“أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ويا بُعد ما بين الحالتين…”
إخواني، إن قيام الليل كما علِمتم فيه فضلٌ عظيم وثوابٌ جزيل لمن وفَّقه الله جل وعلا، وهو من أثقل شيء على النفس، ولا سيما بعد أن يرقد الإنسان، وإنما يكون خفيفًا بالاعتياد، وتوطين النفس وتمرينها عليه، والمداومة والصبر على المشقة والمجاهدة في الابتداء، ثم بعد ذلك ينشرح وينفتح باب الأنس بالله، وتلذ له المناجاة والخلوة، وعند ذلك لا يشبع الإنسان من قيام الليل، فضلًا عن أن يستثقله أو يكسل عنه كما وقع لكثير من السلف؛ قال بعضهم: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ويا بُعد ما بين الحالتين، فسبحان من وفَّق أقوامًا فتقربوا إليه بالنوافل، وأبعد بحكمته وعدله آخرين، فهم عن ما ينفعهم في حاضرهم ومآلهم غافلون.
شعرًا:
ذنوبُك يا مغرورُ تحصَى وتحسَبُ
وتجمع في لوحٍ حفيظٍ وتُكتبُ
وقلبُك في سهوٍ ولهو وغفلةٍ
وأنت على الدنيا حريصٌ معذَّب
تباهي بجمعِ المال من غيرِ حلِّه
وتسعَى حثيثًا في المعاصِي وتُذنبُ
أما تذكرُ الموتَ المفاجيك في غدٍ
أما أنت من بعدِ السلامةِ تُعطبُ
أما تذكرُ القبرَ الوحيشَ ولحدِه
به الجسمُ من بعدِ العمارة يخربُ
أما تذكرُ اليوم الطويلَ وهو لهُ
وميزانُ قسطٍ للوفاءِ سيُنصبُ
تروحُ وتغدوُ في مراحِك لاهيًا
وسوف بأشراكِ المنيَّةِ تنشبُ
تعالج نزعَ الروحِ من كلِّ مفصلٍ
فلا راحمٌ ينجى ولا ثم مَهربُ
وغمضت العينانِ بعد خروجِها
وبسطت الرجلان والرأسُ يُعصبُ
وقاموا سراعًا في جهازك أحضروا
حنوطًا وأكفانًا وللماءِ قرَّبوا
وغاسلُك المحزون تبكِي عيونُه
بدمعٍ غزيرٍ واكفٍ يتصبَّبُ
وكلُّ حبيبٍ لبُّه متحرِّقٌ
يحرك كفيه عليك ويندبُ
وقد نشروا الأكفانَ من بعدِ طيِّها
وقد بخروا منشورهنَّ وطيبوا
وألقوك فيما بينهن وأدرجوا
عليك مثاني طيهنَّ وعصبُوا
وفي حفرةٍ ألقوك حيرانَ مفردًا
تضمك بيداء من الأرضِ سبسبُ
إذا كان هذا حالنا بعد موتِنا
فكيف يطيبُ اليوم أكلٌ ومشربُ؟!
وكيف يطيب العيشُ والقبر مسكنٌ
به ظلمات غيهبٌ ثم غيهبُ
وهولٌ وديدان وروع ووحشةٌ
وكلُّ جديدٍ سوف يبلَى ويذهبُ
فيا نفسُ خافي الله وارجي ثوابَه
فهادم لذاتِ الفتى سوف يقربُ
وقولي إلهي أولني منك رحمةً
وعفوًا فإن الله للذنبِ يُذهبُ
ولا تحرقنَّ جسمي بنارك سيدِي
فجسمي ضعيفٌ والرجا منك أقربُ
فما لي إلا أنت يا خالقَ الورَى
عليك اتكالي أنت للخلقِ مهربُ
وصلي إلهي كلما ذرَّ شارقٌ
على أحمدَ المختارِ ما لاح كوكبُ
اللهم إنا نعوذ بك من الشك بعد اليقين، ومن الشيطان الرجيم، ومن شدائد يوم الدين، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم ارحمنا إذا عرق الجبين واشتد الكرب والأنين، اللهم عافنا من مكرك وزيِّنا بذكرك، واستعملنا بأمرك، ولا تهتك علينا جميلَ سترك، وامنُن علينا بلطفك وبرِّك، وأعنا على ذكرك وشكرك.
اللهم سلِّمنا من عذابك وآمنَّا من عقابك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
____________________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز السلمان
Source link