قال ﷺ: «ما من خارجٍ يخرُج – يعني: من بيته – إلا ببابه رايتان: رايةٌ بيد ملك، ورايةٌ بيد شيطان، فإن خرج لما يُحب الله عز وجل، اتَّبعه الملكُ برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يُسخط الله، اتَّبعه الشيطانُ برايته…»
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من خارجٍ يخرُج – يعني: من بيته – إلا ببابه رايتان: رايةٌ بيد ملك، ورايةٌ بيد شيطان، فإن خرج لما يُحب الله عز وجل، اتَّبعه الملكُ برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يُسخط الله، اتَّبعه الشيطانُ برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان، حتى يرجع إلى بيته»؛ (رواه أحمد برقم (8286)[1].
ورواه برقم (7936) عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا مرفوعًا بلفظ: «ما من خارج يخرج –يعني من بيته– إلا بيده رايتان».
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (خرج تحت راية ملك، أو راية شيطان حتى يرجع):
قال السندي في “حاشيته على مسند الإمام أحمد” (8/442): قوله: (إلا بيده رايتان)؛ أي: إلا يتبعه رايتان، كأنه يملكهما فهما بيده، كما يُقال لما يملكه أنه بيده؛ لأنهما في تصرفه، يختار منهما لنفسه ما شاء.
والمراد: أنه إن خرج في طاعة الله، فالملك يُعينه حتى كأنه ماشٍ في ظل رايته، وإن خرج في معصيته، فالشيطان يُعينه، والله تعالى أعلم.
وقال البنا: في “الفتح الرباني” (5/ 54): الراية: بمعنى العلم.
قوله: «خرج لما يحب الله»: أي: كحجٍّ أو جهاد أو تجارة جائزة، يستعين بها على نفقة أولاده، أو صلة رحم، أو عيادة مريض، أو نحو ذلك.
قوله: «فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته» : كناية عن رعاية الله له وحفظه من الشيطان، ومن كلِّ ما يكره حتى يرجع إلى بيته[2].
قوله: «وإن خرج لما يُسخط الله»؛ أي: كسرقة، أو قتل نفس حرَّم اللهُ قلتها، أو زنا، أو تجارة فيما يَحْرُمُ بيعه، أو نحو ذلك.
قوله: «فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته»: كناية عن تسلُّط الشيطان عليه، وارتكابه ما يغضب الله، نعوذ بالله من ذلك[3]؛ اهـ.
وفي “شرح الأربعين” للشيخ الحجوري – وفَّقه الله تعالى – (ص189): فالذي يخرج في معصية الله ليس بمستقيم، يخرج في معصية الله، فيتبعه الشيطان برايته، ويتولاه الشيطان برايته، فيصير قرينه، والذي يخرج في طاعة الله يخرج على استقامة، فيتولاه الملك؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [سورة فصلت: 30 31]؛ اهـ.
قلت: فالخارج في طاعة الله، وإلى ما يُحبه الله ويرضاه، يُسدَّد ويُوفَّق ويُهدى رُشَده، بخلاف الخارج في معصية الرحمن، وتحت راية شيطان، كم وكم قد تتوالى عليه من نكبات، وحوادث وخلافات ومُؤذيات، ومصائد الشيطان ومكره، وخداعه وتسلُّطاته ووسَاوِسِه كثيرة، نسأل من الله الكريم السداد وصرف الغواية.
وثمَّت تتمةٌ لمعنى هذا الحديث، يأتي ذكرها في السبب الثاني والثلاثون إن شاء الله تعالى.
[1] حسنٌ: راجع: “الصحيح المسند” برقم (1261)، و”تحقيق المسند” (14/ 42).
[2] وإبقاء الحديث على ظاهره، وأن الخارج في طاعة الله يكون تحت راية الملك، المُوكَّل بحفظه بأمرٍ من الله، أسلم، لقوله تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ﴾ [الرعد: 11].
قال الحافظ ابن كثير: “تفسيره” (4/ 437)؛ أي: للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حَرَس بالليل وحَرَس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار؛ اهـ.
[3] سبق التنبيه، وأن إبقاء الحديث على ظاهره أسلم، كما تقدم، والله أعلم.
Source link