إن النعرات الجاهلية والعصبية القبلية ولاء لغير الله عز وجل وبعد عن مفهوم الإسلام الصحيح وضعف في الإيمان، وسبب للفرقة والإختلاف بين المسلمين، وهما سبب لضعف الشوكة وتفرق الكلمة واستباحة الدما
إن الناس في هذه البلاد يجمع بينهم دين واحد هو دين الإسلام وعقيدة واحدة هي عقيدة السلف الصالح، ذلك الدين وتلك العقيدة التي قامت عليها دولاتنا سددها الله تعالى فكان النتاج ألفة وحب ومودة وتكاتف بين أفراد المجتمع، ألفة غلبت على نعرات الجاهلية، ومودة أنهت العصبيات القبيلة، فها نحن نعيش في وارف دوحة التوحيد، ولاؤنا لله نحب في الله ونبغض في الله،
ولكن أعداء الإسلام لم يرق لهم هذا التماسك بيننا في هذه البلاد، فهاهم يحاولون إثارة النعرات الجاهلية، والعصبيات القبلية، يجاهدون لتمزيق وحدتنا، سخروا لذلك القنوات الفضائية، والمسابقات الشعرية، وعقدوا لذلك الحوارات الفوضاوية، أقيمت لأجلها المناسبات، شعر وخطب فيها استعلاء على الأخرين مليئة بالغمز والطعن الظاهر والدفين، دعوا للعنصر واللون، استجاب لهم ضعفاء الإيمان، نطقت بهذه الفتنة الكتابات على الجدران، شهدت عليها طاولات الطلاب وجدران دورات المياه، وقع في حبائلها الكثير حتى إنك لتجد الرجل يقيم شعائر الدين، ويبكي من خشية الله، وفيه خير كثير، ثم تجده بعد ذلك قدْ ملئ قلبه بالعصبية، فلأجلها يحب ومن أجلها يعادي، كأنه لا يعلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان».
أيها المسلمون:
وهذه النعرات والعصبيات التي يجتهد في إقامتها بيننا أعداؤنا ويستجيب لها ضعفاء العقول قد تحيي النزاعات وتتجدد بها الثأرات فلا يستهينن بها أحد فإنها إرهاصات ومقدمات لتفكيك مجتمع التوحيد في هذه البلاد، وإضعاف شوكتنا، وزرع الفتنة بيننا وانظروا إلى ما حدث بين أفضل الأجيال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جلسوا ذات يومٍ فجاء شابٌ يهوديٌ فجلس معهم وذكر يوم بُعاث وهي حربٌ بين الأوس والخزرج وذكر شيئاً من شعرها التي أذكت نارها فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الرُكب ثم قال أحدهما إن شئتم رددناها الآن جذعةً فغضب الفريقان جميعاً وقالوا قد فعلنا موعدكم الظهر عندالحرة السلام السلام.. فخرجوا إليها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال: «يا معشر المسلمين اللهَ اللهَ أبدعوى الجاهلية.. وأنا بين أظهركم.. بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به وقطع عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم ؟! فعرف القومُ أنها نزعةٌ من الشيطان وكيداً من عدوهم فبكوا وعانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين». (رواه ابن هشام والطبري).
أيها المسلمون:
ولقد جاء الإسلام بذم الحمية لغير الدين فقال {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية» (ابوداود).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحدولا يفخر أحد على أحد» (رواه مسلم) وقال صلى الله عليه وسلم (كلكم لآدم وآدم من تراب).
وروى الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله قد أذهب عنكم عبيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى».
وروى حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب، ولينتهين قومٌ يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجِعلان» (رواه الترمذي وأبو داود).
أيها المسلمون:
والفخر بالآباء والاعتزاز بالانتماء القبلي قد يدفع المرء إلى النار التي حذرنا الله منها، ذلك أنه قد يفتخر بالكفرة من آبائه وأجداده، وما دفعه لذلك إلا العصبية الجاهلية، جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد (5/128) بإسناد صحيح.
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: انتسب رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان، فمن أنت لا أم لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام، فقال أحدهما: أنا فلان ابن فلان حتى تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ قال: أنا فلان ابن فلان ابن الإسلام، قال: فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: أن هذين المنتسبين، أما أنت أيها المنتمي إلى تسعة من النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة».
وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم»، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام قال: «وإن صلى وصام فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله» (رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح).
ولما سئل سلمان الفارسي رضي الله عنه عن نسبه قال: أنا ابن الإسلام. ولما بلغ عمر مقولته هذه بكى، وقال: أنا ابن الإسلام.
ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تربية أصحابه على نبذ العصبية لغير الدين، جاء عند البخاري ومسلمٍ أن أبا ذرٍ غضبَ من بلال رضي الله عنهما فدعاه قائلاً يابن السوداء فاشتكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا أبا ذر إنك امرؤٌ فيك جاهلية فما كان من أبي ذرٍ إلا أن وضع خده على الأرض وطلب من بلاٍل أن يطأه بقدمه تكفيراً لذنبه.
وقال المفسرون في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] أي جعلناكم شعوباً وقبائل لتتعارفوا لالتتفاخروا، فحسمت هذه الآية موضوع التفاخر بتأصيل ثلاث ركائز.
الأولى: أن أصل خلق الناس جميعاً واحد.. من ذكرٍ وأنثى.
الثاني: أن ما يحتج به الناس بانتسابهم إلى شعب كذا أو قبيلة كذا مما لم يأذن به الله لأجل التفاخر، وإنما أذنبه لأجل التعارف فحسب، لما يترتب عليه من حقوق وواجبات وأن موضوع العائلة أوالقبيلة ليس للفخر وإنما للتواصل وأن يساعد الغني الفقير وصاحب الجاه المحتاج إليه ولصلة الرحم فيما بينهم ولذلك ورد في حديث الترمذي «اعرفوا من أنسابكم ماتصلون به أرحامكم».
الثالث: أن التفاخر والتفاضل والتقدم إنماهو لأهل التقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كل ما خرج عن دعوى لإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية، بللما اختصم مهاجري وأنصاري فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، غضب الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك غضباً شديداً فقال: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم» (انتهى كلامه رحمه الله).
أيها المسلمون:
إن النعرات الجاهلية والعصبية القبلية ولاء لغير الله عز وجل وبعد عن مفهوم الإسلام الصحيح وضعف في الإيمان، وسبب للفرقة والإختلاف بين المسلمين، وهما سبب لضعف الشوكة وتفرق الكلمة واستباحة الدماء، فأرفعوا أنفسكم وكونوا المسلمين المؤمنين عباد الله، فإن الإنسان إنما يسعد بحبه في الله وبغضه في الله، والفخر الحقيقي والنسب الناصح هو الإسلام، فبه نحيا، وعليه نموت، وإليه ننتسب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 102، 103]
أيها المسلمون ومن المناسبات التي استغلت لتجديد النعرات الجاهلية والعصبيات القبلية وإن استترت وراء التعارف تلك المناسبات التي يدعى لها المشائخ والأعيان وتنتقل من مكان وقبيلة إلى مكان، شعرها وخطبها الفخر والمدح المبالغ فيه أوالكاذب، أضف إلى ذلك مايحصل فيها من الإسراف وكفر النعم، ولو دعوت المضيف أو المجتمعين للتبرع لما قدموا ريالاً للضعفاء والأيتام والمساكين، ولو قدم تبرع لكان زهيداً لايساوى ما يهدر من الالاف والملايين، ولقد كان الأولى بالإجتماعات وماينفق فيها ويذهب من الطاقات أن توجه لعون فقراء القبيلة الذين لا يفتح لهم باب، ولا يسمع منهم جواب، لا يعزمون على وليمة وأنفسهم عن سؤال الناس كريمة، وليعلم أيها المسلمون أن كل من أقام مناسبة من هذه المناسبات اشتد في أن يباري من سبقه ليغلبه ويتميز عليه بما يقدمه من الطعام، ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من معاقرة الأعراب ومن طعام المتباريين: فعن ابن عباس رضي الله عنه قال ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب).
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل) ( أبو داود) وهي عقرهم الإبل وكان الرجلان يتباريان في الجود والسخاء فيعقر هذا إبلاً ويعقر الآخر حتى يعجز أحدهما رياء وسمعة ولا يقصدون به وجه الله فصار شبيها بما ذبح لغير الله.
فلا يجوز شهود مثل هذه الإجتماعات ولا الأكل من طعامها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها.
__________________________________
المصدر: الإسلام العتيق
Source link