تفسير زيادة العمر – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

وقد يُشكل الأمرُ على بعض الناس، فيقول: إذا كانت الأرزاق مكتوبة، والآجال مضروبة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؛ فكيف نوفِّق بين ذلك وبين الأحاديث السابقة والتي تفيد أن العمر يُزاد فيه؟

وقد يُشكل الأمرُ على بعض الناس، فيقول: إذا كانت الأرزاق مكتوبة، والآجال مضروبة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؛ كما في قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، فكيف نوفِّق بين ذلك وبين الأحاديث السابقة والتي تفيد أن العمر يُزاد فيه؟

 

يجيب عن هذا الأشكال ابن التيِّن رحمه الله، فيقول: والجمع بينهما من وجهين:

أحدهما: أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته، بما ينفعه في الآخرة، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك، ومثل هذا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تقاصر أعمار أُمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم، فأعطاه الله ليلة القدر[1]، وحاصله أن صلة الرحم تكون سببًا للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل، كأنه لم يمت، ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده، والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح.

 

ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها، وتفسير ذلك أن يُعلم أن القدر قدران: أحدهما: مثبت، أو مبرم، وهو ما في أم الكتاب – أي في اللوح المحفوظ – فهذا لا يتبدل ولا يتغيَّر.

 

والثاني: القدر المعلق، أو المقيد، وهو ما في صحف الملائكة، فهذا هو الذي يقع فيه المحو والإثبات، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39].

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والأجل أجلان: أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد، وبهذا يتبيَّن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أحب أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

فإن الله أمر المَلَك الموكل بالعُمْر أن يكتب له أجلًا، وقال: إن وصل فلان رحمه زدته كذا وكذا، والملك لا يعلم أيزداد أم لا، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر.

 

وقال في موطن آخر عندما سُئل عن الرزق: هل يزيد أو ينقص؟ فأجاب رحمه الله فقال: الرزق نوعان: أحدهما: ما علمه الله أن يرزُقه، فهذا لا يتغير، والثاني: ما كتبه، وأعلم به الملائكة، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب، ثم إن: الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه، فإن كان قد تقدَّم بأن يرزق العبد بسعيه واكتسابه، ألهمه السعي والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدره له بغير اكتساب – كموت مورثه – يأتيه من غير اكتساب، فلا مخالفة في ذلك لسبق العلم، بل فيه تقييد المسببات بأسبابها، كما قدر الشِّبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، فهل يقول عاقل بأن ربط المسببات بأسبابها يقتضي خلاف العلم السابق، أو ينافيه بوجه من الوجوه؛ اهـ بتصرُّف.

 

وقال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: 16 / 172: وبسط الرزق: توسيعه وكثرته، وقيل: البركة فيه، وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور، وهو أن الآجال والأرزاق مقدَّرة لا تزيد ولا تنقص: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، وأجاب العلماء بأجوبة، الصحيح منها: أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك، والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة، وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة، إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله – سبحانه وتعالى – ما سيقع له من ذلك، وهو من معنى قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} ، فيه النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدره، ولا زيادة بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث، والثالث: أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده، فكأنه لم يَمت، حكاه القاضي، وهو ضعيف أو باطل، والله أعلم؛ اهـ.

 

وقد ورد في تفسير زيادة العمر وجْهٌ ثالث وهو: أن يُرزق العبد بالذرية الصالحة:

ودليل هذا الرأي ما أخرجه الطبراني في الصغير بسند ضعيف عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ذُكِرَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من وصل رحمه أُنسئ له في أجله، فقال: إنه ليس زيادة في عمره؛ قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]، ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعد.

 

وللطبراني في الكبير من حديث أبي مشجعة الجهني رضي الله عنه رفعه: إن الله لا يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها، وإنما زيادة العمر ذرية صالحة؛ الحديث.

 

وجزم ابن فورك بأن المراد بزيادة العمر نَفْيُ الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله؛ (انظر فتح الباري: 10/429 – 430).

 

والوجه الأول ألْيَقُ – وهي البركة في العمر – بلفظ حديث الباب، وكذا قال الطيبي رحمه الله.

 


[1] فمثلًا ليلة القدر هي خير من ألف شهر، فهي تزيد في عمر الإنسان ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر إلا قليل، فماذا لو أدرك الإنسان منا خمسين ليلة قدر، وأحسن قيامها، فكم زِيد في عمره، وكذلك لو صلى الإنسان منا في الحرم المكي يومًا كاملًا، فهذا يعدل مائة ألف يوم، وإذا أردنا أن نترجم هذه الأيام إلى سنين، فإن هذا يساوي مائتين وسبع وسبعين سنه (277سنة)، فهذا هو المقصود ببركه العمر، وهو تعميره بالأعمال الصالحة، وخصوصًا المضاعفة الأجر والثواب.

__________________________________________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *