مسلمو الصين لا بواكيَ لهم – شريف عبد العزيز

اليوم مسلمو الإويجور يتعرضون لحملة صينية بشعة فيخطفون أطفالهم منهم بالقوة ويحتجزونهم في مدارس لتلقينهم وتنشأتهم على عقيدة الشيوعية ومحو عقيدة الإسلام.

من جديد ما زالت الأحداث تثبت لنا كل يوم، وبلا ما يدع مجالاً للشك، أن هذه الأمة مستهدفة دينياً وثقافياً وسياسياً وحضارياً وعلى كل المستويات وشتي المجالات من قبل أعدائها، كما أن هذه الأحداث مازالت تكشف لنا بجلاء عن حجم الخطيئة التي يرتكبها المسلمون بحق إخوانهم في الدين والعقيدة في شتي بقاع الأرض، وفداحة الغفلة بأبعاد المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد الأمة من كل اتجاه وعلي كل صعيد.

في اليومين السابقين عمت الاضطرابات العنيفة إقليم تركستان الشرقية ذي الأغلبية المسلمة في الصين، أثر الصراع العنيف الذي نشأ بين الأقلية الصينية والذين ينحدرون من قومية الهان وهم من أتباع الوثنية، وبين مسلمي الإقليم وهم ينحدرون من قومية الإويجور، وتدخل الشرطة الصينية لصالح بني دينهم وقوميتهم، وقد تمتد الاضطرابات لتشمل عدة مدن كبيرة داخل الإقليم الكبير ذي الأهمية الخاصة لدي الحكومة الصينية الشيوعية.

فماذا يعرف المسلمون عن مسلمي الصين ؟
كما قلنا أن هذه الأحداث تكشف لنا بجلاء عن مدي الغفلة بحجم الأمة المسلمة وأبعادها وحدودها والمنتمين إليها، ودائما المسلمون ينتظرون نازلة أو كارثة حتى تكشف لهم عن جزء من أجزاء أمتهم المبعثرة، مثلما حدث مع مجازر البوسنة والهرسك في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم، عندما اكتشف المسلمون أن لهم أمة كبيرة في قلب أوروبا تقدر بالملايين، وهم لا يعرفون عنها شيئاً قط، حتى وقعت الواقعة، وكذلك لما سقط الاتحاد السوفيتي، وجد المسلمون أن أمم ضخمة بعشرات الملايين كانت تعيش في أسر هؤلاء الطغاة، وهكذا الحال مع مسلمي الصين الذين يقدر تعدادهم وفق الرواية الرسمية الصينية ب 25 مليون مسلم، وهو عدد ضئيل للغاية، بل مضحك أيضا، لو قورن بتعداد الصين الضخم، ونسب الإحصاء الرسمية التي تصدر من كل إقليم علي حدة وتوضح نسب كل قومية وديانة، والحق أن تعداد المسلمين في الصين يفوق ال150 مليون صيني، ينتمون إلي إلى عشر قوميات منها الهوى والقازاق والطاجيك والقرغيز ومنهم الإويجور الذين يمثلون رأس الحربة المسلمة في مواجهة الطغيان الشيوعي الصيني، ومسلمو الصين يواجهون أشد صنوف الاضطهاد والقهر ومصادرة أبسط الحقوق منذ ستين سنة، أي منذ وقوع تركستان الشرقية تحت الاحتلال الصيني الشيوعي. 

تاريخ تركستان الشرقية:
– تعتبر تركستان الشرقية جزء قديماً من أجزاء العالم الإسلامي، فقد فتح القائد قتيبة بن مسلم كاشغر عاصمة تركستان الشرقية سنة 96 هجرية، وضمها للدولة الإسلامية ومن يومها صارت تركستان الشرقية من أجزاء العالم الإسلامي واستوطنها كثير من المسلمين العرب والأتراك، وأقاموا بها حضارة كبيرة، وتناولتها الممالك والدول الإسلامية، مثل الدولة السامانية والدولة القراخانية والدولة الخوارزمية، وهكذا ظلت تركستان تابعة للعالم الإسلامي لقرون عديدة، عبر بوابتها دخل الإسلام لباقي بلاد الصين وانتشر في كل أقاليمها، تمتع المسلمون بمكانة خاصة في بلاد الصين خلال عهد سونج 308 هجرية – 675 هجرية، وعهد يوان 675 هجرية – 769 هجرية، وعهد منج 770 هجرية – 1053 هجرية، وتبوأ المسلمون أرفع الوظائف والمناصب، مما أورث الصينيين البوذيين حقداً شديداً علي المسلمين انتظروا حتى جاء العهد المنشوري 1054 هجرية – 1329 هجرية، وفيه بدأ المسلمون يتعرضون للاضطهاد بسبب مساندتهم للعهد السابق، وحل الصينيون البوذيون محل المسلمين في الوظائف و الوزارات، ومما زاد الطين بله وقوع المسلمين في صراع مذهبي فيما بينهم بين أتباع المذهب الظاهري والمذهب الشافعي، ووقعت مصادمات عنيفة بسبب ذلك عدة مرات، والسلطة المنشورية تستغل هذا الصراع للتنكيل بالمسلمين.

– ظلت تركستان الشرقية تابعة للعالم الإسلامي حتى ضعف المسلمون وذهبت ريحهم، فانتهز حكام الصين من الأسرة المنشورية الفرصة وشنوا حملة عسكرية علي تركستان الشرقية، واحتلوها سنة 1759 ميلادية، ولكن أهلها الأتراك الإويجور استطاعوا تحرير الإقليم سريعاً، ولكن تدخل انجلترا صاحبة النفوذ القوى داخل الصين أيام الحكم المنشوري جعل الصينيون يحتلون تركستان الشرقية مرة آخري سنة 1876 ميلادية، وأصبحت تركستان الشرقية من يومها خاضعة للصين وحتى وقتنا الحاضر.

سينكيانج أم تركستان الشرقية؟
– عمد الصينيون علي طمس الوجود الإسلامي من تركستان الشرقية، وتعفية أثر الحضارة الإسلامية فيها، فغيروا اسم الإقليم من تركستان الشرقية إلي سينكيانج أي المقاطعة الجديدة باللغة الصينية، وقاموا بتهجير أعداد كبيرة من قومية الهان الصينية البوذية للإقليم لخلخلة التركيبة السكانية هناك، ولكن ظلت الأغلبية هناك للمسلمين الإويجور، ولم تهدأ ثوراتهم ضد المحتل الصيني، وسقط عشرات الألوف من مسلمي الإويجور دفاعاً عن بلادهم.

– وبعد سقوط الحكم المنشوري وقيام الجمهورية واصل المسلمون جهادهم نحو الاستقلال، وفي سنة 1349 هجرية وقعت حادثة أججت مشاعر المسلمين، إذ قام رئيس الشرطة الصيني في مدينة حامي بالإقليم بالاعتداء علي امرأة مسلمة، فقام المسلمون بقتله هو ومعظم رجاله، واندلعت انتفاضة كبري بالإقليم، وتغلبوا علي الحاميات الصينية التي جاءت لمحاربتهم، وطلبت الصين مساعدة روسيا، فلم يفد ذلك إذ أحكم المسلمون قبضتهم علي الإقليم، وأعلنوا قيام جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية سنة1352 هجرية – 1933 ميلادية، واختيرت مدينة كاشغر التاريخية عاصمة لها، ولكن تحالف الجيش الصيني مع الجيش الروسي قضي علي هذه الجمهورية الوليدة سريعا بعد سنتين.

– ومع وصول الشيوعيين لسدة الحكم في الصين سنة 1369 هجرية – 1949 ميلادية، زادت معاناة مسلمي الصين، إذ عمدوا لتطبيق سياسة القبضة الحديدة علي الإقليم، وأغلقوا المساجد والمدارس، وفرضوا المذهب الشيوعي فرضاً علي مسلمي الإقليم، وواصلوا عملية التهجير العكسية لخلخلة التركيبة السكانية هناك، حتى ارتفعت نسبة قومية الهان الصينية البوذية من 6% سنة 1942 إلي 40% سنة 2001، وفقاً للإحصائيات الرسمية.

– استولي الصينيون الهان علي كل المناصب الهامة في الإقليم سياسية واقتصادية وعلمية ومهنية، في حين بلغ الاضطهاد لمسلمي الإويجور أعلي مستوياته، وأهملوا بشدة وحوربت شعائرهم وعقائدهم ومنعوا من أدائها، ومنعوا من التكلم باللغة التركية الإويجورية، وفرضوا عليهم تحديد النسل بأشد الصور، وحرموا من كافة الخدمات التي ينعم بها الصينيون الهان في نفس الإقليم، مما جعل المسلمون ينظمون صفوفهم ويطالبون بالاستقلال، وقامت حركات المقاومة المطالبة بالإستقلال مثل حزب الله الإويجوري، وحزب الإويجور الإسلامي.

– وعلي الرغم من دموية أحداث سبتمبر 2001 إلا أنها كانت مغنماً حقيقياً للكثير من الدول، وعلي رأسها الصين وروسيا، إذ انتهزتا الفرصة لقمع مسلمي الإويجور والشيشان، وكلا القضيتين واحدة، وكانت الصين أسرع عملاً من مثيلاتها من الدول المضطهدة للمسلمين، إذ شنت السلطات الصينية حملة اعتقالات كبيرة في الإقليم بعد أحداث سبتمبر بأيام، شملت معظم الدعاة والعلماء والمشايخ والنشطاء الإويجور، وحكمت علي معظمهم بالإعدام، وتم التنفيذ في ميادين عامة وبمنتهى الوحشية، والعالم المتحضر يراقب الأوضاع هناك بكل سرور وحبور لما يفعله الشيوعيون البوذيون بمسلمي الإويجور، تحت مسمي محاربة الإرهاب.

لماذا كل هذا الاضطهاد والتنكيل ؟
بجانب البعد الديني والعقائدي والتاريخي في اضطهاد الصينيين البوذيين للمسلمين عموماً والإويجور خصوصاً، فهناك العديد من الأسباب الأخرى التي تدفع مسئولو الصين للضغط الدائم علي الإقليم وسكانه الإويجور منها:
1- المساحة الضخمة للإقليم والتي تبلغ 1.6 مليون كيلو متر مربع، أي سدس مساحة الصين، أي يعتبر أكبر أقاليم الصين مساحة. 

2- الموقع الجغرافي الحيوي والاستراتيجي للإقليم الذي يمثل بوابة الصين الغربية والمطلة علي القارة الأسيوية، ومنفذه التصديري الوحيد لأسيا، والمتاخمة أيضا للجمهوريات الإسلامية في أسيا الوسطي مثل طاجيكستان وكازاخستان وقيرغزستان، ولها حدود أيضا مع أفغانستان وباكستان،وروسيا مما جعل الصين تجعلها مساحة عازلة واقية من الأخطار الخارجية،لذلك جعل الصينيون الإقليم منطقة عسكرية شبه مغلقة، وشحنوها بأحدث الأسلحة حتى أن معظم ترسانة الصين من الصواريخ البالستية موجودة بالإقليم. 

3- وجود ثروات طبيعية ضخمة من المعادن والبترول والغاز الطبيعي، وكان لاكتشاف البترول بكميات ضخمة بالإقليم مدعاة لزيادة التشديد علي الإقليم لمنع أي حركة استقلالية. 

4- إصرار مسلمي الإويجور علي الحصول علي كامل حقوقهم المهدورة منذ العهد المنشوري، أو الإستقلال وذلك بأي ثمن، وهم بذلك يختلفون عن سائر مسلمي الصين في خارج تركستان الشرقية، إذ أنهم قد رضوا بواقعهم المرير، ولا يطالبون بتغييره، لذلك فالإويجور مضطهدين حتى خارج تركستان الشرقية.

والسؤال المعتاد: أين المسلمون؟
قد تكون غفلة المسلمين بما يجري لإخوانهم الإويجور لها بعض ما يبررها، بسبب الحملة الشرسة التي يشنها الغرب علي الإسلام والعالم الإسلامي، وبسبب كثرة الجراحات المفتوحة والمتأججة في العديد من البقاع، أو بسبب الانهيار الاقتصادي والعلمي والاجتماعي التي عليه الكثير من البلدان المسلمة هذه الأيام، كل ذلك قد يبرر بعض الغفلة عن قضية الإويجور، ولكن الذي لا يمكن أن يقبل شرعاً وعقلاً وعرفاً أن تشترك بعض الدول الإسلامية في المؤامرة علي مسلمي تركستان الشرقية، فدول مثل كازاخستان وطاجيكستان وقيرغزستان وأوزبكستان قد تحالفت مع الصين وروسيا – الأعداء التقليديون لمسلمي الصين – ووقعت اتفاقية شنغهاي لمحاربة الأصولية الإسلامية، وأول بنودها ترحيل مسلمي الإويجور اللاجئين في هذه الدول إلي الصين، لمحاكمتهم والتنكيل بهم، ورفضت عدة دول مثل باكستان وأفغانستان استقبال الطلبة الإويجور في مدارسها ومعاهدها، وأغلقت دور الضيافة الخاصة بهم.

واليوم مسلمو الإويجور يتعرضون لحملة صينية بشعة فيخطفون أطفالهم منهم بالقوة ويحتجزونهم في مدارس لتلقينهم وتنشأتهم على عقيدة الشيوعية ومحو عقيدة الإسلام.

 والأيام القادمة ستحمل علي الأرجح ما هو أبشع في ظل توارد الأنباء عن استعداد قومية الهان البوذية لمجازر مروعة وواسعة النطاق بحق مسلمي الإقليم، وهم الذين سيذبحون ويقتلون رجالاً ونساء، وكبارا ً وصغاراً، ولا يسمع بهم أحد، ولا يبكي لهم أحد.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *