إن من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، الوصية بالمحافظة على ذكر الله، والذكر هو الثَّناء على الله وتنزيهه وتمجيده وتقديسه، وحمده وتسبيحه وشكره على ما أنعم علينا
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41، 42]، أما بعدُ:
إن من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، الوصية بالمحافظة على ذكر الله، والذكر هو الثَّناء على الله وتنزيهه وتمجيده وتقديسه، وحمده وتسبيحه وشكره على ما أنعم علينا، فما خلق الله من خلق على هذه الأرض إلَّا ليذكره ويعبده ويحمده ويثني عليه، حيث قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، والذكر من العبادات اليسيرة على المسلم؛ لكن بالمقابل فيه خير وأجر عظيم عند الله، عن أبي الدَّرْداء رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعمَالِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ» ؟))، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى»؛ (صحَّحه الألباني).
يا عباد الله، وللذكر أنواعٌ، أفضلها وأعلاها مرتبةً هو القرآن الكريم، فتلاوته وتدبُّره وترديده من أفضل ما يذكر به العبد ربَّه، ومن الأنواع: ذكر أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته، والثَّناء عليه بها، وتنزيهه وتقديسه عمَّا لا يليق به كقولك: “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”، ومن الأنواع: ذكر الدُّعاء والاستغفار، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ».
أيها المسلمون، ومن الأذكار التي أوصانا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أذكار ما بعد الصلاة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بصيغ متنوعة؛ مثل: ما جاء عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: «يا معاذُ، واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ، أُوصيكَ يا معاذُ: لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تقول: اللهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادتِكَ»؛ (رواه أبو داود).
وعن ثوبانَ رضي اللَّه عنْهُ قال: كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إذا انْصَرَف مِنْ صلاتِهِ اسْتَغفَر ثَلاثًا، وقال: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ، ومِنكَ السَّلامُ، تباركْتَ يَا ذا الجلالِ والإكرام»، قِيل للأَوْزاعي-وهُوَ أَحَد رُواةِ الحديث-: كيفَ الاستِغفَارُ؟ قال: تقول: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ (رواهُ مسلم).
يا عباد الله، وللذكر فضائل لا تُعَدُّ ولا تُحْصى، منها: مَن يذكر الله يذكره الله كما قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، ومن الفضائل: أن الذكر يوجب الأمان من نسيان الله تعالى للذَّاكر، والذي هو سبب شقاء العبد في المعاش والمعاد، قال الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19]، ومنها أن الذكر: يُذهب عن القلب المخاوف، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، ومنها أن الذكر: يجلِب الرِّزق، حيث قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10- 12].
قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ»؛ (رواه البخاري).
أما بعد:
ذكر الله وصية عظيمة من رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم، حَرِيٌّ بنا الحرص والمداومة عليها حتى ننال الأجر العظيم، وحتى يذكرنا الرحمنُ في نفسه، ومع ملأ خيرٍ من ملأ ذكَرْنا الله معه، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأ خَيْرٍ مِنْهُمْ».
وفي صحيح البخاري عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيد الاستغفار أن تقول: اللهمَّ أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شر ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» قال: «ومَن قالها مِن النهار موقنًا بها، فمات من يومه قبل أن يُمسي، فهو من أهل الجنة، ومَن قالها مِن الليل وهو مُوقن بها، فمات قبل أن يُصبِح، فهو من أهل الجنة».
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
___________________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش
Source link