قال ﷺ: «إنَّ الله عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ بالليْلِ ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»
الدِّلالاتُ اللُّغويَّةُ لاسمِ (الرؤوف)[1]:
الرؤوف صيغةُ مبالغةٍ مِن اسم الفاعل الرائِفِ، وهو الموصوف بالرأفةِ، فعْله رَأَفَ بهِ يَرْأَف رَأْفَةً.
والرأفةُ في حقِّنا هي امتلاءُ القلبِ بالرِّقةِ، وهي أشدُّ ما يكون من الرَّحمةِ، وقيل: بل شِدَّةُ الرحمةِ ومنتهاها، قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2]؛ يعني: لا تَنظروا بأيِّ اعتبَارٍ يُمْكنُ أَنْ يَمْنحَهم شيئًا مِن الرَّحمَةِ والرِّقَّةِ، فلا تَرحموهما فَتُسْقِطُوا عنهما ما أَمَرَ اللهُ به مِنَ الحدِّ.
ويُمْكنُ القولُ أنَّ الرحمةَ تَسبِقُ الرأفةَ، فالرأفةُ هِي المنزلةُ التي تَعقبُها يُقَالُ: فلانٌ رحيمٌ، فإذا اشتدَّتْ رحمتُهُ فهو رؤوف، فالرأفةُ آخِرُ ما يكونُ من الرَّحمةِ.
ولذلك قُدِّمتِ الرأفةُ على الرَّحمةِ في وَصْفِ نَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، وذلك على اعتبارِ أَنَّ الرأفةَ مبالغةٌ في الرحمة، والمبالغةُ في الرَّحمةِ تتعلَّق بخاصَّةِ المؤمنين، أما الرَّحمةُ في اسم الرَّحمنِ فإنها تتعلقُ بالخلائقِ أجمعين، فالأمرُ في الرَّأفة والرَّحمةِ على قَدْرِ الولايةِ والإيمانِ وعلى حسبِ عُلوِّ الهمَّةِ في عملِ الإنسانِ، وقد كانتْ رأفةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأصحابِهِ ما بَعدها رأفةٌ[2].
والرؤوفُ سبحانه هو الذي يَتعطَّفُ على عبادِهِ المؤمنين بحفظِ سمعِهم وأبصارِهِم وحركاتِهِم وسكناتِهِم في توحيدهِ وطاعتِه، وهذا مِن كمالِ الرأفةِ بالصادقين.
روى البخاريُّ من حديثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ القُدسيِّ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدي بشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْه، وَمَا يَزَالُ عَبْدي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصرُ بِهِ، وَيَدَهُ التي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعلُهُ تَرَدُّدي عَنْ نَفْسِ الُمؤْمِنِ، يَكْرَهُ الَموْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» [3].
وكذلك الرؤوف يدلُّ على معنى التعطُّفِ على عبادِهِ المذْنِبين، فيفتحُ لهم بابَ التَّوبةِ ما لم تُغرغرِ النفسُ أو تطلُعِ الشمسُ مِن مغربِها، فقد روى مسلمٌ من حديث أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَليْه»[4].
وعنده أيضًا مِن حديثِ أَبي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه؛ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ بالليْلِ ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»[5].
والرؤوف أيضًا هو الذي يخفِّفُ عن عبادِه فلا يُكلِّفُهم ما يَشُقُّ عليهم أو يَخْرُجُ عن وُسعِهم وطاقتِهم.
قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28].
وقال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286][6].
وُرُودُه في القرآن الكريم[7]:
وَرَدَ الاسمُ في عَشْرِ آياتٍ من كتابِ اللهِ تعالى، منها:
قولهُ تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143].
وقولهُ تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30].
وقولهُ: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 7].
وقولهُ: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج: 65].
وقولهُ: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 9].
معنى الاسمِ في حَقِّ الله تعالى:
قال أبو عبيدةَ: «(رؤوف) فعولٌ مِنَ الرَّأفَةِ وهي أَرقُّ الرَّحمةِ، قال كعبُ بنُ مالكٍ الأنصاريُّ:
نُطِيعُ نَبيَّنَا ونُطِيعُ رَبًّا ** هُوَ الرَّحْمَنُ كَانَ بِنَا رَؤُوفًا[8]
قال ابنُ جريرٍ: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} : إنَّ اللهَ بجميعِ عِبادِهِ ذُو رأفةٍ، والرأفة أعلى معاني الرَّحمةِ.
وهي عامَّةٌ لجميعِ الخلْقِ في الدُّنيا، ولبعضِهم في الآخرة»[9].
وقال الخطابِيُّ: «(الرَّؤوف) هو الرَّحيمُ العَاطِفُ برأْفتِهِ على عبادِهِ.
وقال بعضُهم: الرَّأفةُ أبلغُ الرَّحمةِ وأرَقُّها.
ويُقالُ: إِنَّ الرَّأفةَ أَخصُّ، والرَّحمةُ أعمُّ، وقد تكونُ الرَّحمةُ في الكراهَةِ للمَصْلَحةِ، ولا تكادُ الرَّأفةُ تكونُ في الكراهةِ.
فهذا موضِعُ الفَرْقِ بينهما»[10].
وقال الحليميُّ: «(الرؤوف)، ومعناه المتساهِلُ على عبادِهِ[11]؛ لأنَّه لم يُحمِّلْهم ما لا يُطيقون، بل حَمَّلَهم أقلَّ مما يُطيقون بدرجاتٍ كثيرةٍ.
ومع ذلك غلَّظَ فرائِضَهُ في حال شِدَّةِ القوَّةِ، وخَفَّفها في حالِ الضَّعفِ ونُقصانِ القُوَّةِ، وأخَذَ الُمقِيمَ بما لم يأخُذْ به المُسَافرَ، والصحيحَ بما لم يأخذْ به المريضَ.
وهذا كلُّه رأفَةٌ وَرَحْمةٌ»[12].
وقال في الَمقْصِد: «(الرؤوف) ذو الرَّأفةِ، والرَّأْفةُ شدَّةُ الرَّحمةِ، فهو بمعنى الرَّحيمِ مع المبالغةِ»[13].
الفرقُ بين الرأفةِ والرَّحمةِ:
تقدَّمَ في هذا كلامُ أبي عُبيدةَ وابنِ جريرٍ والزَّجَّاجِ والخطابيِّ؛ أنهم ذَكَروا فروقًا بينهما.
وجاء في الأسنى للقُرطبيِّ:
«إنِّ الرأفةَ[14] نِعمةٌ مُلِذَّةٌ مِن جميعِ الوجُوهِ، والرَّحمةُ قد تكونُ مُؤلمةً في الحالِ، ويكُونُ في عُقباها لذَّةٌ.
ولذلك قال: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } ﴾ [النور: 2]، ولم يَقُلْ: رَحْمةٌ، فإنَّ ضَرْبَ العُصاةِ على عِصيانِهم رحمةٌ لهم لا رأفةٌ، فإنَّ صفةَ الرأفةِ إذا انْسَدَلتْ على مخلوقٍ لم يَلحقْهُ مكْروهٌ.
فلذلك تقولُ لَمنْ أصابَهُ بلاءٌ في الدُّنيا، وفي ضِمْنِهِ خيرٌ في الأُخرى: إنَّ اللهَ قد رَحِمَه بهذا البلاءِ.
وتقولُ لمن أصابَهُ عافيةٌ في الدُّنيا، في ضِمْنها خَيْرٌ في الأخرى، واتصلتْ له العافيةُ أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا: إنَّ اللهَ قد رأفَ به.
قال الأُقليشيُّ: فتأمَّلْ هذه التفرقةَ بين الرأفةِ والرَّحمةِ، ولذلك جاءا معًا، فقال: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} .
وعلى هذا، الرأفةُ أعمُّ مِن الرَّحمةِ، فمتى أرادَ اللهُ بعبدٍ رحمةً أَنْعمَ عليه بها، إلا أنها قد تكُونُ عَقيبَ بلاءٍ، وقد لا تكونُ، والرأفةُ بخلافِ ذلك»[15].
فيتحصَّلُ في التفريق بين الرأفةِ والرحمةِ:
أ- إِنَّ الرأفةَ أَشدُّ الرَّحمةِ وأَبلغُها.
ب- إِنَّ الرأفةَ أَعمُّ مِن الرَّحمةِ، إِذْ الرحمةُ قد تكُونُ بشيءٍ مكْروهٍ، أو عَقيب بلاءٍ، والرأفةُ خيرٌ مِن كلِّ وجهٍ.
ثمراتُ الإيمانِ بهذا الاسمِ:
1- وَصْفُ اللهِ تعالى بالرأفةِ وهي أشدُّ الرَّحمةِ، ومِنْ مظاهرِ تلك الرأفةِ:
أ- أَنَّهُ لا يُضيعُ لِعبادهِ طاعةً أطاعوه بها فلا يُثيبهم عليها: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143]، وقد نزلتْ لِبَيانِ أنَّ مَنْ صلَّى إلى بيتِ المقدسِ قَبْلَ تحويلِ القبلةِ صلاتُهُ تلك لم يَضِعْ أجرُها وثوابُها، وكذا صلاةُ مَنْ مَاتَ قبلَ تحويلِ القبلةِ.
ب- أَنَّهُ حذَّرَنا نفسَه سبحانه وتعالى، وخوَّفَنَا مِن عُقوبتِه وعَذابِه، ونهانا عن معصيَتِهِ، قَبْلَ أَنْ يَلقاهُ العبدُ يومَ القيامةِ، لِيَستعدَّ للقائِهِ، ويَتجنَّبَ سُخطَهُ وغَضبَهُ {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30].
ومِنْ أجْلِ ذلك أرسَلَ رسُلَهُ، وأنْزَل كُتُبَه التي تُبيِّنُ شرعَهُ، لِيُنقِذَ الناسَ مِن ظلماتِ الشرْكِ والجاهليةِ إلى نورِ التوحيدِ والهدايةِ {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 9].
فمِنْ رَحمتِهِ ورأفتِهِ فَعَلَ ذلك.
جـ- أَنَّه يَقْبلُ توباتِ التائبينَ، لا يردُّ عن بابهِ العاصِينَ المنِيبِينَ، مهما كَثُرتْ سيِّئاتُهم، وتَعاظمَتْ خَطيِئاتُهم {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117].
د- تَسخيرُه لما في السماواتِ وما في الأرضِ لَمصْلحةِ الإِنسانِ ومنفعتِهِ، وخَلْقُه الأنعامَ لِيَرْكَبَ على ظهْرِها فتحملَه المسافاتِ الشاسعةَ، هو ومتاعَهُ وزادَهُ، ولولا ذلك لأصابه الجَهْدُ العظيمُ والمشقةُ البالغةُ {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 7].
وتأمَّلْ هذه الآياتِ التي تَلتْهَا وما فيها من مظاهرِ رأفة (الرؤوفِ الرَّحيمِ).
قال جلَّ شأنُهُ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 8 – 18].
2- سمَّى اللُه تعالى رسولَهُ صلى الله عليه وسلم بهذا الاسمِ في قولِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
ومعنى {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}، أي: يَشقُّ عليه الأمرُ الذي يشُقُّ عليكم {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ}، فيحبُّ لكم الخيرَ، ويَسعى جُهْدَه في إِيصالِهِ إليكم، ويحرصُ على هدايتِكُمْ إلى الإيمانِ، ويَكْرهُ لكم الشَّرَّ، ويَسعى جُهْدَهُ في تنفيرِكُمْ عنه {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}، أي: شديدُ الرأفةِ والرَّحمةِ بهم، أرحمُ بهم مِنْ والِدِيهم، ولهذا كان حقُّهُ مقدَّمًا على سائرِ حقوقِ الخَلْقِ، وواجبٌ على الأمَّةِ الإيمانُ به وتعظيمُه وتوقيرُه وتعزيرُه.
وكان مِنْ رأفتِهِ بأمَّتِهِ أَنَّهُ: ما خُيِّر بين أمْرين إلا اختارَ أيسرَهُما ما لم يَكُنْ إثمًا، فإِنْ كان إثمًا كان أَبعدَ النَّاسِ منه، وما انتَقمَ لِنفسِهِ إلا أَنْ تُنتَهكَ حُرمةُ اللهِ عز وجل[16].
وَكان يَدْخلُ في الصَّلاةِ وهو يريدُ أَنْ يُطوِّلَ فيها، فيسمعُ بكاءَ الصَّبيِّ؛ فَيَتَجوَّزُ في صلاتِهِ كراهيةَ أَنْ يشقَّ على أُمِّهِ[17].
[1] أسماء الله الحسنى للرضواني (2/ 122 – 123).
[2] انظر في المعني اللغوي: لسان العرب (9/ 112)، وروح المعاني (2/ 7)، واشتقاق أسماء الله (ص: 86).
[3] البخاري في الرقاق، باب التواضُع (5/ 2384) (6137).
[4] مسلم في الذكْر والدُّعاء والتوبة، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه (4/ 2076) (2703).
[5] مسلم في كتاب التوبة، باب قبول التوبة مِن الذنوب وإنْ تكرَّرَت الذنوب والتوبة (4/ 2113) (2759).
[6] شرْح أسماء الله الحسنى للرازي (ص: 341)، وتفسير الأسماء الحسنى للزجاج (ص: 62)، والأسماء والصفات للبيهقي (ص: 77)، والمقصد الأسنى للغزالي (ص: 124)، والأسنى للقرطبي (1/ 172).
[7] النهج الأسمى (2/ 214 – 219).
[8] مجاز القرآن (1/ 270).
[9] جامع البيان (2/ 12).
[10] شأن الدُّعاء (ص: 91)، ومن قوله: «الرأفة أبلغ…» إلى قوله: «والرحمة أَعَمُّ» نقَلَه الأصبهانيُّ في الحجَّة (ق 26 ب).
[11] في الأسماء للبيهقي: المساهِل عبادَه.
[12] المنهاج (1/ 201) وذكَرَه في الأسماء التي تتبعُ إثباتَ التدبيرِ له دُونَ ما سِوَاه، ونقَلَه البيهقيُّ في الأسماء (ص: 57).
[13] المقصد (ص: 89)، وبمِثلِه قال القرطبيُّ في الأسنى (ورقة 289 أ).
[14] في الأصل: الرحمة، ولا يَتناسب مع السياق.
[15] الكتاب الأسنى (ورقة 289 أ).
[16] أخرجه البخاري في المناقب (6/ 566)، وفي الأدب (10/ 524)، وفي الحدود (12/ 86)، وفي المحاربين (12/ 176)، ومسلم في الفضائل (4/ 1813 – 1814) عن عائشة رضي الله عنها.
[17] البخاري كتاب الأذان (2/ 201، 202، 349)، ومسلم في الصلاة (1/ 342، 343).
Source link