منذ حوالي ساعة
ا أصبح العالم بأسره مفتون به. ولم يسلم الوطن العربي منه … فكثير من الشباب يتبعون أي شيء في الإنترنت بغض النظر عن صلاحيتها أو حرمتها. وما أن يدخل المرء ليستكشف التيك توك حتى ينصدم بسوء المحتوى وتدني المستوى الأخلاقي فيه
إنتشر برنامج التيك توك (TikTok) في الآونة الأخيرة في العالم كله، وأصبح شغل الشباب الشاغل. وهو برنامج موبايل إنطلق من الصين منذ حوالي ثمان أعوام[1]، وذاع صيته بسرعة كبيرة. ومشكلته أنه يحبس الناس لساعات طويلة. وذلك لأنه يحتضن فيديوهات قصيرة لا تتجاوز العشر دقائق، ويتيح لأي شخص إمكانية رفع مشاركته بسهولة من الجوال. فينتج عن ذلك منوعات من الأفلام القصيرة من كل أنحاء العالم تجذب إليها المشاهد … الذي ينتقل من مقطع إلى الآخر، حتى تضيع الدقائق والساعات من بين يديه دون أن يشعر. ولذا أصبح العالم بأسره مفتون به. ولم يسلم الوطن العربي منه … فكثير من الشباب يتبعون أي شيء في الإنترنت بغض النظر عن صلاحيتها أو حرمتها. وما أن يدخل المرء ليستكشف التيك توك حتى ينصدم بسوء المحتوى وتدني المستوى الأخلاقي فيه. ويجده جمَعَ كل منكرات الأرض في مقاطعه وكأنه مزبلة الإنترنت. ومن المؤسف أن نرى شباب وبنات المسلمين يشاركون بمقاطع مبتزلة وهابطة. فالشباب يشاركون بمحتوى ليس له أي قيمة ويحاكون الغرب وحثالة مجتمعاتهم في كل شيء. وأما البنات فحدث ولا حرج … فقد أنحللن فيه وخلعن الحجاب وتراقصن وتحدثن مع الشباب في الشات والغرف الصويتة دون مبالاة ولا حياء. وكأن العنان قد أطلق للجميع شباب وبنات وأصبح ليس هناك حد ولا رقيب ولا سؤال. وكأن القيامة قامت ودخلنا الجنة جميعا فلم يعد هناك حلال أو حرام. فها هم يرتكبون المعاصي ويصرون عليها ولا يعبئون بشيء ولا يخافون عذاب الله الذي لا يؤمن. قال تعالى: {(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)} [2]. ثم ها هم يضيعون الساعات والأيام وتضيع فيه أهم سنين حياتهم. فلا صلاة ولا قرآن ولا طلب علم ولا حتى دراسة علوم الدنيا. ومن الغرائب التي رأينا فيه … ظهور بنات محجبات ولكن يرقصن، وشباب رجال يضعون المكياج، وشيِب يرقصون بأهبط الأغاني، وأمهات يصورن بناتهن لجلب المال، وما إلى آخره من العجائب. فأين ذهب الورع والوازع الديني … وأين ذهبت الأخلاق؟ أنسوا أن الله قادر على أن يمحقنا جميعاً بلمح البصر وأن سخطه لا يطاق ولا يأمن. أم نسوا تعاليم الإسلام … فهم لا يدرون أو لا يعبئون بها ولا يحسبون أن الله يراهم. قال الله تعالى: {(وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)} [3]. ويا للعجب … كيف أن الأمور أصبحت تتطور بشكر سريع ومفزع في عالم الإنترنت، وكيف غيرت مواقع التواصل الناس وأضلتهم. وأصبح شباب المسلمين يقلدون الغرب والكفار في كل شيء حتى غدا من الصعب تمييز المسلم من غيره. وقد تنبأ نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: «(لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟)» [4].
ولا ننكر أن هناك محتوى مفيد في بعض هذه المقاطع، وتلاوات جميلة، ودروس علم … فجزى الله القائمين عليها خيرا وكثر من أمثالهم. قال تعالى: {(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)} [5]. ولكن نلاحظ أن أكثر المقاطع سيئة ولا تفيد بشيء. ولذا يحبذ زيادة القنوات الإسلامية فيه وتوسيع نشاطها … ويفضل رعايتها بإشراف علمي من العلماء وطلبة العلم والمشايخ.
والتيك توك يقلل مدى إنتباهنا. وإطلق على هذه الظاهرة اسم (TikTok Brain)[6]. “وذلك نتيجة إن اندفاع هرمون الدوبامين في مقاطع الفيديو القصيرة التي لا نهاية لها يجعل من الصعب على المشاهدين الصغار تحويل تركيزهم إلى الأنشطة الابطأ. وكأننا جعلنا الأطفال يعيشون في متجر للحلوى”[7]. وذلك يؤثر سلبا على مسيرة تعليمهم ومدى استيعابهم. وهذا يخالف المقصد الكلي للقرآن وهو صلاح الأحوال الفردية والجماعية. وفي هذا ضرر كبير، لاسيما على الصغار. وقال صلى الله عليه وسلم: « (لا ضررَ ولا ضِرارَ)» [1]. ولذا فأولى تركه وعدم تعويدهم عليه.
ومن مشاكل التيك توك أيضاً، أنه يخلط المقاطع السيئة والجيدة للمشاهد. ويبدو أن الشركة تفعل ذلك عن عمد. فبينما يدخل المستخدم ليشاهد عن موضوع معين تجد نوع المحتوى تغير فجأة في المقطع الذي يليه إلى شيء لا علاقة له وغالباً منكر. ولذا الأفضل البعد عن مشاهدته لأنه يجر إلى المعاصي ويضيع الأوقات الثمينة، والتي يحتاجها كل منا للتحضير ليوم يكون فيه المرء أحوج ما يكون لأي حسنة تساعده. وكيف يكون لمستخدمه بال للآخرة ولم يتبق له وقت للعلم وصلاة الليل وذكر الله. ولم يستغفر ويتذكر ذنوبه ليتوب منها. ولا يأمن بعض متابعي التيك توك وصانعي المحتوى فيه من سوء الخاتمة والعياذ بالله. فبينا هذا مشغول في تصوير الحرام وتلك مشغولة بسفورها وذاك يدعوا لبدعته … جاء ملك الموت وقبض أرواحهم في سوء خاتمة وغفلة وضياع. فهلا تركوا هذا البرنامج اللعين وتابوا إلى الله قبل فوات الأوان. فوقت المسلم أثمن من أن يضيع في هذا البرنامج. والحمد لله أنه ترك لنا باب التوبة مفتوح بفضله ولا يأس من عفوه ورحمته. قال تعالى: { (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)} [8]. فلنتخير مصادر الرزق الحلال بعيدا عن المعاصي والشبهات. ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأله أن يوقظ شبابنا وبناتنا لأمر الآخرة ويحفظهم من فتنة التيك توك وغيرها ويرجعهم للتوبة والصلاح وطلب العلم وريادة المساجد. ونسأله أن يثبتنا جميعا على دينه والسعي لمرضاته، ونستغفره سبحانه من جميع الذنوب ونتوب إليه ونصلى ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] أخرجه ابن ماجه (٢٣٤١)، وأحمد (٢٨٦٥) مطولاً.
Source link