منذ حوالي ساعة
الإنسان محاسَب على كل كلمة يقولها، وسوف تسجل عليه كل أعماله، صغيرها وكبيرها، ويوم القيامة سيكون اللسان من أول الشهود عليه، وسيعترف بكل ما تلفَّظ به، فما أجمل أن يستعمل الإنسان هذا اللسان في كل كلمة ترضي الله!
في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ، عندما قال معاذ: ((يا نبي الله، وإنَّا لَمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثكِلتْكَ أمُّك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم – أو على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم»؟؛ (صحيح الترمذي)، تحذير شديد من خطورة اللسان وما ينبغي على المرء من حفظه.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: «أمْسِكْ عليك لسانك، ولْيَسَعْكَ بيتُك، وابْكِ على خطيئتك»؛ (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن).
أيها المسلمون، اللسان أمره عظيم، عضو صغير لكنه قد يرفع قدر الإنسان في الدنيا والآخرة، وقد يضعه في الدنيا، ويُهلكه في الآخرة، فبكلمة طيبة يلفِظها لسانه ينال بها صاحبه رضا الله ومحبة الناس، وبكلمة قبيحة يلفظها ينال بها سخط الله والناس؛ عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن العبد لَيتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزِل بها إلى النار أبعدَ مما بين المشرق والمغرب»؛ (متفق عليه).
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم»؛ (رواه البخاري).
احفظ لسانك أيها الإنســـــــان *** لا يلدغنَّك إنه ثعبــــــــــــانُ
كم في المقابر من قتيل لسانه *** كانت تخاف لقاءه الشجعانُ
ومن أعجب الأمور في اللسان أنه يُخرِج الإنسان من الكفر، ويُدخِله الإسلام، بلفظِهِ بكلمة التوحيد، وبلفظ اللسان بذكر الله ينال العبد أعلى الدرجات عند الله؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه»؛ (صحيح البخاري).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حُرِّمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله»؛ (صحيح البخاري).
وباللسان كذلك قد يخرج من الإسلام ويكون مرتدًّا، نسأل الله العافية؛ قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66]، وهذه الآية نزلت في أناس قالوا كلامًا قبيحًا: ما رأينا مثل قرَّائنا هؤلاء أرغبَ بطونًا، ولا أكذب ألْسُنًا، ولا أجبن عند اللقاء؛ يعنون الرسول وأصحابه عليه الصلاة والسلام، وهذه رِدَّة، واستهزاء؛ فلهذا حكم الله عليهم بقوله: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66].
وقد يرتكب الإنسان باللسان الكبائرَ، فالاستهزاء بالدين والقرآن، وسب الله ورسوله، والغِيبة والنميمة، والسخرية وغيرها، إنما تكون باللسان.
وباللسان يدخل العبدُ الجنةَ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطِبِ الكلام، وأفْشِ السلام، وصِلِ الأرحام، وصلِّ بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام».
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زَبَدِ البحر».
لقد حثَّ نبينا محمد صلى الله عليه سلم على حفظ اللسان عن اللغوِّ والزلَّات، وكثرة الكلام، وبيَّن أن حفظ اللسان من أجمل الأخلاق؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده، ما تجمَّل الخلائق بمثلهما».
وكَفُّ اللسان عن أذية الناس علامةٌ للمسلم الحقيقي الذي تمثَّل بأخلاق المسلمين العظيمة؛ فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال: «من سلِم المسلمون من لسانه ويده».
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده»؛ (متفق عليه).
بل حفظ اللسان عن أذية الآخرين من أفضل الأعمال بعد الصلاة؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة على ميقاتها» ، قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: «أن يسلم المسلمون من لسانك».
فاللهَ اللهَ في لسانك، لا تقُل به إلا خيرًا، خيرٌ لك، وإلا فالصمت سلامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو ليصمت…»؛ (رواه مسلم).
فيقول الله عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، ويقول سبحانه: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24].
فالإنسان محاسَب على كل كلمة يقولها، وسوف تسجل عليه كل أعماله، صغيرها وكبيرها، ويوم القيامة سيكون اللسان من أول الشهود عليه، وسيعترف بكل ما تلفَّظ به، فما أجمل أن يستعمل الإنسان هذا اللسان في كل كلمة ترضي الله! {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، «الكلمة الطيبة صدقة»، «أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحابَبْتُم: أفشوا السلام بينكم».
بهذا اللسان تتقرب بصدقات كثيرة وعظيمة الأجر عند الله، وبها تكوِّن علاقات وتنشر الحب بينك وبين الآخرين، وبهذا اللسان تُكتب عند الله من الصادقين.
وجدت سكوتي متجرًا فلزمتـــه ** إذا لم أجد ربحًا فلست بخاسرِ
ما الصمت إلا في الرجال متاجر ** وتاجره يعلو على كل تاجــــــرِ
فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على رسول الله؛ فقد أمركم ربكم جل من قائل عليم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
___________________________________________________________
الكاتب: يحيى بن إبراهيم الشيخي
Source link