من كتب التاريخ التي أرخت لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله, وما حصل من أحداث فيها وبعدها, كتاب المؤرخ عثمان بن عبدالله بن بشر, رحمه الله, المسمى ” عنوان المجد في تاريخ نجد “
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين….أما بعد: فمن كتب التاريخ التي أرخت لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله, وما حصل من أحداث فيها وبعدها, كتاب المؤرخ عثمان بن عبدالله بن بشر, رحمه الله, المسمى ” عنوان المجد في تاريخ نجد ” والذي يعرف بتاريخ ابن بشر, يقول الشيخ عبدالله البسام رحمه الله: هذا التاريخ أنفس وأجمع وأوثق وأعدل ما صنف من تواريخ نجد.
ويقول الدكتور محمد بن ناصر الشثري: ” من أحسن الكتب التي أرخت هذه المدة الزمانية وهذه الأحداث الهامة. والأستاذ حمد الجاسر قد أخذ على المترجم أنه نقل في تاريخه كثيرًا مما ذكره ابن غنام والفاخري في تاريخهما, ومع هذا لم يشر إلى ذلك, إلا أن الأستاذ حمد الجاسر قال عن مؤلفه عنوان المجد: إن عنوان المجد هو خير كتاب أُلف في موضوعه على ما فيه.”
هذا وقد يسّر الله الكريم لي فقرأتُ الكتاب, واخترتُ منه مقتطفات قليلة, أسأل الله أن ينفع بها الجميع, ومن رام معرفة ما مرً ببلاد نجد من حوادث ووقائع في تلك السنين, فعليه بقراءة الكتاب كاملًا.
الكذب في هذا الزمان غلب على الناس, فلا تتجاسر أن نكتب كل ما نقلوه في القرطاس, لأنّا وجدناهم إذا سمعوا قولًا ونقلوه من موضع إلى موضع زادوه ونقصوه, لا سيما واختلاف الكذب عليهم أغلب, وذهبوا إليه كل مذهب, فنسأل الله العظيم أن يعصمنا من الزّلل في القول والعمل.
- أراجيف المنجمين:
قال مرعي بن يوسف في “تاريخه”: وفي أول سنة سبع وعشرين وألف ظهر في الشرق عمود أبيض, مستطيل كطول المنارة, فأرجف المنجمون بأراجيف, وزعموا وقوع أمور مهول, وكذبوا والله….ولم ير المسلمون إلا خيرًا.
- أتلف شرحه لكتاب “الإقناع” لأن غيره شرحه:
في سنة تسع وسبعين ألف (1079هـ) توفي الشيخ العالم الفقيه القاضي سليمان بن علي بن محمد…بن مشرف [جدُّ الشيخ محمد بن عبدالوهاب ]…ذُكِرَ لي أنه شرح ” الإقناع “, وسار به معه إلى الحج, فوافق الشيخ منصور البهّوتي في مكة, فذكر له أنه شرحه, فأتلف سليمان شرحه الذي معه.
- سيل عظيم بمكة أغرق الناس وعلا على مقام إبراهيم:
وفي سنة إحدى وتسعين وألف ( 1091هـ) وقع بمكة سيل عظيم, أغرق الناس, قال العصامي في ” تاريخه ” : وأخرب الدّور, وأتلف من الأموال ما لا يحصى, وأغرق نحو مئة نفس, وهدم نحو ألف بيت, وعلا على مقام إبراهيم ,وعلى قُفل باب الكعبة.
- سنون مباركة على أهل نجد وغيرهم من الأوطان:
ودخلت السنة السابعة والخمسون بعد المئة والألف (1157هـ) وهي التي قدم فيها محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بلد الدرعية, وهي مبتدأ أول السنون التي لأجلها وضع الكتاب لأنها ولاية إسلامية جدد فيها العمل بــ “لا إله إلا الله ” وجاهدوا عليها من زاع عنها في سبيل الله, وأقيمت الصلوات, وأديت الزكوات, وقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل شريف وحقير, وكبير وصغير, وظهرت شعائر الإسلام, وبطلت الاعتقادات والمتعبدات المضاهية لعبدة الأصنام, وأمنت السبل, وصار المسلمون إخوان, فكانت سنون مباركة على أهل نجد, بل وعلى غيرهم من الأوطان.
الشيخ محمد بن عبدالوهاب…سار إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام, فلما وصلها وجد فيها الشيخ العالم عبدالله بن إبراهيم بن سيف من آل سيف, رؤساء بلد ” المجمعة”…قال الشيخ: كنت عنده يومًا, فقال لي: أتُريدُ أن أُريك سلاحًا أعددته للمجمعة؟ قلتُ: نعم, فأدخلني منزلًا عنده فيه كتب كثيرة, فقال: هذا الذي أعددنا لها.
الشيخ محمد بن عبدالوهاب…خرج من الإحساء وقصد بلد حريملاء….وانتقل الشيخ بعدها إلى بلد العيينة…ثم سار الشيخ…حتى وصل الدرعية, وذُكر لي أنه في طريقه لا يفتر لسانه من قوله: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, {﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزُقه من حيثُ لا يحتسب * ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾} [الطلاق:2-3]
- كلمة التوحيد من تمسك بها, وعمل بها, ونصرها ملك البلاد والعباد:
لما وصل الشيخ إلى الدرعية نزل عند…ابن سويلم فلما دخل على ابن سويلم ضاقت عليه داره خوفًا على نفسه من محمد بن سعود فوعظه الشيخ وسكّن جأشه وقال: سيجعل الله لنا ولكم فرجًا ومخرجًا…محمد بن سعود…قذف الله سبحانه في قلبه …محبة الشيخ ومحبة ما دعا إليه…وقال له أبشر ببلاد خير من بلادك وبالعز والمنعة. فقال له الشيخ وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين وهذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم فمن تمسك بها وعمل بها, ونصرها, ملك بها العباد والبلاد.
- من فضائل الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ومحاسنه:
كان الشيخ رحمه الله تعالى. كثير الذكر لله, ما يفتر لسانه من قول: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, وكان إذا جلس الناس ينتظرونه يعلمون إقباله إليهم قبل أن يروه من كثرة لهجه بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير, وكان عطاؤه عطاء من وثق بالله لا يخشى الفقر, بحيث أنه يهب الزكاة والغنيمة في مكان واحد, ولا يقوم ومعه منها شيء, ويتحمل الدّين الكثير لأضيافه وسائليه والوافدين عليه. وعليه الهيبة العظيمة التي ما سمعنا بها اتفقت لغيره من العلماء والرؤساء وغيرهم. وهذا شيء وضعه الله في القلوب…ما علمنا أحدًا ألين ولا أخفض منه جنابًا لطالب علم, أو سائل, أو ذي حاجة, أو مقتبس فائدة, وكان له مجالس عديدة في التدريس, كل يوم, وكل وقت, في التوحيد, والتفسير, والفقه, وغيرها, وانتفع الناس بعلمه.
وبالجملة فمحاسنه وفضائله أكثر من أن تحصر, وأشهر من أن تذكر…وكفى بفضله شرفًا ما حصل من إزالة البدع, واجتماع المسلمين وإقامة الجماعات والجمع, وتجديد الدين بعد دُرُسه, وقلع أصل الشرك بعد غروسه.
- وباء وتضرع ودعاء:
ثم دخلت السنة الثالثة والعشرون بعد المئتين والألف ( 1223هـ)…وفي هذه السنة والغلاء والقحط في نجد على حاله في الشدة,…ووقع مع ذلك مرض ووباء, مات فيها خلق كثير في نواحي نجد…ثم دخلت السنة الرابعة والعشرون بعد المئتين والألف ( 1224هـ) وفيها اشتدّ الوباء والمرض, وخصوصًا في بلد الدرعية,…ومات في الدرعية خلق كثير…وكتب سعود[الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود, رحمه الله] نصيحة غليظة لأهل الدرعية, وأرسلها إلى جميع النواحي, وحضّهم على التخلي عن الذنوب, والتوبة النصوح, وذكر فيها كثيرًا من المحظورات, وأورد الأدلة بالترهيب منها, ودعا الله في آخرها دعاء عظيمًا, أكثر فيه من الثناء على الله, والتوسل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى برفع الضر والوباء عن الناس.
ذُكِرَ لنا أنه لما قرئت هذه النصيحة على الناس في مساجد الدرعية, ارتفع الوباء بعدها عن أهل الدرعية.
- الوباء العظيم الذي عمّ في الدنيا, وأفنى الخلائق في جميع الآفاق:
ثم دخلت السنة السادسة والثلاثون بعد المئتين والألف (1236هـ)…وفي هذه السنة حدث وباء عظيم عمّ في الدنيا, وأفنى الخلائق في جميع الآفاق, وهو الوجع الذي يحدث في البطن فيُسهله, وتقيء الكبد, ويموت الإنسان من يومه ذلك, أو بعد يومين أو ثلاثة, ولم أعلم أنه حدث قبل هذه في الدنيا, وكان أول حدوثه في ناحية الهند, فسار منه في هذه السنة إلى البحرين, والقطيف, وفنى بسببه خلائق عظيمة, ثم وقع في الإحساء والبصرة والعراق والعجم وغير ذلك.
- الطاعون العظيم:
ثم دخلت السنة السابعة والأربعون بعد المئتين والألف (1247هـ)…وفي هذه السنة وقع الطاعون العظيم, الذي عمّ العراق, ثم مشى على السواد والمجرة, ثم إلى سوق الشيوخ والبصرة, وبلد الزبير والكويت وما حولهم, وليس هذا مثل الوباء الذي قبله…بل هو الطاعون المعتاد, نعوذ بالله من غضبه وعقابه, وحلّ بهم الضرب والفناء العظيم, الذي انقطع منه قبائل وحمائل, وخلت من أهلها منازل, وإذا دخل في بيت لم يخرج منه حتى لم يبق فيه عين تطرف, وجثا الناس في بيوتهم, لا يجدون من يدفنهم, وأموالهم عندهم ليس لها والٍ وأنتنت البلدان من جيف الإنسان وبقيت الدواب سائبة في البلدان ليس عندها من يعلفها ويسقيها حتى مات أكثرها ومات بعض الأطفال عطشًا وجوعًا وخرّ أكثرهم في المساجد صريعًا لأن أهاليهم إذا أحسوا بالضرب رموهم بالمساجد رجا أن يأتيهم من يُنقذهم فيموتون فيها لأنه لا يأتيها أحد ولا يقام فيها جماعة وبقيت البلدان خالية لا يأتي إليها أحد. فلما كان بالنصف من ذي الحجة من السنة المذكورة ارتفع, وكان بدوه شيئًا فشئيًا ثم كثر حتى أفنى.
علم التاريخ علم شريف, فيه موعظة واعتبار, واطلاع على حوادث الدهر الدوار, ومعرفة أحوال الماضين مما يوقظ الأذهان والأفكار, ويقيس العاقلُ نفسه على ما مضى من أمثاله في هذه الدار, وقد قصّ الله علينا بعض أخبار الأمم في الكتاب, قال الله تعالى: {﴿لقد كان في قصصِهم عِبرة لأُولي الألباب ﴾} [يوسف:111]
- من فضائل الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود, رحمه الله:
كان عبدالعزيز رحمه الله كثير الخوف من الله, والذكر له, أمرًا بالمعروف, ناهيًا عن المنكر, لا تأخذه في الله لومة لائم,…كان لا يخرج من المسجد بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس, ويصلي فيه صلاة الضحى, وكان كثير الرأفة والرحمة بالرعية, خصوصًا أهل البلدان بإعطائهم الأموال, وبثّ الصدقة لفقرائهم والدعاء لهم, والتفحص عن أحوالهم, وقد ذكر لي بعض من أثق به أنه يكثر الدعاء لهم في ورده, قال: سمعته يقول: اللهم أبقِ فيهم كلمة ” لا إله إلا الله ” حتى يستقيموا عليها, ولا يحيدوا عنها.
وكانت البلاد من جميع الأقطار والرعية في زمنه آمنة مطمئنة, في عيشة هنية.
وكان رحمه الله تعالى مع رأفته بالرعية شديدًا على من جنى جناية من الأعراب, أو قطع سُبُلًا, أو سرق شيئًا من مسافر أو غيره, بحيث من فعل شيئًا من ذلك أخذ ماله نكالًا, أو بعض ماله أو شيئًا منه على حسب جنايته, وأدّبه غير ذلك أدبًا بليغًا
وكانت الحجاج والقوافل….يخرج الراكب وحده من اليمن وتهامة والحجاز والبصرة والبحرين وعمان ونقرة الشام, لا يحمل سلاحًا, بل سلاحه عصاه, لا يخشى كيد عدو, ولا أحد يريده بسوء.
وكان متواضعًا, يحب العلماء, وطلبة العلم, وحملة القرآن, ويعظمهم, ويحب الفقراء والمساكين, ويعطيهم حقهم.
وكان يوصى عُماله بتقوى الله, وأخذ الزكاة على الوجه المشروع, وإعطاء الضعفاء والمساكين, ويزجرهم عن الظلم, وأخذ كرائم الأموال.
وكان كثيرًا ما يكتب لأهل النواحي يخضهم على تعليم القرآن وتعلم العلم وتعليمه.
- جوانب من سيرة الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود, رحمه الله:
كانت له المعرفة التامة في تفسير القرآن, أخذ العلم عن الشيخ محمد ابن عبدالوهاب, أقام سنين يقرأ عليه, ثم كان يلازم على مجالس الدروس عنده, وله معرفة في الحديث والفقه, وغير ذلك, بحيث إنه إذا كتب نصيحة لبعض رعاياه من المسلمين ظهر عليه في حسن نظامه ومضمون كلامه عدم القصور في الاطلاع على العلوم, ورأيت العجب في المنطوق والمفهوم.
كان ذا رأي باهر, وعقل وافر, ومع ذلك إذا أهمّه أمر وأراد إنفاذ رأي أرسل إلى خواصه من رؤساء البوادي, واستشارهم, فإذا أخذ رأيهم وخرجوا من عنده, أرسل إلى خواصه وأهل الرأي من أهل الدرعية ثم أخذ رأيهم, فإذا خرجوا أرسل إلى أبناء الشيخ وأهل العلم من أهل الدرعية واستشارهم, وكان رأيه يميل إلى رأيهم, ويظهر لهم ما عنده من الرأي.
وكان ثبتًا شجاعًا في الحروب محببًا إليه الجهاد في صغره وكبره, بحيث أنه لم يتخلف في جميع المغازي والحجج. ويغزو معه بجملة من العلماء من أهل الدرعية وأهل النواحي أعطى السعادة في مغازيه, ولا أعلم أنه هزم له رأيه….وهو مع ذلك في الغاية من التواضع للمساكين وذوي الحاجة, وكثير المداعبة والانبساط لخواصه وأصحابه.
وكان رحمه الله تعالى آمرًا بالمعروف, ناهيًا عن المنكر, كثير الحضّ على ذلك في مجالسه ومراسلاته للمسلمين, ناصرًا له, محببًا إليه أهل العلم وطلبته, ويُعظمهم ويكرمهم, ويجزل عطاياهم, ويلزم أهل البلدان بإكرامهم وتعظيمهم.
وكان يحب أن يسمع القرآن من غيره…ولو تتبعت فضائله, وهيبته في القلوب…وما مدح به من الأشعار…وما رثاه به الشعراء…لم يسعه كتاب كبير وهذا قليل من كثير
- الإمام فيصل بن تركي وقع في مهلكات فجعل الله له منها فرج قريب:
كان الإمام فيصل…له مع ربه سر يلتجئ في الشدائد إليه, وثقة به في كل نازلة يرجوه ويعول عليه, وقد كان حفظ القرآن على ظهر قلب وهو صغير, وحافظ على تلاوته والتهجد به شاب وكبير, وكان له حظ من الليل والقيام فيه, وكثير التضرع والابتهال لخالقه وباريه, فكم حامت عليه حوائم الخطوب والآفات, وكم وقع في عظائم ومهلكات, يدخلُ فيها اليأس على الأتقياء والأكياس, فضلًا عن أهل الولايات ورؤساء الناس, فيجعل الله له من ذلك بفرج قريب, ويجعل الله له منه مخرج عجيب.
- من نصائح الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود رحمه الله لرعاياه
كان أول تصديره النصيحة: الوصية بتقوى الله تعالى, وتعريف نعمة الإسلام, والاجتماع عليه بعد الفرقة, وتعريف التوحيد, والحض على التمسك به, ثم الحضّ على الجهاد في سبيل الله, ثم الزجر عن جميع المحظورات من ترك الصلوات في الجماعات, ومنع الزكاة, وغير ذلك من العبادات, ثم التحذير من اقتراف الفواحش من الزنى والربا وقول الزور وشهادة الزور, وقذف المحصنات, وغير ذلك من الغيبة, والنميمة, وتتبع العورات.
- من أقوال الحكماء:
قالت الحكماء: من سلّ سيف العدوان أُغمد في رأسه.
وقيل: لكل عاثرٍ من راحم, إلا الباغي, فإن القلوب مطبقة على الشماتة بمصرعه, وما أعطى البغيُ أحدًا شيئًا إلا أخذ منه أضعافه.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
Source link