منذ حوالي ساعة
سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعةً، ويقاتل حَمية، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من فاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله عز وجل».
عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعةً، ويقاتل حَمية، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من فاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله عز وجل».
قوله: (سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) في رواية: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؛ الحديث.
قوله: (يقاتل شجاعة)، وفي الرواية الأخرى: والرجل يقاتل للذكر؛ أي ليذكر بين الناس ويَشتهر بالشجاعة.
قوله: (ويقاتل حَمية)؛ أي لمن يقاتل لأجله من أهل أو عشيرة أو صاحب، وفي رواية: ويقاتل غضبًا؛ أي لأجل حظ نفسه.
قوله: (ويقاتل رياءً)، وفي الرواية الأخرى: والرجل يقاتل ليُرى مكانه، ومرجع ذلك إلى السمعة والرياء وكلاهما مذموم.
قال الحافظ: فالحاصل من رواياتهم أن القتال يقع بسبب خمسة أشياء: طلب المغنم وإظهار الشجاعة، والرياء والحمية والغضب، وكل منها يتناوله المدح والذم، فلهذا لم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي، قوله: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، المراد بكلمة الله دعوة الله إلى الإسلام، وقال الطبري: إذا كان أصل الباعث هو الأول لا يضره ما عرض له بعد ذلك، وبذلك قال الجمهور، وقال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله، لم يضرَّه ما انضاف إليه.
قال الحافظ: ويدل على أن دخول غير الأعضاء ضمنًا لا يقدح في الإعلاء، إذا كان الإعلاء هو الباعث الأصلي – ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عبد الله بن حوالة، قال: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أقدامنا لنغنم، فرجعنا ولم نغنم شيئًا، فقال: «اللهم لا تكلهم إلي»؛ الحديث، وفي إجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- بما ذكر غاية البلاغة والإيجاز، وهو من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- لأنه لو أجابه بأن جميع ما ذكره ليس في سبيل الله، احتمل أن يكون ما عدا ذلك كله في سبيل الله، وليس كذلك، فعدَل إلى لفظ جامع عُدِل به عن الجواب عن ماهية القتال إلى حال المقاتل، فتضمن الجواب وزيادة، ويحتمل أن يكون الضمير في قوله: (فهو) راجعًا إلى القتال الذي في ضمن (قاتَل)؛ أي: فقتالُه قتالٌ في سبيل الله، واشتمل طلب إعلاء كلمة الله على طلب رضاه، وطلب ثوابه، وطلب دحض أعدائه، وكلها متلازمة، والحاصل مما ذكر أن القتال منشؤه القوة العقلية والقوة الغربية، والقوة الشهوانية، ولا يكون في سبيل الله إلا الأول، وقال ابن بطال: إنما عدل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن لفظ جواب السائل؛ لأن الغضب والحمية قد يكونان لله، فعدل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك إلى لفظ جامع، فأفاد دفع الإلباس وزيادة الإفهام، وفيه بيان أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة، وأن الفضل الذي ورد في المجاهد يختص بمن ذكر، وفيه جواز السؤال عن العلة، وتقدُّم العلم على العمل، وفيه ذم الحرص على الدنيا وعلى القتال لحظ النفس في غير الطاعة[1]؛ انتهى.
وقال البخاري: باب من سأل وهو قائم عالِمًا جالسًا، وساق الحديث، وفيه فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائمًا[2].
قال الحافظ: والمراد أن العالم الجالس إذا سأله شخص قائم لا يُعد من باب مَن أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا، بل هذا جائز بشرط الأمن من الإعجاب؛ قاله ابن المنير.
وقال الحافظ: وفي الحديث شاهد لحديث الأعمال بالنيات، وأنه لا بأس بقيام طالب الحاجة عند أمن الكبر، وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين مختصٌّ بمن قاتَل لإعلاء دين الله، وفيه استحبابُ إقبال المسؤول على السائل[3]؛ انتهى وبالله التوفيق وهو المستعان.
[1] فتح الباري: (6/ 28).
[2] صحيح البخاري: (1/ 42).
[3] فتح الباري: (1 /222).
_________________________________________________________
الكاتب: الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
Source link