منذ حوالي ساعة
ما هي حقوق الأخوة الإيمانية؟ ماذا يجب علينا تجاه إخواننا في كل زمان وفي كل مكان، بخاصة المضطهدون على أرض فلسطين؟
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يُسْلِمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربةً، فرَّج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن سَتَرَ مسلمًا، سَتَرَهُ الله يوم القيامة»؛ (رواه البخاري ومسلم)، وزاد مسلم في رواية أخرى: «لا يظلمه ولا يخذُله، ولا يحقِره، التقوى ها هنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقِرَ أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعِرْضُه»؛ (رواه مسلم).
عباد الله: في هذا الحديث العظيم يخبرنا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن المؤمنين تجمعهم أخوة الدين والإيمان، مهما اختلفوا في أنسابهم وأعراقهم، وألوانهم وأوطانهم، ودولهم وقاراتهم ولغاتهم، وهذا تأكيد؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، ولا فرق بينهم إلا بالتقوى، ومدى قربهم وطاعتهم لربهم؛ لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم مجموعةً من حقوق الأخوة الإيمانية التي نعرض لها باختصار في النقط الآتية:
1- الإيمان والأخوة صنوان لا يفترقان؛ تأملوا في قوله تعالى: {الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم»، في الآية جَمَعَ بين الإيمان والأخوة، وفي الحديث بيَّن الإسلام والأخوة، فدلَّ ذلك على أنهما شيء واحد، مثله مثل الجسد الواحد، فإذا وجدت أخوة وصداقة بلا إيمان، فهي صداقة مصالح لا أقل ولا أكثر، تنتهي حتمًا بانتهاء المصلحة، وإذا وُجِدَ إيمانٌ بلا أخوة، فهو إيمان ناقص، كما هو حال الكثير من المسلمين اليوم للأسف الشديد، يرى إخوانه يُذبَحون ويُقصَفون، وتُنتهَك أعراض نسائهم، ومع ذلك يمضي كأن هذه المشاهد لا تعنيه في شيء، في ضياع لمعاني الأخوة عجيب!
2- شتَّان بين أُخُوَّتِنا وأُخُوَّتِهم؛ أخوة المسلمين قائمة على العقيدة، لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الأوس والخزرج، فلم يعُدْ بينهم ما كان من حروب في الجاهلية بسبب الإسلام؛ فقال تعالى في شأنهم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]، وقال: {وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 26، 27]، وآخى بين المهاجرين والأنصار أخوين أخوين.
أما أُخُوَّة الذين كفروا، فتجمعهم الحمِيَّة والعصبية للباطل، فهم حينما يتعلق الأمر بالمسلمين يدٌ واحدة عليهم، يساند بعضهم بعضًا، ويمده بالسلاح والمال، ويسوق لباطله في الإعلام، كما تشاهدون اليوم في الأمم الْمُتَكَتِّلة مع اليهود؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]، وإن كانوا في الحقيقة قلوبهم متنافرة فيما بينهم؛ لغياب العقيدة الصافية التي تؤلِّف بين القلوب؛ قال تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14].
فلنحرص – إخواني – على الولاء لكل مسلم ومؤمن أينما كان، وكيف ما كان ما دام مسلمًا، والبراء من كل كافر أينما كان، وكيف ما كان ما دام كافرًا، ولا تعامل معه إلا في إطار ما تمليه مصلحة المسلمين، وحسن الجوار، ما دام مسالمًا.
فالسؤال الأساس:
3- ما هي حقوق الأخوة الإيمانية؟ ماذا يجب علينا تجاه إخواننا في كل زمان وفي كل مكان، بخاصة المضطهدون على أرض فلسطين؟
أولًا: لا يظلمه ولا يسلمه، ولا يخذله ولا يحقره، وكلها عبارات مأخوذة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق، فلا تظلمه أو تعتدي على حقه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعِرْضه»؛ (رواه مسلم)، ولا تسلمه للعدو، أو تخذله في موقف يحتاج فيه إلى النصرة؛ قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 72، 73]، ولا تحقره أو تسخر منه، كما يسخر الكثير من الناس من أسلحة المقاومة، فنقول: هذا ما يستطيعون، وقد فعلوا ما بوسعهم؛ لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].
ثانيًا: أن تسعى في حاجته؛ بتفريج الكرب، وقضاء الحاجات، ولنأخذ مثالًا على الحصار المضروب على إخواننا في غزة، وهذه الحرب الآن، أليست كربةً يحتاجون إلى إخوانهم لتنفيس الكرب عنهم؟ أليسوا في حاجة إلى من يعينهم بكل أنواع العون من طعام ودواء وكساء؟ تأملوا؛ قوم في الجاهلية أخذتهم الحمية والعصبية على الحصار المضروب على بني هاشم فرفضوه، وقال زهير بن أبي أمية: يا أهل مكة، أنأكل الطعام ونلبس الثياب، وبنو هاشم هَلْكَى لا يُباع ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تُشَقَّ هذه الصحيفة القاطعة الظالمة، هذه جاهلية الأمس وفيها الرحمة، أما الدول التي تتغنى اليوم بالحضارة، فتؤيد التجويع والحصار، ومؤسف أن تجد في أوساط المسلمين من يصفق للباطل، بينما تجد من اليهود من يخالف سياسة دولتهم.
فاللهم كُنْ لإخواننا في فلسطين وليًّا ونصيرًا، وسندًا وظهيرًا، ومعينًا ومجيرًا.
اللهم تقبل شهداءهم، واشفِ مرضاهم وجرحاهم.
اللهم عليك بالصهاينة المعتدين ومن شايعهم، فإنهم لا يعجزونك.
اللهم أرِنا فيهم عجائب قدرتك فإنه لا يعجزك شيء.
اللهم لا ترفع لهم رايةً، ولا تحقق لهم غايةً، واجعلهم عبرةً وآيةً.
اللهم ارزقنا الثبات على الحق، واجعلنا من عبادك المخلصين، آمين.
_____________________________________________________
الكاتب: عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
Source link