إن أعداء الله من اليهود والنصارى يسلطهم الله على من يشاء من عباده بلاء وامتحانًا ثم يسلط عليهم من عباده من يسومهم سوء العذاب، كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله لأنهم يسعون في الأرض فسادًا والله لا يحب المفسدين…
إن أعداء الله من اليهود والنصارى عليهم لعائن الله المتتابعة لما عصوا الله وكذبوا المرسلين وافتروا على الله الكذب وقالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة ضربهم الله بالذلة إلى يوم الدين، فكانوا مشردين محتقرين أينما كانوا، لا يقوم لهم سلطان ولا دولة، ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس، فجعلهم الله عذابًا يعذب به من عصاه، لأنهم لا رأفة لديهم ولا رحمة عندهم، أو بحبل من الناس ليضرموا فيهم نيران الحروب لمصالحهم الشخصية كما هو الواقع اليوم، وقد قضى الله سبحانه أن يمكنهم في الأرض فيفسدوا فيها مرتين وتكون لهم دولة تعلو علوًا كبيرًا، كما قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4]، قال ابن كثير – رحمه الله -: أي يتجبرون ويطغون ويتجرؤون على الناس، يسلطهم الله على من يشاء من عباده بلاء وامتحانًا ثم يسلط عليهم من عباده من يسومهم سوء العذاب، كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله لأنهم يسعون في الأرض فسادًا والله لا يحب المفسدين، ولكنه يجعلهم عقوبة على من يستحق العقوبة، فهم دائما وأبدًا يحوكون المؤامرات ويعقدون الندوات العلنية والسرية لكيد المسلمين ويخططون للقضاء عليهم والاستيلاء على أنفسهم وأموالهم ويراقبون المسلمين مراقبة دقيقة لينتهزوا الفرص فيهم لينقضوا عليهم، وقد علموا من واقع التاريخ أنه لا قوة لهم على المسلمين ما داموا متمسكين بدينهم، ولكن لما رأوهم زاهدين في دينهم غير مهتدين بهديه وقد تمكنت منهم الدعايات المضللة حتى رموا الإسلام بالنقص، واستمدوا نظام حياتهم من القوانين الوضعية، شمروا عن ساق الجد وانقضوا عليهم كالأسد الصائل قد فطر الغيظ والحقد أكبادهم غير مبالين بكثرة عددهم لما يعرفونه عن العرب قبل ظهور الإسلام من التناحر والتقاطع وإنما ظهروا على أهل الأرض في مشارقها ومغاربها بفضل الإسلام وصدقهم وعرف أعداؤهم أنهم متى تزعزعت عقائدهم واختلفت مبادئهم يعودون إلى ما كانوا عليه قبل ظهور الإسلام، ويا للأسف نالوا من المسلمين ما شاء الله أن ينالوا، ولعل في ذلك من الأسرار الخفية ما لا يعلمه إلا الله لينتبه المسلمون من غفلتهم ويصلحوا ما فسد من أمورهم وليعلموا أنما أتوا من قبل أنفسهم، ويرجعوا إلى تاريخ أسلافهم من الصحابة والتابعين وقادة الإسلام المظفرين الذين صدقوا مع الله رغم قلة عددهم وعدتهم وكثرة أعدائهم حتى أرسوا قواعد الإسلام ثابتة في أنحاء المعمورة على أنقاض عروش ملوك الكفر من أقاصرة الروم وأكاسرة الفرس، وطهروا البلاد من اليهود والنصارى والمشركين ولم يكن قتالهم لعصبية أو قومية، فلعل ما أصاب المسلمين من هزيمة ظاهرة وواضحة دافعة لهم على الاعتصام بالله واستمداد نظمهم من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ليكونوا من جنده وحزبه الذين وعدهم بالنصر والظهور بقوله: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173]، فنسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجمع شمل المسلمين على الهدى ويرزقهم الاعتماد عليه ويؤيدهم بما أيد به عباده المؤمنين.
عباد الله.. أين الأندلس وخيراتها؟! أين فلسطين وجناتها؟ أتخلى عنها أهلها طائعين ورضوا بأن يكونوا لاجئين مقهورين، تؤخذ أموالهم، وتستباح دماؤهم؟ لا والذي فطر السموات والأرض ولكن حاقت بهم ذنوبهم وغفلتهم عن الله، وتهاونهم بأوامر الله حتى صاروا إلى ما صاروا إليه، يقول الله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77]، ومن وصايا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لابن عمه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – : «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة»[1].
احفظوا الله عباد الله وقوموا بما أوجبه عليكم من الطاعات يحفظكم، واعلموا – رحمكم الله – أن التهاون بأوامر الله والمداهنة في دين الله سبب لهلاككم، وسبب لرد دعواتكم وتسلط أعدائكم، ومن أهم ما أوصى به – صلى الله عليه وسلم – أمته الصلاة وسماها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عمود الإسلام وأخبر أن حظ العبد من الإسلام بقدر حظه من الصلاة، وسميت صلاة لأنها صلة بين العبد وبين ربه في كل يوم وليلة يناجيه خمس مرات متطهرًا متوجهًا إليه خاضعًا بين يديه يمجده ويثني عليه ويستعينه ويستهديه في كل ركعة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ويستغفره من ذنوبه ويعترف له بعيوبه مقرًا بألوهيته وعبوديته، شاكرًا له على سوابق نعمه عليه ممتثلًا ما أمره به تعالى بقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] فيكون قد استحق من الله الإجابة لأنه لا يخلف المعاد، أما إذا أعرض العبد عن الله وانغمس في شهواته واتخذ إلهه هواه وكله الله إلى نفسه وخلى بينه وبين أعدائه، فاحذروا يا عباد الله أن يكلكم الله لأنفسكم ويخلي بينكم وبين أعدائكم، فالله الله عباد الله اعتصموا بحبل الله واغضبوا لغضبه وارضوا لرضاه ولا تداهنوا في دينكم وتقاعسوا عن واجبكم، فإن كلًا منكم مسؤول أمام الله، واعلموا أن الذنب إذا خفي لا يضر إلا صاحبه، وإذا ظهر ولم يغير عم الجميع، {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]، وقد تساهل أكثر شبابكم وجانبوا المساجد إلا من هدى الله، وتجرأت نساؤكم على التبرج ومخالطة الرجال، وهذا الذي يسبب مقت الله، فمن المسؤول يا عباد الله، كلكم راع ومسؤول عن رعيته ولو قام كل فرد منا معاشر المسلمين على من تحت يده لصلح وصلحوا، ولكن لما ترك الحبل على الغارب استهانوا به وزينت لهم أنفسهم ما صنعوا، يقول – صلى الله عليه وسلم -: «إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب»[2]. وترك الأمر بالمعروف والنهي عن النكر يترتب عليه أمران:
الأول: في الدنيا يعرضهم لمقت الله عاجلًا أم آجلًا فيسلب عنهم نعمه ويبدلها ضيقًا ويسلط عليهم من لا يخافه ولا يرحمهم.
الثاني: التعرض إلى العقاب في الآخرة لأن الراضي بالمنكر يكون كفاعله، ويستحق من الجزاء، كما يستحق فاعله.
وجزاء الله يا عباد الله ليس مجرد أسواط أو سجن أيام أو شهور ولا بعزل عن وظيفة أو مصادرة مال، إنما جزاء الله نار جهنم التي أوقد عليها ألف عام حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، وأهلها أجارنا الله وإياكم ووالدينا وجميع المسلمين منها لا يقضي عليهم فيموتوا ويستريحوا ولا يخفف عنهم من عذابها، إذا احرقتهم وأكلت لحومهم وجلودهم أبدلهم الله لحمًا وجلودًا غيرها زيادة في العذاب:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: 56] فاتقوا الله عباد الله وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان فإن أمركم على من تحت رعايتكم بطاعة الله من التعاون على البر والتقوى وترككم أمرهم من التعاون على الإثم والعدوان. جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
[1] المستدرك على الصحيحين (6303) وسنن الترمذي (2516) وصححه الألباني.
[2] صحيح ابن حبان (305) وسنن ابن ماجه (4005).
___________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي
Source link