منذ حوالي ساعة
كم من فتاة أو شاب دفع الغالي والنفيس، وكم ضيَّع من أخلاقه وقيمه ومبادئه وكرامته من أجل هوس الشهرة، أصبحت أفكاره تافهة، وأقواله بذيئة، وأفعاله شائنة…
الأولاد هم زينة الحياة الدنيا، وهم نعمة تستحق الشكر عليها، وهم مسؤولية يجب العناية بها؛ قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه، أحفظَ أم ضيَّعَ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»؛ (أخرجه الترمذي)، وهنا على الأسرة أن تحرص على تربية أولادها تربيةً صحيحةً سليمةً، ليكونوا أعضاءً صالحين نافعين لأنفسهم ولأوطانهم.
وفي عصرنا الحاضر صار الإعلام بكل قنواته المرئية والمسموعة والإلكترونية المؤثر الأقوى في شخصيات أولادنا، حتى أصبح الأولاد -البنين والبنات- يسعون إلى الظهور الإعلامي وإلى الشهرة المزيفة، بل صارت الشهرة في نفوسهم لها بريق ساحر جذَّاب ومحطة أحلامهم والرغبة الأولى نحو النجومية، فهنا أضواء تلاحقهم، وأناس تمدحهم، وهناك أصوات تهتف بأسمائهم، وتطير فرحًا بالتصوير مع غيرهم.
إن الشهرة عندما تكون لأصحاب الأفكار الضعيفة والقلوب المريضة والعقول التافهة، وعندما تكون من أشخاص صنعوا من حياتهم أفلامًا لغيرهم، واستغنوا عن حياتهم من أجل الشهرة والمال، هم يتسلَّلُون إلى قلوب وعقول معجبيهم بأتفه الطرق، من أجل زيادة عدد المتابعين على صفحاتهم، فإن ذلك نذير سوء على أخلاق وقيم شبابنا وفتياتنا.
كم من فتاة أو شاب دفع الغالي والنفيس، وكم ضيَّع من أخلاقه وقيمه ومبادئه وكرامته من أجل هوس الشهرة، أصبحت أفكاره تافهة، وأقواله بذيئة، وأفعاله شائنة، لا يفكر في مستقبله ولا في أسرته ولا في دينه ولا في وطنه، أين أثرهم الإيجابي في المجتمع؟! وأين بصماتهم وأهدافهم النبيلة التي تخدم الدين والأسرة والوطن؟!
أيها الآباء وأيتها الأمهات، نحن مسؤولون أمام الله وأمام المجتمع والوطن عن أنفسنا وعن أولادنا في تربيتهم وثقافتهم وأصدقائهم وأفكارهم وإبداعاتهم، أولادنا لهم أحلامهم ومواهبهم، من حقِّهم علينا أن نرتقي بهم ونساعدهم على التعرُّف والاقتداء بأصحاب العقول النيرة السليمة والراقية التي تخاف الله فيهم، وتدعو إلى القيم والأخلاق وبناء المجتمع والوطن.
ورسالتي للآباء والأمهات ولكل من يحلم أن يكون مشهورًا من الشباب والفتيات:
• أن الشهرة وكثرة الأتباع ليست دائمًا خيرًا للإنسان، بل قد تكون وبالًا وحسرةً وندامةً في الدنيا وفي الآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلَّة»؛ (رواه أحمد وأبو داود وحسَّنه الألباني).
• أن طلب الشهرة ينافي الإخلاص، حتى لو كان ذلك في أمور الدنيا، فالواجب على الإنسان إخلاص نيته، وإحسان مقصده، لكي يؤجر عند الله سبحانه وتعالى، فإحسان العمل يكون بالإخلاص ومتابعة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
• قد تدفع الشهرة صاحبها إلى الكِبْر والعجب بالنفس، وإلى احتقار الآخرين والاستعلاء عليهم، وعن ترك الواجبات وإلى فعل المُحرَّمات، روى مسلم في صحيحه، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرَّة من كِبْر».
• أن كثرة الأتباع تجعل المسؤولية مضاعفةً على المشهور، فكل ما ينشره من أقوال وأفعال أو صور أو مقاطع أو غير ذلك، هو مسؤول عنه أمام الله والدولة والقانون، وهو يتحمَّل أوزار كل من تأثَّر به، قلُّوا أو كثروا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من يتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من يتبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا»؛ (رواه أبو داود والترمذي).
• من سنن الله تمايُز الناس، وعلوُّ بعضهم على بعض في أمور الأرزاق، وتفضيل فئة على غيرها، قال تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32]، وهو أمر مُقدَّر ومكتوب، فالواجب علينا هو التسليم والرضا والقناعة وعدم التسخُّط، بل وعدم النظر للغير باحتقار أو حسد؛ قال سبحانه: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].
• الشهرة تبعد الشباب والفتيات عن التفكير في الدين والدراسة وعلو الهمة والتخطيط للمستقبل وبناء الوطن، وتجعله يلهث وراء الجاه والمال واستعراض نفسه ومتابعة المفلسين.
أسأل الله العظيم أن يستعملنا في طاعته، وأن يصلح أولادنا وأعمالنا، ويجعلها خالصةً لوجهه الكريم، وصلى الله على سيدنا محمد.
_________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش
Source link