منذ حوالي ساعة
[يا عائِشَةُ، ما أزالُ أجِدُ ألَمَ الطَّعامِ الذي أكَلْتُ بخَيْبَرَ، فَهذا أوانُ وجَدْتُ انْقِطاعَ أبْهَرِي مِن ذلكَ السُّمِّ]
اليهود قتله الأنبياء: {{كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}} [المائدة: ٧٠]
فهم: {{يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ}} [آل عمران: ٢١]،
قتلوا زكريا ويحيى ودانيال وآرميا وأشعيا، وآذَوا موسَى وعيسى، وتآمروا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم مرارًا،
فهذة هي الأحاديث الصحيحة في استشهاد النبي ﷺ:
١- «كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ في مَرَضِهِ الذي ماتَ فِيهِ: [يا عائِشَةُ، ما أزالُ أجِدُ ألَمَ الطَّعامِ الذي أكَلْتُ بخَيْبَرَ، فَهذا أوانُ وجَدْتُ انْقِطاعَ أبْهَرِي مِن ذلكَ السُّمِّ] » [صحيح البخاري وصحيح الجامع]
٢- «[كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقبَلُ الهديَّةَ ولا يأكلُ الصَّدقةَ زادَ فأهدت لهُ يهوديَّةٌ بخيبرَ شاةً مَصليَّةً سمَّتْها فأكلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ منها وأكلَ القومُ فقالَ: ارفعوا أيديَكُم فإنَّها أخبرتني أنَّها مسمومةٌ فماتَ بِشرُ بنُ البراءِ بنِ معرورٍ الأنصاريُّ فأرسلَ إلى اليهوديَّةِ ما حملكِ على الَّذي صنعتِ قالت إن كنتَ نبيًّا لم يضرَّكَ الَّذي صنعتُ وإن كنتَ ملِكًا أرحتُ النَّاسَ منكَ فأمرَ بها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقُتلت ثمَّ قالَ في وجعِهِ الَّذي ماتَ فيهِ مازلتُ أجدُ منَ الأُكْلَةِ الَّتي أكلتُ بخيبرَ فهذا أوانُ قطعَت أبْهَري] » [صحيح أبي داود]
٣- «[أنَّ أمَّ مبشِّرٍ قالت للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في مرضِهِ الَّذي ماتَ فيهِ ما يتَّهمُ بكَ يا رسولَ اللَّهِ فإنِّي لا أتَّهمُ بابني إلَّا الشَّاةَ المسمومةَ الَّتي أكلَ معكَ بخيبرَ وقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وأنا لا أتَّهمُ بنفسي إلَّا ذلكَ فهذا أوانُ قطَعَتْ أبهري]» [صحيح أبي داود]
٤- «[مازالتْ أكْلَةُ خيبرَ تعاوِدُنِي كلَّ عامٍ، حتى كان هذا أوانُ قطْعِ أَبْهَرِي]» [صحيح الجامع]
* الشرح من تطبيق الموسوعة الحديثية الدرر السنية:
التعليق علي الحديث رقم (١):
أخبَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى في كِتابِه العَزيزِ أخْبارًا صَريحةً في أنَّ اليَهودَ قَتَلوا الأنْبياءَ بغَيرِ حقٍّ، وحاوَلوا كذلك قَتْلَ عِيسى عليه السَّلامُ، وقدْ تعرَّضَ نَبيُّنا مُحمَّدٌ ﷺ لمُحاوَلاتِ غَدْرِهم في المَدينةِ أكثرَ مِن مرَّةٍ؛ منها أنَّه دُعيَ إلى طَعامٍ، فقدَّمَتْ له امْرأةٌ يَهوديَّةٌ تُدْعى زَينَبَ بِنتَ الحارِثِ شَاةً وضَعَتْ فيها سُمًّا، فنَجَّاه اللهُ مِن مَكْرِهم، وكان النَّبيُّ ﷺ قدْ أكَلَ منها.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أمُّ المؤمِنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان يَقولُ في مَرَضِه الَّذي مات فيه: «ما أزالُ أجِدُ ألَمَ الطَّعامِ الَّذي أكَلْتُ بخَيْبرَ»، أي: ما زِلْتُ أُحِسُّ الألَمَ في جَوْفي بسَببِ أكْلي مِن تلك الشَّاةِ المَسْمومةِ الَّتي أكلَتْها بخَيْبرَ، وخَيْبرُ قَريةٌ كانت يَسكُنها اليَهودُ، وكانت ذاتَ حُصونٍ ومَزارِعَ، وتَبعُدُ نحوَ ١٧٣ كم تَقْريبًا منَ المَدينةِ إلى جِهةِ الشَّامِ، وقد غَزاها النَّبيُّ ﷺ والمسلمون، وفتَحَها اللهُ لهم في السَّنةِ السَّابعةِ منَ الهِجْرةِ، وقدِ اختلَفَتِ الآثارُ في قَتلِ رَسولِ اللهِ ﷺ لزَينَبَ بنتِ الحارِثِ اليَهوديَّةِ الَّتي وضَعَتْ له ﷺ السُّمَّ، والحاصِلُ: أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ رفَضَ قَتْلَها بِدايةً، فلمَّا مات الصَّحابيُّ بِشرُ بنُ البَراءِ رَضيَ اللهُ عنه مِن ذلك -وكان قدْ أكَلَ معَ رَسولِ اللهِ ﷺ مِن الشَّاةِ- سلَّمَها ﷺ لأوْليائِه، فقَتَلوها قِصاصًا.
وقد نَجَّى اللهُ نَبيَّه ﷺ مِن المَوتِ لمَّا أكَلَ مِن هذه الشَّاةِ في وَقتِه، ثمَّ ظهَرَ عليه أثَرُ السُّمِّ عندَ اقترابٍ أجَلِه ﷺ، قال ﷺ: «فهذا أوانُ وَجَدْتُ انْقِطاعَ أَبْهَري مِن ذلك السُّمِّ»، أي: هذا وَقتٌ شعَرْتُ فيه بقُرْبِ انْقِطاعِ أَبْهَري -وهو العِرْقُ الَّذي يَصِلُ إلى القَلْبِ، فإذا انقَطَعَ لم يكُنْ معَه حَياةٌ- بسَببِ ذلك السُّمِّ، وكان ذلك بعْدَ مُدَّةٍ مِن أكْلِه منها تُقارِبُ ثَلاثَ سِنينَ، فجمَعَ اللهُ تعالَى له بيْنَ النُّبوَّةِ ومَقامِ الشَّهادةِ؛ فمات نَبيًّا شَهيدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
والتَّوْفيقُ بيْنَ هذا وبيْنَ قَولِ اللهِ تعالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ{ [المائدة: ٦٧]: أنَّه مَعْصومٌ مِن القَتلِ على وَجْهِ القَهرِ والغَلَبةِ، وأنَّه بعْدَ هذه الأكْلةِ مكَثَ سِنينَ يُجاهِدُ حتَّى فتَحَ اللهُ عليه الفُتوحاتِ، وآمَنَ أهلُ الجَزيرةِ، وبَقيَ أثَرُ السُّمِّ حتَّى أكرَمَه اللهُ بالشَّهادةِ بسَببِه.
وقدْ مات رَسولُ اللهِ ﷺ في مَرضِه هذا وهو ابنُ ثَلاثٍ وسِتِّينَ سَنةً، وذلك في العامِ الحاديَ عَشَرَ مِن الهِجْرةِ في المَدينةِ النَّبويَّةِ.
وفي الحَديثِ: خُبثُ اليَهودِ وشِدَّةُ عَداوَتِهم للمُسلِمينَ.
وفيه: بَشَريَّةُ رَسولِ اللهِ ﷺ، وأنَّه يَعْتَريه ما يَعْتَري البشَرَ مِنَ الضَّعفِ، والمرَضِ، والوَفاةِ.
التعليق علي الحديث رقم (٢):
في هذا الحَديثِ بيانٌ لِما كان عليه النَّبِيُّ ﷺ مِن الشَّمَائِلِ، والخِصَال، وبيانٌ لبعضِ المُعجِزَاتِ الَّتي أيَّدَه اللهُ بها، وعلاماتِ نُبُوَّتِه ﷺ، ففيه أنَّ رسولَ الله ﷺ كان يَقْبَلُ الهَدِيَّةِ ولا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، أي: يَحِلُّ له الأكْلُ ممَّا يُهدَى إليه، ولا يَحِلُّ له الأكلُ مِن الصَّدقاتِ.
قال أبو هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه: فأَهْدَتْ له يَهُودِيَّةٌ- وهي زيْنَبُ بنْتُ الحارِثِ امْرَأةُ سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ – بخَيْبَرَ، أي: فِي فتْح خَيْبَر، شَاةً مَصْلِيَّةً أي: مَشْوِيَّةً سَمَّتْهَا، أي: وَضَعَتْ فيها سُمًّا، فأكَل رسولُ الله ﷺ منها، ولعلَّه قَبِل هَدِيَّتِهَا تَأْنِيسًا لها، وتَحْفِيزًا علَى الدُّخُولِ في الإسلامِ، وأكَل القَوْمُ أي: معه، فلمَّا علِم ﷺ بالسُّمِّ من إخْبارِ الشَّاةِ له، فقال: (ارفَعُوا أيدِيَكُم؛ فإنَّها أخْبَرَتْنِي أنَّها مَسْمُومَةٌ) أي: الشَّاةُ. فمَاتَ بِشْرُ بنُ البَرَاءِ بن مَعْرُورٍ الأنْصَارِيُّ؛ بسبَبِ أكْلِه مِن الشَّاةِ؛ مُتأثُّرًا بالسُّمِّ.
فأرْسَل النَّبيُّ ﷺ إلى اليَهودِيَّةِ، فقال لها: (ما حَمَلَكِ على الَّذي صنَعْتِ؟) أي: لماذا سَمَمْت الشَّاةَ؟ قالت: إنْ كنتَ نَبِيًّا لم يَضُرَّك الذي صنَعْتُ، وإنْ كنتَ مَلِكًا أرَحْتُ النَّاسَ منك، واليهودُ تعرِف نُبُوَّةَ النَّبِيِّ ﷺ مِن كُتُبِهم، وما حَمَلها على ذلك إلَّا الحَسَدُ والبَغْيُ؛ فكلامُها هذا كَذِبٌ، فأَمَر بها رسولُ الله ﷺ فقُتِلَتْ بِبِشْرِ بن مَعْرُورٍ، وأسْلَمَها النَّبيُّ ﷺ لأَوْلِيَائِهِ فقَتَلُوها قِصَاصًا؛ لأنَّه لا يَنْتَقِمُ لنفْسِه ﷺ، ثم قال: في وَجَعِه الذي مات فيه، أي: مرَضِه الذي مات فيه: (ما زِلْتُ أجِدُ مِن الأَكْلَةِ الَّتي أَكَلْتُ بخَيْبَرَ، فهذَا أوَانُ قَطَعَتْ أَبْهُرِي)، وقد كان يجِدُ أثَرَ هذا السُّمِّ بين الحِينِ والحِينِ، حتى جاء مَوْتُه، فجَمَع اللهُ تعالى له بين النُّبُوَّةِ ومَقَامِ الشَّهَادَةِ؛ فمَات نبيًّا شَهيدًا ﷺ، و”الأبْهُر” عِرْقٌ به الحَيَاةُ تَتَشَعَّبُ منه سائِرُ الشَّرَايينِ؛ إذا انقَطَع ماتَ صاحِبُه.
وفي الحديثِ: أكْلُ طعَامِ مَن يَحِلُّ طَعَامُه دونَ السُّؤَالِ عن أصْلِه والاحْتِرَاسِ منه.
وفيه: مِن علاماتِ نُبُوَّتِه ﷺ: كِفايَةُ اللهِ له مِن السُّمِّ المُهْلِك لغَيْرِه، وعِصْمَتُه، وكلامُ الشَّاةِ له.
وفيه: بيانُ غَدْرِ اليَهودِ وسُوءِ مُعاملتِهم للأَنْبياءِ.
التعليق على الحديث رقم (٣):
موتُ النَّبيِّ ﷺ مُصِيبةٌ تهونُ معها كلُّ المصائِبِ، ولم يُصَبِ المُسلمونَ بمِثْلِها قطُّ، وقد ماتَ رسولُ الله ﷺ بعدَ أنْ أدَّى رسالةَ ربِّه على أكملِ وجهٍ.
وفي هذا الحديثِ أنَّ أمَّ مُبَشِّرٍ رضِيَ اللهُ عنها قالتْ لرَسولِ اللهِ ﷺ في مرَضِه الذي ماتَ فيه تَسْأَلُه: ما يُتَّهَمُ بكَ يا رسولُ الله؟ أي: ما المَرَضُ الذي يُظَنُّ بك؟ فإنِّي لا أتَّهِمُ بابْنِي إلَّا الشَّاةَ المَسْمومَةَ الَّتي أكَل معك بخَيْبَرَ، أي: لا تَظُنُّ شيئًا في مرَضِ رسولِ الله ﷺ إلَّا أثَرَ تلك الشَّاةِ المسمُومَةِ الَّتي أكَل منها ابْنُها بِشْرٌ مع النَّبِيِّ ﷺ بخَيْبَرَ، وذلك أن امْرَأةً يهودِيَّةً أهدَتْ إلى النَّبيِّ ﷺ شاةً مسمومةً فأكَل منها النَّبِيُّ ﷺ وبِشْرُ بنُ البَرَاءِ ابنِ أُمِّ مُبَشِّرٍ، فأخبرتِ الشاةُ النبيَّ ﷺ حينما أكَلَ منها أنَّها مسمومةٌ، فكَفَّ عنها، ولكنْ بقِيَ أثرُها بعدَ ذلك، ومات بِشْرٌ مِن السُّمِّ.
ثم يقولُ النَّبيُّ ﷺ لأُمِّ مُبَشِّرٍ: «وأنَا لا أتَّهِمُ بنَفْسِي إلَّا ذلك»، أي: وأنَا أيضًا أُوافِقُك في أنَّ ما بي من أثَر الشَّاةِ المسمومَةِ «فهذا أوانُ قَطَعَتْ أَبْهُرِي»، و”الأَبْهُرُ” عِرْقٌ به الحياةُ تَتَشَعَّبُ منه سَائِرُ الشَّرَايين إذَا انقَطَع ماتَ صاحِبُه؛ فقد عرَف النَّبيُّ ﷺ أن أبْهُرَه قد انقَطَع واقتَرَب أجَلُه.
وفي الحديث: بيانُ غَدْرِ اليَهودِ وسُوءِ مُعاملتِهم للأَنْبياءِ.
جمع وترتيب وتنسيق: مصطفى محمد أمين
من تطبيق الموسوعة الحديثية
Source link