كيف تعبر عن مشاعرك – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

“يجب أن نكون أكثر اهتمامًا من خلال إزاحة الأفكار الخاطئة من عقولنا”

الحمد لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَن والاه.

 

أمَّا بعد:

فمِن الصَّعب أن نتواصل بحبٍّ عندما نكون متضايقين، أو قانِطين، أو مُحبَطين، أو غاضبين، فعندما تنمو العواطف السلبيَّة، نميل مؤقتًا إلى فقدان مشاعرنا الودِّية من الثقة، والتفهُّم، والتقبُّل، والتقدير، والاحترام، في مثل هذه الأوقات، حتَّى مع أفضل النِّيات، يتحوَّل الحديث إلى مُشاجرة، وتحت ضغط تلك اللحظة لا نتذكَّر كيف نتواصل بأسلوب مفيدٍ بالنسبة إلى شريكنا أو إلينا[1].

 

إنَّ الإنسان مخلوق عاطفي، مجبول على طلب الحبِّ والتقدير، والاهتمام والذِّكْر الحسَن، يقول تعالى حكاية عن إبراهيمَ – عليه السَّلام -: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: 84].

 

وعلاقات الناس بعضهم ببعض، واتِّصالهم الوثيق فيما بينهم يُحْدِث بينهم من سوء التَّفاهم، ومن التَّباغض، ومن التحاسد، ومن التنافُر، الذي يؤدِّي إلى التباعد، والذي يؤثِّر في نفسياتهم ويجعلهم محبطين، ناقمين على أنفسهم وعلى الآخرين، عندها تجد الإنسان يبحث عن مَخْرج من حالته النفسيَّة السيِّئة، والتي تسمَّى “التعبير عن المشاعر”، والمشاعر هي مشاعر الغضب، والإحباط، والطفش، والقلق، والحزن، وغيرها.

 

يقول الشاعر يحيَى توفيق في قصيدته “غربة”:

لِمَنْ أَبُوحُ بِآلاَمِي وَأَحْزَانِــــــــــــي   ***   وَأَيْنَ أَهْرُبُ مِنْ لَيْلِي وَأَشْجَانِــــــــي 

إِذَا شَكَوْتُ فَكُلُّ النَّاسِ يَعْذِلُنِـــــي   ***   وَإِنْ صَبَرْتُ فَصَبْرُ الْمُرْهَقِ الوَانِـــــي 

كَمْ أَزْرَعُ الوُدَّ فِي أَفْيَاءَ مُعْشِبَـــــةٍ   ***   فَأَحْصُدُ الْحِقْدَ فِي صَحْرَاءِ حِرْمَانِـي 

لَيْلِي طَوِيلٌ وَأَفْكَارِي تُحَيِّرُنِـــــــي   ***   وَتَسْكُبُ اليَأْسَ فِي قَلْبِي وَوِجْدَانِـي 

إِنَّ الغَرِيبَ غَرِيبُ الرُّوحِ فِي وَطَنٍ   ***   يَلْقَى الْهُمُومَ بِقَلْبٍ حَائِرٍ عَانِــــــــــي 

يَا رَبِّ أَشْكُو إِلَيْكَ اليَوْمَ أَفْئِــــــدَةً   ***   تَقْسُو عَلَيَّ وَلاَ أَشْكُو لإِنْسَــــــــــــانِ 

 

فإذا بلغ الإنسانُ هذه الحالة النفسية السيِّئة، يَجْمُل به أن يبحث عن طريقٍ لتفريغ تلك الشحنات العاطفية؛ ليعود بعدها إلى حالته النفسية المعتدلة.

 

والسُّبل مختلفة باختلاف الناس وأمزجتها، ومنها:

• عن طريق المُحادَثة مع الزوجة، أو الصديق، أو الحبيب، مثلما يقول الشاعر:

وَلاَ بُدَّ مِنْ شَكْوَى إِلَى ذِي مُرُوءَةٍ   ***   يُوَاسِيكَ أَوْ يسْلِيكَ أَوْ يَتَوَجَّعُ 

 

فأجمِلْ بالإنسان أن يجعل له صديقًا، يأوي إليه بعد الله إذا ضاق به الكون، أو نزل به همٌّ، أو صعب عليه أمر؛ ليأخذ منه الحكمة والحلَّ لمشكلته، فيزول هَمُّه، وينار عقله، ويزيد فرحه!

 

يقول عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل: إنَّ في المحادثة تلقيحًا للعقول، وترويحًا للقلب، وتسريحًا للهمِّ، وتنقيحًا للأدب[2].

 

ويقول ابن الروميِّ في مرضه الذي مات فيه:

وَلَقَدْ سَئِمْتُ مَآرِبِي   ***   فَكَأَنَّ أَطْيَبَهَا خَبِيــــثْ 

إِلاَّ الْحَدِيثَ فَإِنَّـــهُ   ***   مِثْلَ اسْمِهِ أَبَدًا حَدِيثْ[3] 

 

• ومنها كتابة ما يدور في ذِهْنك في ورقة؛ لأنَّ هناك أوقاتًا لا ينفع فيها الحديث، ويكون فيها كتابة سؤالين، والإجابة عليهما، وهُما:

س1: مِمَّ أقلق؟

س2: ماذا أستطيع أن أعمل لحلِّ ما أقلق من أجله؟

 

• ومنها الصلاة؛ فهي مِن أعظم العبادات لإصلاح حياة المسلم، ومنها تهدئة نفسه، والسَّماح له بالدعاء، والتعبير عن مشاعره السلبيَّة عن طريق الدُّعاء.

 

• ومنها الحوار الداخليُّ مع النَّفس: فتخيَّل مشكلتك، وتخيل أنَّك تقوم بحلِّها مثلاً، إذا كنت غاضبًا من شخص، فتخيَّله أمامك، وقُل ما تريد أن تقوله لو كان حاضرًا، فإنَّ ذلك كفيل بتحريرك من مشاعرك السلبيَّة لأنك باستكشافِكَ لمشاعرك، والتعبير عنها فإنَّها تفقد قوتها، وتبرز المشاعر الإيجابية.

 

• ومنها الرِّياضة؛ فإنَّها مِن أعظم العلاجات لأمراض الجسم العضوية والنفسية، يقول “إدي إيجان”: “لقد اكتشفتُ أنَّ أفضل علاج للقلق هو التمرينات الرياضيَّة؛ لذلك استخدِمْ عضلاتك أكثر من أن تستخدم عقلك عندما تتعرَّض للقلق، ولَسوف تُحقِّق نتائج مذهلة”[4].

 

للتذكير:

يقول “وابكتيتوس”، رائد الفلسفة الرواقية: يجب أن نكون أكثر اهتمامًا من خلال إزاحة الأفكار الخاطئة من عقولنا[5].

 


[1] “الرجال من المريخ والنساء من الزُّهرة”، جون غراي.

[2] “الإمتاع والمؤانسة”، لأبي حيان التوحيدي، ص 33.

[3] المصدر السابق، ص 34.

[4] “دع القلق وابدأ الحياة”.

[5] المصدر السابق.

_______________________________________________________
الكاتب: زياد فالح المرواني


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *