{ اسمه أحمد } – طريق الإسلام

كان ﷺ بشرى عيسى عليه السلام باسم (أحمد)؛ وقالﷺ: «لي ‌خمسة ‌أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشَر الناس على قدمي، وأنا العاقب»

جاء في الموطأ وصحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لي ‌خمسة ‌أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشَر الناس على قدمي، وأنا العاقب»، والعاقب: الذي ليس بعده أحد من الأنبياء.

 

وكان صلى الله عليه وسلم بشرى عيسى عليه السلام باسم (أحمد)؛ قال عز وجل: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].

 

قال النويري (ت: 733هـ): “وهو صلى الله عليه وسلم أول من سُمِّيَ بأحمد، ولم يُسَمَّ به أحد قبله من سائر الناس، وفى هذا حكمة عظيمة باهرة؛ لأن عيسى عليه السلام قال: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}  [الصف: 6]، فمنع الله تعالى بحكمته أن يسمى أحدٌ به، ولا يُدعَى به مدعوٌّ قبله؛ حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب“[1].

 

وسنتناول هذا الاسم الجميل من ناحية الدلالة، والقياس الصرفي، والحكم النحوي، وبالله تعالى التوفيق:

أولًا: الدلالة:

إنما ‌سُمِّيَ نبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم ‌أحمد؛ لأنه الذي لا يُذَمُّ، فـ(أحمد) عَلَمٌ على النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، وهو عند الأكثرين منقول من صفة، هي (أفعل) التي يُراد بها التفضيل لواحد من الأشخاص المشتركين معه في صفة على الآخرين؛ لزيادته عليهم فيها زيادةً ظاهرةً؛ ولذا يحتمِل (أحمد) معنيين[2]:

المعنى الأول: أن تكون زيادة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم على الأنبياء المشتركين معه في صفة الحمد من جهة الفاعلية، وهي قيام الفاعل بحمد الله عز وجل حمدًا كثيرًا زائدًا على حمد غيره.

 

فالأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام مشتركون في أنهم حامدون الله سبحانه وتعالى آناءَ الليل وأطراف النهار، ونبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم زاد عليهم في الحمد لله عز وجل زيادةً ظاهرةً، فهو ‌أحمد الحامدين لربهم، بل إذا حمِد الله تعالى الخلائقُ أجمعون، فالنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم أحمدهم على الإطلاق؛ ولذا قال الحافظ ابن حجر (ت: 852هـ) في معنى (أحمد): “ومعناه: أحمد الحامدين، وسبب ذلك: ما ثبت في الصحيح أنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامدَ لم يفتح بها على أحد قبله”[3]، فكثرة الحمد من النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ثمرة كثرة النعم التي أنعم الله تعالى بها عليه، فنِعَمُ الله عليه صلى الله عليه وسلم أكثر من نعمه على غيره من الخلق.

 

والمعنى الثاني: أن تكون زيادة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم على الأنبياء المشتركين معه في صفة الحمد من جهة المفعولية، وهي وقوع الحمد على النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره؛ فالأنبياء مشتركون في أنهم محمودون عند الله سبحانه وتعالى وعند عباده، بما فيهم من الخصال الحميدة، والفضائل والمحاسن والأخلاق، ونبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم أكثرهم محموديةً عند الله سبحانه وتعالى وعند عباده.

 

فهو صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء حمدًا؛ لما فيه من الخصال الحميدة التي يُحمَد بها، وهو صلى الله عليه وسلم أعظمهم حمدًا؛ للفضائل والمناقب التي حازها ويُحمد بها، وهو صلى الله عليه وسلم أعلاهم حمدًا بالمحاسن التي جمعها، والأخلاق الكريمة التي تمَّمها ويُحمد بها؛ فهو صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين، المتمِّم مكارمَ الأخلاق، والموعود بالمقام المحمود.

 

قال أبو المظفر السمعاني (ت: 489هـ): “وأما معنى ‌اسمه ‌أحمد فعلى وجهين: أحدهما: لأنه كان يحمد الله كثيرًا، والثاني: لأن الناس حمِدوه في فِعاله”[4].

 

وقال الراغب الأصفهاني (ت: 502هـ): “فأحمدُ إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم باسمه وفعله؛ تنبيهًا أنه كما وُجِد ‌اسمه ‌أحمد، يوجد وهو محمود في أخلاقه وأحواله، وخصَّ لفظة (أحمد) فيما بشَّر به عيسى صلى الله عليه وسلم؛ تنبيهًا أنه أحمد منه ومن الذين قبله”[5].

 

ثانيًا: القياس الصرفي:

الفرق بين المعنيين المذكورين من الناحية الصرفية: أن صياغة (أفعل) التفضيل على المعنى الأول جاءت على ما يقتضيه القياس الصرفي، فهي من فعل ثلاثي مبني للمعلوم؛ وهو (حمِد)، فيُقال: النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم أحمد من غيره.

 

وصياغة (أفعل) التفضيل على المعنى الثاني جاءت على غير ما يقتضيه القياس الصرفي، فهي من فعل ثلاثي مبني للمجهول؛ وهو (حُمِدَ)، والفعل المبني للمجهول إذا لم يكن مأمون اللبس بالمبني للمعلوم لا يُصاغ منه (أفعل) التفضيل مباشرةً، وإنما يؤتى بـ(أشد، أو: أكثر، أو: أعظم، أو: أجمع… أو أي صيغة مأخوذة من فعل مستوفٍ للشروط)، بدلًا من الفعل المبني للمجهول، ثم يُؤتَى بمصدر هذا الفعل منصوبًا على التمييز بعدها، فيُقال: النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم أكثر حمدًا من غيره، ولا يُقال: النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم أحمد من غيره؛ لأن ذلك يؤدي إلى وقوع اللبس في أسلوب التفضيل بين دلالتي الفعلين: المبني للمعلوم، والمبني للمجهول.

 

ومن أجل هذا يترجح المعنى الأول على المعنى الثاني من ناحية القياس الصرفي، وإن كان المعنيان المذكوران حاصلَين للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم.

 

ثالثًا: الحكم النحوي:

من المحتمل عند بعض العلماء أن يكون (أحمد) علمًا منقولًا من الفعل المضارع الدال على المتكلم، في نحو قول المؤمن: أحمَدُ الله على نعمه التي لا تُحصى ولا تُعَدُّ؛ قال ابن عطية الأندلسي (ت: 542هـ): “وأحمد: فعل سُمِّيَ به”[6].

 

وجلَّى السمين الحلبي (ت: 756هـ) الحكم النحوي لـ(أحمد) في تراكيب العربية واستعمالاتها، انطلاقًا من هذين الاحتمالين؛ النقل من أفعل التفضيل، والنقل من الفعل المضارع؛ وذلك حين قال: “أحمد: يحتمل النقل من الفعل المضارع، أو من أفعل التفضيل، والظاهر الثاني”.

 

وعلى كلا الوجهين فمنعه من الصرف للعلمية ‌والوزن ‌الغالب، إلا أنه على الأول يمتنع معرفةً وينصرف نكرةً، وعلى الثاني يمتنع تعريفًا وتنكيرًا؛ لأنه تخلف العلمية الصفة، وإذا نُكِّر بعد كونه علمًا جرى فيه خلاف سيبويه والأخفش، وهي مسألة مشهورة بين النحاة”[7].

 

(أحمد) في الآية:

يُراد به الكلمة أو القول أو اللفظ، وليس الشخص المسمَّى أو الذات، وليس على حد قولك: جاءنا أحمد راكبًا؛ لأنك ها هنا أوقعت الاسم على مسمَّاه، وفي الآية الكريمة إنما أراد: اسمه هذه الكلمة (أحمد)، أو اسمه هذا اللفظ[8]؛ لأن عيسى عليه السلام يخبر أتباعه باسم النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، الذي سيأتي من بعده في آخر الزمان، ولم يأتِ زمانه، ولا ظَهَرَ للوجود شخصه الكريم، وذاته المباركة حينئذٍ.

 

فـ(الاسم) هو اللفظ الموضوع للدلالة على ذات موجودة في العيان، إن كانت محسوسةً، كلفظ (زيد)، وفي الأذهان، إن كانت معقولةً، كـ(أحمد) في الآية الكريمة.

 

و(المسمى) هو الذات المدلول عليها بهذا اللفظ الموضوع، كشخص (زيد) المرئي، ومجيء (أحمد) المعقول في عالم الأنبياء.

 

و(التسمية) هي وضع هذا اللفظ للدلالة على تلك الذات الموجودة في العيان أو الأذهان[9].

 

وإن سأل سائل:

كيف خصَّ عيسى عليه السلام أحمدَ بالذكر دون محمد، مع أنه أشهر أسماء النبي صلى الله عليه وسلم؟

فالجواب أن عيسى عليه السلام خصه بالذكر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مذكور في الإنجيل بهذا الاسم، ولأن اسمه في السماء أحمد، وفي الأرض محمد، فذُكِرَ في الإنجيل باسمه السماوي؛ لأنه أحمدُ الناس لربه، لأن حمده لربه عز وجل بما يفتحه الله عليه يوم القيامة من المحامد قبل شفاعته لأمته سابق على حمدهم له سبحانه وتعالى على طلبه الشفاعةَ من نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم لهم[10].

 

‌وختامًا:

اللهم ‌صلِّ ‌على نبينا ‌محمد، ‌وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 


[1] نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري 16/ 75.

[2] ينظر: الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي 9/ 303، والتفسير البسيط للواحدي 21/ 434، معالم التنزيل في تفسير القرآن للبغوي 8/ 109.

[3] فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6/ 555.

[4] تفسير القرآن 5/ 426.

[5] المفردات في غريب القرآن 256.

[6] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 5/ 303.

[7] الدر المصون في علوم الكتاب المكنون 10/ 315، 316.

[8] ينظر: المصدر السابق.

[9] ينظر: البحر المحيط لأبي حيان 1/ 30، منحة الباري بشرح صحيح البخاري للشيخ زكريا الأنصاري 6/ 696.

[10] ينظر: أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل لزين الدين الرازي ص517، وفتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن للشيخ زكريا الأنصاري 562.

__________________________________________________
الكاتب: د. أحمد عيد عبدالفتاح حسن


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *