منذ حوالي ساعة
إن من سُنَّةِ الله عز وجل أن يبتليَ عباده بأنواع من المصائب والمحن، وله سبحانه في ذلك الحكمة البالغة، وأنه تعالى يفعل ما يشاء؛ {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29].
إن من سُنَّةِ الله عز وجل أن يبتليَ عباده بأنواع من المصائب والمحن، وله سبحانه في ذلك الحكمة البالغة، وأنه تعالى يفعل ما يشاء؛ {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29].
فله سبحانه في خلقه شؤون، ولا يظلم ربك أحدًا، فإن الله سبحانه وتعالى كتب على عباده أن يبتليَهم: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186].
عباد الله:
لا شكَّ أن المصائب التي حلَّت ببلاد المسلمين، والمحن التي ذاقها طائفة من إخواننا، فيها من الحِكَمِ العظيمة التي تدل على حكمة الله عز وجل، ويظهر صدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عنه من فتن وملاحم تصيب هذه الأمة، ولكن الله يريد من عباده أن يصبروا على هذا البلاء، ويعلموا أنه خير لهم لو كان يعلمون: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]، وليعلموا أن هذا البلاء سبب لرجوعهم إلى الله تعالى، وإنابتهم إليه، وأن يتوبوا إلى الله عز وجل، ويعملوا صالحًا، ويحذروا من الذنوب؛ فإنها سبب كل بلاء، وما من مصيبة وقعت إلا بذنب، ولا تُرفَع إلا بتوبة.
وقد خاطب الله تعالى المصطفَينَ من عباده من الصدر الأول، الذين هم خير الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم، بعدما أصابهم ما أصابهم في غزوة أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].
فيتعيَّن على كل مسلم أن ينظر في حاله، ويحاسب نفسه، ويتوب إلى الله عز وجل، ويُقبِل إليه بالإيمان والعمل الصالح، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.
ومن حكمة الله تعالى ما فسَّره في كتابه من وراء قتال الكافرين، وأنه سبحانه قادر على أن ينتقم منهم ويمحقهم: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 4]؛ أي: ليختبركم، فعلى أهل الإيمان الصبر والثبات، ومن حكمة الله تعالى في قتال إخواننا لإخوان القردة والخنازير وغيرهم من البَعْثِيِّين والنُّصيريين: إرهاص بإذن الله تعالى وتمهيد لمعقل المؤمنين وانتصارهم على اليهود وغيرهم في الشام.
عن سلمة بن نفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس، يرفع الله قلوبَ أقوام يقاتلونهم، ويرزقهم الله منهم، حتى يأتي أمر الله عز وجل، وهم على ذلك، ألَا إن عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» [1]، فعلى المؤمن ألَّا ييأس من نصر الله تعالى، وأنه آت قريب: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].
ومن حكمة الله تعالى أن أظْهَرَ كفر الكافرين من اليهود والنصارى، ومن تابعهم من البعثيين والنصريين وغيرهم.
أظهر كفرهم وأظهر حقدهم على الإسلام وأهله، وأنهم لا يريدون الخير للإسلام ولا للمسلمين، وأن كل ما قالوه زيف وباطل، فإنهم ينفقون أموالهم للقضاء على الإسلام وأهله، أو لإضعاف المسلمين وإذلالهم، مما يدل على أن هذا القتال الذي مارسوه إنما هو قتال نابع عن دين تُمليه عليهم عقائدهم، واليهود – قبَّحهم الله ولعنهم – مِن أعلم الناس بهذا الأمر: أن هلاكهم في آخر الزمان على يد المسلمين، كما وضح ذلك كتاب الله تعالى، فإنهم أفسدوا في الأرض، وأهلكوا وقتلوا ودمروا.
قال تعالى في أول سورة بني إسرائيل (الإسراء): {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4]، ثم قال الله تعالى عنهم بعدها: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8]، وإن عدتم إلى الإفساد في الأرض، عدنا إلى الإدالة عليكم؛ ثم قال تعالى في آخر السورة الكريمة، وكل كتاب الله عز وجل كريم: {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء: 104]، فاليهود لا تغيب عنهم سنة الله عز وجل فيهم، فعلى أهل الإيمان أن يصبروا ويثبُتوا، ويعلموا أن نصر الله متعلِّق بنصرهم لدين الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 53]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، ومن حكمة الله تعالى أن أظهر من بيننا منافقين يتكلمون بألسنتنا، وهم من جلدتنا، يخذِّلون، ويستهزئون، ويعيِّرون، أذناب هم لليهود والنصارى وغيرهم.
على المسلم ألَّا يسمع لكلامهم، وألَّا يلتفت إليهم، فإن في مثل هذه المصائب والفتن ينشطون ويظهرون بقوة، خذلهم الله؛ وفيهم قال الله تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة: 126].
فإن المؤمنين أمة واحدة، وهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسَّهَرِ والحُمَّى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10]، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
عن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسْلِمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربةً، فرَّج الله عنه كربةً من كُرُبات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة» [2].
عباد الله:
إخواننا في فلسطين… إخواننا في سوريا… إخواننا في مالي… إخواننا في لبنان… إخواننا في الأردن… إخواننا في بورما… إخوان لنا في أصقاع شتى، في كرب شديد وضيق وضنك.
نسأل الله تعالى أن يرفع ما بهم من بلاء، ونملك لهم أن ندعو الله عز وجل ولا نعجز أو نفتُر عن الدعاء، بل أعجز الناس من عجَزَ عن الدعاء، والله عز وجل يجيب دعاء من دعاه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]، وكم من دعاء كشف كربة، وأزال غُمَّة، وأتى بنعمة! إنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير.
ونملك لهم – عباد الله – أن نتصدق عليهم، ونعطيهم ما يحتاجونه: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ويرحمنا، وأن يهديَنا ويُيَسِّرَ الهدى لنا.
[1] أخرجه أحمد (4/ 104)؛ قال الألباني: إسناده حسن، رجاله ثقات.
[2] رواه البخاري (2310) ومسلم (2580).
___________________________________________________________
الكاتب: سعد محسن الشمري
Source link