منذ حوالي ساعة
انظُروا إلى الضَّنك والضيق الذي يعيش في أتّونه الأسرة الغربيَّة في ظل القوانين الوضعيَّة الفاسدة، وسعادة الأسرة المسلمة تَحت الظلال الوارفة للتَّشْريع الرباني!
تشْهد أمريكا وأوربا وغيرُهُما من بلاد العالم منذ سنواتٍ قريبة جنونًا جنسيًّا خطيرًا، سواء في عالم الأزْياء والتجْميل، أو في عالم الكتُب والأفلام، أو في عالم الواقِع على كلِّ صعيد، حتَّى غدا الجِنْس الشُّغل الشَّاغل لمعظم أفراد المجموعة البشريَّة؛ بل أضْحت مُمارسته والإغْراق فيه الحياة وقمَّة الأمنيات لدي كثيرٍ من النَّاس.
وقد أدَّى التدَهور في العلاقات الجنسيَّة أن هاجَمت الحركة النسويَّة نظام الأسرة، واعتبرتْه مؤسَّسة قهْر المرأة جنسيًّا، وطرحت الشّذوذ الجِنْسي كبديلٍ للزَّواج، ومُخلّص للمرأة من سيْطرة الرَّجُل، وفي بداية الخمسينيَّات طالبت الحركة النسويَّة بشرعيَّة مُمارسة الشُّذوذ الجِنسي قانونيًّا، وهكذا حدث الانتِقال من المساواةِ إلى الاستعلاء ثمَّ الاستِغْناء.
في فرنسا مثلاً: أصبح ما يسمَّى بـ “الرِّباط الحرّ” موضةً شائِعة، وقد نتج عنها ظهورُ “أمَّهات بدون أزواج”، حيث يوجد 300 ألف مولود سنويًّا بلا أبٍ شرْعي، وهؤلاء ينتهي بِهم الأمر إلى فقدان الأب مدى الحياة!
في الغرْب إذًا إباحيَّة جنسيَّة وشذوذ وهوس جنْسي دون رادع ولا ضابط، فبعض القوانين تُبيح زواج الشواذّ، وهناك الاعتِداء على المحارم والأبناء والبنات والأمَّهات؛ ولكيْ يمكن التَّعامل مع بعض نتائج الانفِلات الأخلاقي شُرِعَت القوانين التي تُبيح الإجهاض وتَمنع الحمل، ويتمّ توْزيع وسائل منْع الحمل على نطاق واسع في مُختلف أنحاء العالم بأسعارٍ زهيدة جدًّا، وبأقلَّ من التكْلِفة، وخصوصًا في دول العالم الثَّالث والإسلامي، في حين أنَّ الأصْل هو نشْر قِيم الفضيلة والعفَّة التي تَمنع الإنسان من اقتراف الرَّذائل.
قال الدكتور البار محمد علي البار- المستشار الصحّي لرابطة العالَم الإسلامي-: “إنَّ الأمر وصل إلى تعْليم الأطْفال مُمارسة الجِنْس في سنٍّ مبكِّرة ومن خلال المدارس، تحت دعاوى الثَّقافة الجنسيَّة، وفِي إحدى المدارِس الأمريكيَّة قامت المعلّمة بممارسة الجِنْس مع التَّلاميذ تَحت ذريعة تثْقيفهم جنسيًّا”[1].
تعرّف الأمم المتَّحدة الثَّقافة الجنسيَّة بأنَّها: “توفير معلومات كامِلة ودقيقة عن السّلوك الجنسي الإيجابي المأمون والمسؤول[2]، بما في ذلك الاستِخدام الطَّوعي لوسائل الوقاية الذَّكريَّة المناسبة والفعَّالة؛ بغية الوقاية من فيروس الإيدز”[3].
آليَّات الثقافة الجنسيَّة الغربيَّة:
مع انتشار أمراض جنسيَّة مستعصية على العلاج في الغرْب – من بينها الايدز – دأبتْ منظَّمة الأمم المتَّحدة من خلال مؤتَمراتها على سَنِّ مجموعة من الطرق، وهِي في العمق تكْريس وتعْميق لجراح هذه الأمراض، من بين هذه الطرُق؛ للوقاية من الانتِقال الجنسي لفيروس العوز المناعي البشري – على حدّ تصوُّرهم القاصر -:
1- استِعمال العازل الطبي: في وثيقة مؤتَمر القاهِرة للسكَّان عام (1994م)، جاء تحت بند معالَجة الإيدز: “يرى المشروع أنَّه ينبغي أن يُصبح تشْجيع استِخْدام (العوازل الطبّية) جيّدة النوعية، وتوْريدها وتوزيعها بصورة موثوقة، عناصر لا تتجزَّأ من جميع خدمات رعاية الصحَّة التناسُليَّة، وينبغي على جَميع المنظَّمات الدوليَّة ذات الصّلة – ولاسيَّما منظَّمة الصحَّة الدَّوليَّة – أن تزيد بصورة كبيرة من شرائِها، كما ينبغي العمل على إتاحـة الواقي الذَّكري والعقاقير؛ للوقاية والعـلاج من الأمراض المنقولة عن طـريق الاتِّصال الجنسي، على نطاق واسع وبأسعـار متهاودة، مع إدْراجها في جميع قوائم العقاقير الأساسية”[4].
2- الإخلاص للشريك: تعْني كلمة شريك في مواثيق الأمم المتَّحدة: أيَّ نـوع من المساكَنة بين اثنين، رجل وامرأة (ولو بدون رباط شرعي)، أو مُعاشرة بين رجُلين (اللواط)، أو امرأتين (السحاق)؛ ترويجًا لمصطلح الجندر[5].
كما دعَوا إلى يسمُّونه بـ الإجهاض الآمن (Safe Abortion): هذا الإجهاض الآمن الَّذي يروّجون له بطريقة أو بأُخرى هو إجهاض أجنَّة الزنا والحمل غير الشَّرعي وللمراهقات، والَّذي يجرى بالطرُق غير المأمونة ومن وراء الكواليس، وفيه ما فيه من المضاعفات والمشاكل الصحّية.
ولكن هل يبرر لنا ذلك إباحة الإجهاض لهؤلاء الفتيات، أو حتَّى المتزوِّجات؛ تلبية لرغباتهنَّ وحقوقهنَّ الإنسانيَّة؟
إنَّ الإجهاض غير مسموح به في الشَّريعة الإسلاميَّة إلاَّ في حالات خاصَّة جدًّا ومَحدودة جدًّا، ثمَّ يُقام بعد ذلك بالطَّريقة المأمونة الصَّحيحة تَحت الإشراف الطبِّي المتخصِّص.
وحسب منظَّمة مكافحة الإيدز العالمية، فإنَّ أكثر من60% من الأزْواج في هولندا والدنمارك وفرنسا، والسويد وبريطانيا – صاروا يلجؤون إلى مُمارسات شاذَّة أثناء الممارسة الزوجيَّة، ويبتعدون عن الممارسة الطبيعيَّة الفطريَّة؛ خوفًا من انتقال العدوى إليْهم من أزواجهنَّ أو زوجاتهم.
وكمثالٍ نُورد شهادة أحَد الشبَّان الأمريكيّين، وفيها يقول: “إنَّني متزوّج منذ ثلاث سنوات، وكنتُ متحمِّسًا لإنجاب طفلَين، ومع أنَّني صرت أقلق من أن تَنقل لي زوجتي فيروس الإيدز؛ لأنَّني لا أعلم إن كانت تُمارس الجنس مع غيري، وبدوْرِها صارت تَخاف منّي كلَّما جَمعنا فراشٌ واحد؛ لقلَقِها من أن أكون حاملاً لفيروس الإيدز من ممارسة جنسيَّة قُمت بها خارج فراش الزوجيَّة، ومع أنَّنا نقوم بزيارة مخابر التَّحاليل كلَّ ثلاثة أشهُر معًا لنتأكَّد من خلوِّنا من الفيروس فإنَّ الشَّكَّ يلازم كليْنا، وقد تحوَّل الشَّكُّ إلى خوفٍ من أن نُنْجِب أولادًا يكونون مصابين بالإيدز؛ لهذا قمتُ بعمليَّة نسلس لأمنع أي احتمال للإنجاب”[7].
انظُروا إلى الضَّنك والضيق الذي يعيش في أتّونه الأسرة الغربيَّة في ظل القوانين الوضعيَّة الفاسدة، وسعادة الأسرة المسلمة تَحت الظلال الوارفة للتَّشْريع الرباني!
والخطير في الأمر: ما ذكرتْه بعض وكالات الأنباء الغربيَّة عن دور الأفلام الغربيَّة في التربية على الثَّقافة الجنسية المزعومة، لكن فاضحة وقاتلة في نفس الآن، حيثُ كانت إحدى العاملات الأمريكيَّات – تدعى “باتس بايرز” – قد تعرَّضت لعمليَّة اغتِصاب في مارس سنة 1995م، ممَّا أقعدها عن العمل نتيجة الشَّلل الذي أصابَها من جرَّاء العمليَّة (الاغتصاب)، وأرجعت السَّبب وراء هذه الجريمة إلى فيلم “مولد القتلى” للمخرج الأمريكي أليفرستون، ممَّا أدَّى إلى مُحاكمة هذا الأخير على فيلمه، لكنَّ المخرج دافع عن نفسِه معتمِدًا على مقولة للكاتب المسرحي شكسبير: “إنَّ الفنَّانين لا يَخترعون الأحداث، إنَّما يعكسون الواقِع في أعمالهم!”
[1]– مجلة السبيل الأردنية.
[2]– تعريف الجنس الآمن: هو استِخدام كافَّة الوسائل أثناء الممارسة الجنسيَّة لمنع الحمْل ومنْع الإصابة بالأمراض الجنسيَّة، وأما الجنْس المسؤول: فهو الاستِخدام الطَّوعي لهذه الوسائل بالاتّفاق مع الآخر، الغريب في الأمر أنْ نرى هذا الطَّرح يتم عرضُه من قبل العلمانيين؛ إذ يردّون النسبة المهولة من أمراض الإيدز المتزايدة في بعض بلدان العالم الإسلامي إلى عدم استعمال وسائل الوقاية منه!
[3]– وثيقة بكين 1995، البند 108.
[4]– الأمم المتحدة، إعلان ومنهاج عمل بكّين مع الإعلان السياسي والوثيقة الختاميَّة لمؤتمر بكين بعد خمس سنوات، نيويورك، إدارة شؤون الإعلام بالأمم المتحدة، 2002م.
[5]– ومن الطَّرائف السَّائدة في إنجلترا، ما ذكره المفكّر فهمي هويدي، أنَّ رجلاً كبيرًا في السّنّ أراد الهِجْرة خارِج إنجلترا، فاستغرب النَّاس وسألوه: لماذا، أنت الذي عشت عمرَك فيها حتَّى كبرت؟! فقال: والله زمان كان الشّذوذ أمرًا يعاقب عليه القانون، والآن أصبح القانون يُدافع عنه، وأصبح للشاذّين حقوق، فأنا أهاجر من هنا قبل أن يُصبح الشّذوذ إجباريًّا!
أمَّا مصطلح الجندر Gender، فهو من المصطلحات الجديدة، وأوَّل ظهور لهذا المصطلح كان في وثيقة مؤتمر المرأة الرَّابع في بكين، وقد اعترضت كثيرٌ من الدول والوفود على هذا المصطلح، وطلبت تفسيرًا دقيقًا لمعناه، ولم تكُن إجابات واضحة في ذلك الوقت، لكن فيما بعد اتَّضح أنَّ الجندر يعْني النَّوع، وهو بديل عن كلمة جنس SEX الَّتي تشير إلى الذَّكر والأنثى، وهذا التَّحريف في اللغة والمفهوم يهدف إلى إزالة كلّ الفوارق البيولوجيَّة والنفسيَّة بين الجنسين، ويتجاهَل في الوقت نفسه الأدْوار التكامليَّة بينهما إلى حدّ التَّطابق، وإلى تَمرير ما سمَّته مؤتمرات الأمم المتَّحدة “التنوع الجنسي” أو “المثليَّة الجنسيَّة” الذي يعني الاتّصال الجنسي بين رجُلين (اللواط) أو بين امرأتين (السحاق)، أو بين رجل وامرأة (الاتّصال الفطري)، ذلك أنَّ كلمة SEX لا تشْمل هذه المعاني كلَّها فهي مقيدة بضوابِط لا تخلّ بالفِطرة الإنسانيَّة السليمة.
[6]– انظر كتاب (الرعاية التمريضيَّة لمرضى الإيدز)، جمهورية مصر العربية، 1997م، ص18.
[7] – أحمد بن أحمد حمادة: هذا ما أوصلتهم إليْه تشريعاتهم الإباحية! مجلة الوعي الإسلامي، العدد487، ربيع أول1427، ص: 82.
_______________________________________________________
الكاتب: د. مولاي المصطفى البرجاوي
Source link