{ قد أوتيت سؤلك يا موسى }

ماذا أُتِيَ موسى؟ وماذا سَألَ؟ وكيف نصل إلى أن تُستجاب دعواتنا؟

{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه: 36]: “السُّؤل؛ بمعنى: المسؤول، كالخبز بمعنى المخبوز، والأكل بمعنى المأكول، و {أُوتِيتَ} معناه: أُعطيتَه، وصار بين يديك ما طلبت.

 

متى قال الله تعالى لموسى عليه السلام:  {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه: 36]؟

بعد أن تضرَّع إليه بتلك الدعوات المذكورة في قوله سبحانه: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 25 – 32].

 

أي: أن يجعل له وزيرًا من أهله، ليكون عونًا له على أداء وتبليغ الرسالة، وقد كان هارون أفصح لسانًا، وأهدأ أعصابًا، فسأل موسى ربَّه أن يشُدَّ أزره به، ويقويه في هذا الأمر الجليل الذي كلَّفه به.

 

لقد طلب إلى ربه أن يشرح له صدره… وانشراح الصدر يُحَوِّل مشقة التكليف إلى متعة، ويُحِيل عناءه لذة، وطلب أن ييسر له أمره… وتيسير الله لعباده هو ضمان النجاح، وطلب أن يحُلَّ عقدة لسانه فيفقهوا قوله… وطلب أن يعينه بمعين من أهله، هارون أخيه، فهو يعلم عنه فصاحة اللسان، وثبات الجَنان، وهدوء الأعصاب.

 

وما معنى  {سُؤْلَكَ} ؟

قال الله تعالى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه: 36]؛ أي: أُجيبَ دعاؤك، وأُعطيت جميع ما طلبت، فسنشرح صدرك، ونيسر أمرك، ونحل عقدة من لسانك، ليفقهوا قولك، ونشد عضدك بأخيك هارون، {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص: 35].

 

وعلى ماذا يدل هذا السؤال من موسى عليه السلام؟

يدل على كمال معرفته بالله، وكمال فطنته ومعرفته للأمور، وكمال نصحه؛ وذلك أن الداعي إلى الله، المرشد للخلق، خصوصًا إذا كان المدعوُّ من أهل العناد والتكبُّر والطغيان يحتاج إلى سَعَةِ صدرٍ، وحِلْمٍ تام، على ما يصيبه من الأذى، ولسان فصيح، يتمكن من التعبير به عما يريده ويقصده، ويحتاج مع ذلك أيضًا أن يتيسر له أمره، ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

ما الأسباب المُعينة على تحرِّي استجابة الدعاء؟

من هذه الأسباب:

1- الحرص على الإخلاص لله في دعائه.

2- الخضوع لله، وإحضار القلب بين يديه سبحانه.

3- الحذر من المعاصي، ومن أكل الحرام.

4- كثرة الدعاء حال الرخاء.

5- التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى.

6- اختيار جوامع الكلم.

7– تحرِّي أوقات الاستجابة.

8- استقبال القبلة.

 

كل هذه من أسباب الإجابة، كون العبد يجتهد في أن يكون ملبسه حلالًا، ومشربه حلالًا، ومطعمه حلالًا، وداره من الحلال، وجميع تصرفاته على الوجه الذي أباحه الله، ويتباعد عن الكسب المحرم.

 

وما هي أوقات الإجابة التي وردت في السُّنَّة؟

أوقات الإجابة التي وردت في السنة:

1- ما بين الأذان والإقامة؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: «الدعاء لا يُرَدُّ بين الأذان والإقامة».

2- منها جوف الليل وآخر الليل، فالليل فيه ساعة لا يُرَدُّ فيها سائل، مع الإلحاح وتكرار الدعاء، وحسن الظن بالله وعدم اليأس.

 

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته في الدنيا، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: يا رسول الله، إذًا نُكثر؟ قال: الله أكثر».

 

3- السجود؛ يقول عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكْثِروا الدعاء».

 

4- حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر للخطبة إلى أن تُقضَى الصلاة.

 

5- آخر كل صلاة قبل السلام يشرع فيه الدعاء؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّم صحابته التشهد قال: «ثم لْيَخْتَرْ من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو».

 

6- آخر نهار الجمعة بعد العصر إلى غروب الشمس؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «في يوم الجمعة ساعة لا يسأل اللهَ أحدٌ فيها شيئًا وهو قائم يصلي إلا أعطاه الله إياه».

 

ما موانع إجابة الدعاء؟

من هذه الموانع ما يأتي:

المانع الأول: التوسع في الحرام أكلًا، وشربًا، ولبسًا، وتغذيةً؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، إن اللَّه طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيبًا، وإن اللَّه تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ فقال تعالى:  {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172].

 

المانع الثاني: الاستعجال وترك الدعاء.

 

المانع الثالث: ارتكاب المعاصي والمحرمات.

 

المانع الرابع: ترك الواجبات التي أوجبها اللَّه.

 

المانع الخامس: الدعاء بإثم، أو قطيعة رحم.

 

وهل هناك علامات لقبول الدعاء؟

يقول ابن الجزري رحمه الله في عدة الحصن الحصين: “فصل في علامة استجابة الدعاء: علامة استجابة الدعاء: الخشية، والبكاء، والقُشَعْريرة، وربما تحصل الرِّعدة، والغَشْيُ، والغيبة، والله أعلم”.

 

أخي، أختي، لنحرص أن نتحلى بأخلاق الأنبياء والصالحين، ولنقرأ في سِيَرهم، ولنحذُ حذوهم؛ لعل الله أن يستجيب دعاءنا، ويُؤتينا سُؤلنا، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

____________________________________________________
الكاتب: نورة سليمان عبدالله


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الشدة والفرح – علي بن عبد العزيز الشبل

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» جاءت هٰذِه الكلمة دلالةً عَلَىٰ ما في قلوب المؤمنين، من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *