الكونُ كله مسخَّرٌ بأمر الله عزوجل : فلايحدث فيه شيء من الزلازل أو العواصف أو الكوارث والمصائب إلا بإرادته وحكمته
*محمد بديع موسى*
١- الكونُ كله مسخَّرٌ بأمر الله عزوجل : فلايحدث فيه شيء من الزلازل أو العواصف أو الكوارث والمصائب إلا بإرادته وحكمته، فإذا جاء أمر الله لاتنفع التنبؤات ولا الراصدات ولاكل أسباب الوقاية، {{ وَیُرِیكُمۡ ءَایَـٰتِهِ فَأَیَّ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ }} [سُورَةُ غَافِرٍ: ٨١].
{{ قُلِ ٱنظُرُوا۟ مَاذَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا تُغۡنِی ٱلۡـَٔایَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ }} [سُورَةُ يُونُسَ: ١٠١].
٢- وهذه الأحداث من علامات الساعة التي أطلع اللهُ نبيَّه عليها، وأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ليستعد الناس لها بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله تعالى، كما في البخاري «:” لا تقوم الساعة حتّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، ويَتَقارَبَ الزَّمانُ، وتَظْهَرَ الفِتَنُ، ويَكْثُرَ الهَرْجُ: وهو القَتْلُ القتل..”»
٣- من حِكَم الله في الكوارث إيقاظ الغافلين، واتعاظ المؤمنين، والانتقام من العصاة المذنبين {{ وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡـَٔایَـٰتِ إِلَّا تَخۡوِیفࣰا }} [سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ٥٩].
– ولقد خوّف الله بالكوارث والمصائب والمحن أقواما عبر التأريخ فلم يتعظوا بل ازدادوا فجوراً وعصياناً وتمادياً في الضلال. {{ وَلَقَدۡ أَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ لِرَبِّهِمۡ وَمَا یَتَضَرَّعُونَ }} [سُورَةُ المُؤۡمِنُونَ: ٧٦] {{ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا یَزِیدُهُمۡ إِلَّا طُغۡیَـٰنࣰا كَبِیرࣰا }} [سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ٦٠]. {﴿وَلَنُذِیقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ﴾} [السجدة ٢١].
٤- ولا يَنبَغي لِأحَدٍ أنْ يَأْمَنَ مِن عَذابِ اللهِ تعالَى. وعليه الاستِعدادُ بالمُراقَبةِ للهِ، والالتِجاءِ إليه عِندَ اختِلافِ الأحوالِ وحُدوثِ ما يُخافُ بسَبَبِه. ولا يقف عند السبب المادي في تفسير آيات الله والنوازل، بل يربط كلَّ ذلك بمالك الملك ومُسبّب الأسباب،
ففي “الصحيحين” : «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ: “اللَّهُمَّ، إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ”. قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلت السَّمَاءُ [ أي: تهيأت للمطر ] تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ، فَسَأَلَتْهُ، فَقَالَ: “لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ» : { { فَلَمَّا رَأَوۡهُ عَارِضࣰا مُّسۡتَقۡبِلَ أَوۡدِیَتِهِمۡ قَالُوا۟ هَـٰذَا عَارِضࣱ مُّمۡطِرُنَاۚ بَلۡ هُوَ مَا ٱسۡتَعۡجَلۡتُم بِهِ رِیحࣱ فِیهَا عَذَابٌ أَلِیمࣱ } } [ الأَحۡقَافِ: ٢٤] .
– فعلى المُترَفين المُنعَّمين المذنبين – من باب أولى – أن لايغتروا بماهم عليه ولايأمنوا مكر الله المفاجئ {{ أَفَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰۤ أَن یَأۡتِیَهُم بَأۡسُنَا بَیَـٰتࣰا وَهُمۡ نَاۤئمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰۤ أَن یَأۡتِیَهُم بَأۡسُنَا ضُحࣰى وَهُمۡ یَلۡعَبُونَ. أَفَأَمِنُوا۟ مَكۡرَ ٱللَّهِۚ فَلَا یَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ }} [سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ٩٧-٩٩].
٥- ولايغترُّ الآمنُ بمالديه من أسباب الوقاية التي وصل إليها بعلمه وقوته، فقوة الله وشدة بأسه لايقف بوجهها الخلق كلهم.
{{ فَلَمَّا جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَرِحُوا۟ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ }} [سُورَةُ غَافِرٍ: ٨٣].
{{ فَأَمَّا عَادࣱ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُوا۟ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِی خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰ وَكَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ . فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحࣰا صَرۡصَرࣰا فِیۤ أَیَّامࣲ نَّحِسَاتࣲ لِّنُذِیقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡیِ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَخۡزَىٰ وَهُمۡ لَا یُنصَرُونَ }} [سُورَةُ فُصِّلَتۡ:١٥- ١٦].
٦- ومن أعظم الحُمق والغفلة أن يفسر البعض تلك المصائب بأنها ظواهر طبيعية تتكرر عبر التأريخ، وتنتاب القشرة الأرضية أو الغلاف الجوي عبر الزمن ولايشير إلى حكمة الله منها.
فقد أوضح الله السبب الذي ابتلى به الأمم السابقة بقوله: { { وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِی قَرۡیَةࣲ مِّن نَّبِیٍّ إِلَّاۤ أَخَذۡنَاۤ أَهۡلَهَا بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَضَّرَّعُونَ }} [سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ٩٤].
وأخبر عن تفسيرات الغافلين المادية بقوله: {{ وَّقَالُوا۟ قَدۡ مَسَّ ءَابَاۤءَنَا ٱلضَّرَّاۤءُ وَٱلسَّرَّاۤءُ فَأَخَذۡنَـٰهُم بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ }} [سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ٩٥].
٧_ والأصل أن المصائب والبلايا بسبب ذنوب الناس {{ ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِی ٱلنَّاسِ لِیُذِیقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِی عَمِلُوا۟ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ } } [سُورَةُ الرُّومِ: ٤١]. {{ وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ } } [سُورَةُ الشُّورَىٰ: ٣٠]، وإذا كان الله قد أهلك قوم لوط وقوم شعيب وصالح ونوح وهود بمعصية واحدة أو ببعض المعاصي، {{ فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِ حَاصِبࣰا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّیۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ } } [سُورَةُ العَنكَبُوتِ: ٤٠]
فالواجب علينا أن لانأمن مكر الله إن وقعنا بما وقعوا به – أو بمثله – من المخالفات.
{{ أَفَأَمِنَ ٱلَّذِینَ مَكَرُوا۟ ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن یَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ یَأۡتِیَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَیۡثُ لَا یَشۡعُرُونَ. أَوۡ یَأۡخُذَهُمۡ فِی تَقَلُّبِهِمۡ فَمَا هُم بِمُعۡجِزِینَ }} [سُورَةُ النَّحۡلِ: ٤٥- ٤٦].
٨- وقد يأخذ الله بهذه الكوارث الصالح مع الطالح، ثم يبعث الناس على نياتهم . {{ وَٱتَّقُوا۟ فِتۡنَةࣰ لَّا تُصِیبَنَّ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمۡ خَاۤصَّةࣰۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ }} [سُورَةُ الأَنفَالِ: ٢٥].
– ففي الصحيحين «قالَتْ زينب: يا رسولَ اللهِ، أنهْلِكُ وفينا الصّالحونَ؟! قالَ ﷺ: “نعَمْ إذا كثُرَ الخبَثُ”» .
– وفي الصحيحين قال ﷺ: «“إنَّ اللهَ إذا أنْزَلَ سَطْوَتَهُ بِأهلِ نِقْمَتِه وفيهِمُ الصّالِحُونَ، فَيُصابُونَ مَعهُمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ على نِيّاتِهمْ”» .
– أسأل الله تعالى أن يجبر مصاب إخواننا في المغرب وليبيا، وأن يعوضهم خيرا، وأن يصرف عنا البلاء والمحن، وأن لايعاملنا بما نحن أهله، بل بما هو أهله، فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة.
Source link