من الصحابة، ومعنى الحديث على هذا: أنه لو قضى النبوة لأحدٍ بعده صلى الله عليه وسلم، لأمكَن حياة إبراهيم، لكن لَما لم يقضِ لأحد تلك، وقد قدِّر لإبراهيم أنه يكون نبيًّا على تقدير حياته، لزِم ألا يعيش، ويحتمل أنه بيان لفضل إبراهيم، وحاصله لو قدِّر نبيٌّ بعده صلى الله عليه وسلم، لكان إبراهيم أحقَّ بذلك، فتعيَّن حينئذ أن يعيش إلى أن يبعث نبيًّا، لكن ما قدِّر بعده، فلذلك ما لزم أن يعيش؛ انتهى[4].
[1] أخرجه البخاري 2/ 105 (1303)، ومسلم 7/ 76 (2315) (62).
[2] «مسند أحمد» (19/ 359 ط الرسالة):«وأخرجه البخاري (3744)، والنسائي في “الكبرى” (8199) و(8200)
[3] أخرج البخاري في “صحيحه” (6199).
[4] «شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه» (9/ 180).
_____________________________________________
الكاتب: السيد مراد سلامة
Source link