منذ حوالي ساعة
إنَّ الملاذ هو التمسُّك بهذا الدين، هو إشباع الأبناء من الغذاء الرُّوحي، هو أن نحصِّنَهم بدقَّة تعامُلِنا بشرع الله أمامهم، بأن يعيشوا الألفة والمحبَّة الأسريَّة؛ حتَّى نقيَهم الشُّرور المحيطة…
إخوة الإيمان والعقيدة، إنَّ الله الذي خلق فسوى، والَّذي قدَّر فهدى، بثَّ في قلوب خلْقِه المودَّة والرَّحمة، نحو ما يلِدون وما ينجبون، وجعل دينه القيِّم شرائع وأحكامًا وهب من خلالها للطفولة حقوقًا لم يعرفها الإنسان من قبل، ولن يصل درجتها من بعد؛ فشريعة الخالق تأتي كجلاله وكماله في العظمة والكمال؛ لأنَّه العالم بخلقه الخبير بما يحتاجون وبما ينتفعون؛ {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، وهو الذي بيده ملكوت كلِّ شيء وهو المتصرِّف، وهو المانح والواهب؛ يقول – جلَّ جلالُه -: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49، 50].
من أجل ذلك اعتنى الإسلام بالطِّفْل من قبْل وجود الطفل، فهيَّأ له أسرة طيِّبة تتكوَّن من والدٍ تقي ووالدة صالحة، فحثَّ رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – الزَّوجة وأهلَها بقوله: «إذَا خَطَبَ إلَيْكُم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ، فزَوِّجُوه»؛ رواه الإمام الترمذي في السنن.
وحثَّ الزَّوج بقوله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – كما جاء في الصَّحيحَين: «فاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يداك».
كل ذلك من أجل تنشئة الطفل بين أبويْن كريمين يطبِّقان شرع الله، ويرْسمان الطَّريق السويَّة لحياة الأبناء، فأوَّل حقٍّ للطِّفل أن يوفِّق الله أبويْه لحسن اختيار أحدِهِما للآخر، فإذا تمَّ الاختِيار توجَّه الأبوان الصَّالِحان بالدُّعاء في خشوع وإنابة إلى وليِّ الصَّالحين: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] فإذا تكوَّن الطفل في الرحم أعدَّ الله له فائقَ الرِّعاية والعناية، وحرَّم الاعتِداء عليه؛ يقول الله – جلَّ جلالُه -: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31]، وأجاز لأمِّه أن تفطر في رمضان؛ رحمةً بها وتمكينًا له من أحسن ظروف النُّمو وتمام الخلق، فإذا حلَّ الطِّفْل بأرض الحياة جعله الله بهجةً وزينة في قلوب من حوله؛ يقول الله – تبارَك وتعالى -: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46].
ومن هدْي رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – تَحنيك المولود، وهي سنَّة باقية في مجتمعِنا إلى يومنا هذا؛ جاء في صحيح الإمام مسلم عن أنس بن مالك – رضِي الله عنْه – أنَّه حمَل أخًا له من أمِّه أم سليم – رضِي الله عنْها – وبَعَثَت مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ فأخَذَهُ النَّبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقَال: «أمَعَهُ شَيءٌ» ؟)) قَال: نَعَم، تَمَراتٌ، فأخَذَها النَّبيُّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – فمَضَغَها ثُمَّ أخَذَها مِنْ فِيه فجَعَلَهَا في فِي الصَّبيِّ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وسَمَّاهُ عبداللَّه، وهو الصَّحابي الكبير عبدالله بن أبي طلْحة – رضي الله عنْه.
والتَّحنيك هو: أخذ تمرة وتلْيِينها داخل الفم ثمَّ وضْعها في فم المولود، وتَحريكها يمينًا وشِمالا مرورًا بين الفكَّين، وعلى مواضع خروج الأسنان، وصولاً إلى أعلى الحلق.
ومن حق الطفل في الإسلام أن يرضع من حليب أمِّه؛ لقول الله – جلَّ وعلا -: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، وقد ثبتتْ قيمة هذه الرَّضاعة وأثرُها على الطفل صحِّيًّا ونفسيًّا؛ وبذلك استحقَّت الأم أولويَّة حسن المصاحبة؛ كما جاء في الحديث النبوي الوارد في الصَّحيحَين: أنَّ رَجُلا جاء إلى رَسُولِ اللَّه – صلَّى اللَّهُ علَيْه وسلَّم – فقَال: يا رَسُولَ اللَّه، منْ أحَقُّ النَّاس بحُسْنِ صَحابتِي؟ قالَ: «أُمُّك» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: «ثُمَّ أُمُّكَ» قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قال: «ثُمَّ أبُوك».
فحقَّ لها هذا التَّكريم النبوي؛ فهي التي حملت، وهي التي ولدت، وهي الَّتي أرضعت.
ومن حقوق الطفل في الإسلام: العقيقة، وهي ذبْح شاة للمولود، للذَّكَر والأنثى سواء، فإن ذُبحت للذَّكَر شاتان، فلا بأس؛ لأنَّ النصوص النبويَّة واردة بالأمريْن، ويكون وقْت الذَّبح نَهارًا بعد سبعة أيَّام من مولده، إن ولد قبْل الفجر حُسِب يوم الولادة في السَّبعة الأيَّام، وإن وُلِد بعد الفجْر، بُدِئ بالعدِّ من اليوم الموالي، وفي مندوباتِها ثلاثة حقوق تُضاف لحقوق الطفل في الإسلام، وهي: حلق رأس الطفل – ذكرًا كان أو أنثى – والتصدُّق بزِنة شعرِه ذهبًا أو فضَّة، وتسميته باسم حسن.
ومن حقوق الطفل في دينِنا الحنيف: ملاعبته وملاطفته؛ أوْرد الإمام البخاري في صحيحه: قبَّل رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التَّميمي جالسًا، فقال الأقرع: إنَّ لي عشرةً من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ثمَّ قال: «مَن لا يَرحم لا يُرحم»؛ ولذلك قال العرب: لاعب ابْنَك سبعًا، وأدِّبْه سبعًا، وصاحِبْه سبعًا.
تلك هي بعض حقوق الأطفال في دين الإسلام، وهم أمانة نتحمَّل جميعًا مسؤوليَّة رعايتهم وحسن تربيتِهم، والبلوغ بهم إلى سنِّ رشدهم؛ ليكونوا خيرَ خلفٍ لخيرِ سلف.
من أهمِّ حقوق الطفل في إسلامنا العظيم: حقُّه في التربية، وأساس التربية أن نرعى فيه من أيَّامه الأولى بذرةَ “لا إله إلا الله محمَّد رسول الله” صلَّى الله عليه وسلَّم، الَّتي جعلها الله – تبارك وتعالى – في فطرة كلِّ مولود؛ جاء في الصحيحَين قولُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة، فأبواهُ يهوِّدانِه أو ينصِّرانه أو يُمجِّسانه».
فكل مولود يأتي إلى دنْيا الناس مسلمًا موحِّدًا، يأْتي محبًّا لله ولرسوله، وعلى الأبويْن رعاية تلك الفطرة؛ يقول الله – جلَّ وعلا -: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
فانسجام الأبويْن داخل الأسرة وتعاملهما بما أمر الله ورسوله في كل شأن من شؤون الحياة – هو الطَّريق التي يسلكها الطِّفْل خلف أبويْه، وهذا حقُّه على والديه، فمن حقِّه أن يجد المودَّة والرَّحمة قائمتَين في البيت، ومن حقِّه أيضًا أن يجد توجيهَه نحو الخير والصَّلاح، ومن حقِّه كذلك أن يرى حمايتَه من كلِّ شرٍّ وافد، أن يكون في حصن الخلق الرَّفيع؛ لأنَّنا نعيش في زمن كثرت فيه وسائل الإعلام الفاسدة والمفسدة، المخربة للأخلاق بشاشاتِها الواردة من كل حدب وصوب، فماذا نفعل لنحمي أبناءنا من هولها؟
إنَّ الملاذ هو التمسُّك بهذا الدين، هو إشباع الأبناء من الغذاء الرُّوحي، هو أن نحصِّنَهم بدقَّة تعامُلِنا بشرع الله أمامهم، بأن يعيشوا الألفة والمحبَّة الأسريَّة؛ حتَّى نقيَهم الشُّرور المحيطة، وهذا حقُّهم عليْنا، ومن حقِّهم عليْنا أيضًا أن ندْعو لهم، أن نبتهل إلى الله في كل حين أن يهديَهم سبيله القويم، أن يجمعنا وإيَّاهم على البر والتقوى، أن يعيدوا مجدَنا، أن يبنوا عزَّة الإسلام والمسلمين، وكل ذلك على الله يسير، فلنستقم على شرع الله، ولنكن جميعًا على صراط الله، ولنحمِ أسرَنا في حصن الله، نضمنْ بهجة الحياة الدنيا والفوز والفلاح في حياتنا الأخرى؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 174، 175].
________________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالله المؤدب البدروشي
Source link