فهم أهل الكذب والبهت، والغدر والمكر، قتلة الأنبياء، وأكلة السحت، أخبث الأمم طوية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة.
روى ابن إسحاق في السيرة والبيهقي في “دلائل النبوة” عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: لم يكن أحد من ولد أبى وعمى أحب إليهما منى، لم ألقهما في ولد لهما قط أهش إليهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء، قرية بنى عمرو بن عوف، غدا إليه أبى وعمى أبو ياسر بن أخطب مغلسَين، فو الله ما جاءانا إلا مع مغيب الشمس، فجاءانا فاترين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فو الله ما نظر إلى واحد منهما، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله! قال: تعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم والله. قال: فماذا في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت!
وسبحان القائل في قرآنه وكتابه وهو أصدق القائلين: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}.
أشد الناس عداوة:
لقد جسد حيي بقوله هذا طبيعة اليهود أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء الإسلام والمسلمين في كل زمان وفي كل مكان، فبغض الإسلام هو قضيتهم التي لا يمكن أن تفارق قلوبهم، وهي وإن فارقت ألسنتهم أحيانا إلا أن قلوبهم تأبى كما قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].
هكذا قال ربنا ـ وهو العالم بخبايا النفوس، مكنونات الصدور ـ {ومن أصدق من الله قيلا}، {ومن أصدق من الله حديثا}؟، وبهذا شهد عليهم القرآن، وهكذا شهد عليهم التاريخ، وشهدت عليهم أفعالهم وأقوالهم، حقد يملأ النفوس، ويعصر القلوب، ويفتت الأكباد، إذا كانوا في ضعف كبتوه فأحرق نفوسهم فلم يستطيعوا أن يكتموه؛ فألبوا الكفار على المسلمين، وحاكوا الفتن، ونسجوا الدسائس، وأوقدوا الإحن، ونفخوا في كل رماد؛ حتى تتأجج منه النار {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:64]، كما فعلوا في غزوة الأحزاب، وكما حاولوا الوقيعة بين الأوس والخزرج، وكما فعل ابن سبأ في فتنة عثمان، وقبل ذلك كما فعلوا في المسيح وحوارييه.
أما إذا تمكنوا وعلت كلمتهم، وارتفعت دولتهم، وقويت شوكتهم، فيا ويل المؤمنين منهم، كسر عظام، وتحطيم رؤوس، وفقء عيون، وقتل شيوخ ونساء وأطفال، وهتك أعراض، وتشريد وتعذيب وترى منهم مالا يخطر ببال ولا يطيف بخيال.
شهدت ربوع فلسطين منذ دخلوها على ذلك كما في “كفر قاسم” و”دير ياسين”، وقرية “أبو شوشة”، و”الطنطورة” قديما، وكما في مجزرة “بيت المقدس”، و”الحرم الإبراهيم، و”مخيم جنين” وغيرها حديثا.
وشهدت لبنان على قساوتهم وحقدهم في “صبرا وشاتيلا” وفي “قانا”، وما عداها، وشهدت انتفاضة الحجارة تحجر قلوبهم يوم كانوا يكسرون عظام الأطفال ليعجزوا حتى عن حمل الحجارة.
وسلوا محمد الدرة وأباه ماذا صنعا وقد رآه العالم كله وهو يقتل برصاص الغدر والخيانة بين يدي أبيه؟
أمة ملعونة
إن اليهود أمة ملعونة مغضوب عليها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون».. فقد جمعوا من صفات السوء ما جعلهم أهلا لهذه اللعنة وهذا الغضب:
فهم أهل الكذب والبهت، والغدر والمكر، قتلة الأنبياء، وأكلة السحت، أخبث الأمم طوية، وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة.
ما زال بهم خبثهم ومكرهم، وكفرهم وسوء فعلهم وقسوة قلوبهم حتى غضب الله عليهم، ولعنهم في كتبه، وعلى ألسنة رسله، وجعل منهم قردة وخنازير: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:60].
قلوب غلفها الكفر بعد أن أحرقها الحسد والحقد والغل: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُون}(البقرة:88)، {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:155].
نفوس خبيثة طبعت على الخيانة والغدر فلا تعرف الأمانة ولا الوفاء، لا يحفظون عهدا لله ولا لخلقه، ولا يوفون بميثاق {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:100]، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}.
جرأة على الله تعالى لا حد لها، حتى حرفوا كتابه وجهروا بعصيانه {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، فهو تحريف عن عمد وقصد وليس عن خطأ أو اجتهاد وإنما كفر وعناد، كعنادهم وإصرارهم وجهرهم بالعصيان بعد بلوغ الأمر والنهي إليهم ومعرفتهم به {مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:46].
إنهم يعيشون بقلب حيي بن أخطب في أبدان تدعي الحرية والسلام، ولكن تأبى فعالهم وألسنتهم إلا أن تنطق بما نطق به حيي قديما.. “عداوته ما حييت“.
Source link