فإياك إياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى، مع مقاربة الفتنة، فإن الهوى مكايد! وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه، واذكر حمزة مع وحشيٍّ.
«من قارب الفتنة، بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر، وُكِلَ إلى نفسه.
ورب نظرة لم تناظر، وأحق الأشياء بالضبط والقهر: اللسان والعين.
فإياك إياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى، مع مقاربة الفتنة، فإن الهوى مكايد! وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه، واذكر حمزة مع وحشيٍّ.
فَتَبَصَّر ولا تَشِم كُلَّ بَرقٍ … رُبَّ بَرقٍ فِيهِ صَوَاعِقُ حَيْنِ
وَاغضُضِ الطَّرفَ تَسْتَرِح مِنْ غَرَامٍ … تَكتَسِي فِيهِ ثَوبَ ذُلٍّ وَشَينِ
فَبَلاءُ الفَتَى مُوَافَقَةُ النَّفْـ … ـسِ، وَبَدْءُ الهَوَى طُموحُ العَينِ».
وإنَّ «من نازعته نفسه إلى لذة محرمة، فشغله نظره إليها عن تأمل عواقبها وعقابها، وسمع هتاف العقل يناديه: ويحك! لا تفعل! فإنك تقف عن الصعود، وتأخذ في الهبوط، ويقال لك: ابق بما اخترت! فإن شغله هواه، فلم يلتفت إلى ما قيل له، لم يزل في نزول.
وكان مثله في سوء اختياره كالمثل المضروب: أن الكلب قال للأسد: يا سيد السباع! غير اسمي؛ فإنه قبيح، فقال له: أنت خائن، لا يصلح لك غير هذا الاسم، قال: فجربني، فأعطاه شقة لحم، وقال: احفظ لي هذه إلى غد، وأنا أغير اسمك. فجاع، وجعل ينظر إلى اللحم، ويصبر، فلما غلبته نفسه، قال: وأي شيء باسمي؟! وما كلب إلا اسم حسن. فأكل! وهكذا الخسيس الهمة، القنوع بأقل المنازل، المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل.
فاللهَ اللهَ في حريق الهوى إذا ثار! وانظر كيف تطفئه؟ فرب زَلَّةٍ أوقعت في بئر بوار، ورب أثر لم ينقلع، والفائت لا يستدرك على الحقيقة، فابعد عن أسباب الفتنة.
فإن المقاربة محنة لا يكاد صاحبها يسلم، والسلام».
_____________________
المصدر: صيد الخاطر: (26 – 27)، (201 – 202).
Source link