مَن مات وليست عليه طاعةٌ، مات مِيتةً جاهليَّةً، فإنْ خلَعَها مِن بَعدِ عَقْدِها في عُنُقِه، لَقيَ اللهَ تبارَك وتعالَى وليستْ له حُجَّةٌ
الحديث:
«– مَن مات وليست عليه طاعةٌ، مات مِيتةً جاهليَّةً، فإنْ خلَعَها مِن بَعدِ عَقْدِها في عُنُقِه، لَقيَ اللهَ تبارَك وتعالَى وليستْ له حُجَّةٌ. ألَا لا يَخْلُوَنَّ رجُلٌ بامرأةٍ لا تَحِلُّ له؛ فإنَّ ثالثَهما الشَّيطانُ، إلَّا مَحْرَمٌ؛ فإنَّ الشَّيطانَ مع الواحدِ، وهو مِنَ الاثنَينِ أَبْعَدُ. مَن ساءَتْهُ سَيِّئتُه، وسَرَّتْهُ حسَنتُه فهو مؤْمِنٌ. قال حُسَينٌ: بعْدَ عَقْدِه إيَّاها في عُنُقِه. »
[الراوي : عامر بن ربيعة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 15696 | خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره | التخريج : أخرجه أحمد (15696) واللفظ له، والروياني في ((المسند)) (1341)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (230)]الشرح:
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَثيرًا ما يَجمَعُ لِأصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم جِماعَ المَواعِظِ وجَوامِعَ الوَصايا، ولا رَيبَ؛ فقد أُوتيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَوامِعَ الكَلِمِ. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن ماتَ وليستْ عليه طاعةٌ” لإمامِ العامَّةِ “ماتَ مِيتةً جاهِليَّةً” على الضَّلالِ؛ لِأنَّه مُفارِقٌ لِلجَماعةِ، عاصٍ لِوَليِّ أمْرِه؛ كما كان يَموتُ أهلُ الجاهِليَّةِ عليها مِن جِهَةِ أنَّهم كانوا لا يَدخُلونَ تَحتَ طاعةِ أميرٍ، ويَرَوْنَ ذلك عَيبًا، بل كان ضَعِيفُهم نَهبًا لِقَويِّهم، “فإنْ خَلَعَها مِن بَعدِ عَقدِها في عُنُقِه” بأنْ خَرَجَ عن عَهدِ الوُلاةِ والحُكَّامِ وبَيعتِهم بالخُروجِ عليهم وعَدَمِ الانقيادِ لهم في غَيرِ مَعصيةٍ بأيِّ وَجهٍ كان، “لَقيَ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى وليست له حُجَّةٌ” لَقيَ اللهَ يَومَ القِيامةِ ولا حُجَّةَ له يَومَئِذٍ فيما فَعَلَه مِن نَبذِ الطاعةِ، ولا عُذرَ له فيه. ثُم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “ألَا لا يَخلُوَنَّ رَجُلٌ بامرأةٍ لا تَحِلُّ له؛ فإنَّ ثالِثَهما الشَّيطانُ” بمَعنى: لا يَنفَرِدْ رَجُلٌ بامرأةٍ أجنَبيَّةٍ إلَّا كان معهما الشَّيطانُ بالوَسوَسةِ؛ فيُهيِّجَ شَهوةَ كُلٍّ منهما حتى يَقَعَا في الزِّنا؛ ففي ذلك تحذيرٌ شديدٌ مِنَ الخَلوةِ لِلرَّجُلِ أوِ المَرأةِ، “إلَّا مَحرَمٌ” إلَّا أنْ يكونَ ذلك الرجُلُ الذي خلَا بالمرأةِ مَحرمًا لها، أو إلَّا بوُجودِ مَحرَمٍ مِن مَحارِمِها معهما، ومَحرَمُ المَرأةِ هو زَوجُها، أو مَن يَحرُمُ عليها بالتَّأبيدِ؛ بسَبَبِ قَرابةٍ أو رَضاعٍ كالأبِ والابنِ والأخِ والعَمِّ والخالِ، أو صِهريَّةٍ كأبي الزَّوجِ وابن الزوجِ وما شابَه؛ “فإنَّ الشَّيطانَ مع الواحِدِ، وهو مِنَ الاثنَينِ أبعَدُ” وهذا قَولٌ عامٌّ، ومَعناه أنَّ الشَّيطانَ يَكونُ أكثَرَ وَسوَسةً مِنَ المُنفَرِدِ وَحدَه، كما يَنفَرِدُ الشَّيطانُ بالذين يُفارِقونَ الجَماعةَ ويَكونونَ فُرادى مُتفَرِّقينَ، ويَكونُ تأثيرُه عليهم أشَدَّ، ووَسوَستُه عليهم أقوى، أمَّا الجَماعةُ فهو منهم أبعَدُ، ولا يَستَطيعُ أنْ يُؤثِّرَ فيهم كما يُؤثِّرُ في الفُرادى البَعيدينَ عنِ الجَماعةِ. ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن ساءَتْه سَيِّئَتُه، وسَرَّتْه حَسَنَتُه فهو مُؤمِنٌ”، أي: ومِن عَلاماتِ الإيمانِ إذا أذنَبَ العَبدُ أنْ يَسوءَه ذلك الذَّنبُ، ويَظَلَّ نادِمًا يَلومُ نَفْسَه على ارتِكابِه ذلك الذَّنبَ، وإذا فَعَلَ قُربةً للهِ عَزَّ وجَلَّ يَظَلُّ مَسرورًا بتَوفيقِ اللهِ له، وشاكِرًا للهِ على تَثبيتِه وتَوفيقِه وهِدايَتِه. وفي الحَديثِ: الحَثُّ على طاعةِ الأُمراءِ على كُلِّ حالٍ فيما يُرضِي اللهَ عزَّ وجلَّ، والتَّحذيرُ مِنَ الخُروجِ عليهم. وفيه: الحَثُّ على مُلازَمةِ الجَماعةِ. وفيه: بَيانُ أنَّ مِن عَلاماتِ الإيمانِ السُّرورَ بالحَسَنةِ والنَّدَمَ على السَّيئةِ.
الدرر السنية
Source link