تأملات تربوية في الشتاء – طريق الإسلام

فالمسلم الحق له وقفات تربوية مع آيات الله الكونية لذلك كان لنا وقفة مع فصل الشتاء وذلك من خلال العناصر الرئيسية التالية.. 1- عظمة الله تعالى. 2- الشتاء آية من آيات الله تعالى الكونية. 3- الشتاء غنيمة يجب استغلالها في تقديم القربات.

إن المؤمن المستبصر يتخذ من كل حركة وسكنة في الكون آية تدله على عظمة خالقه وقدرته وحوله وقوته.

 

ومن آيات الله العظيمة اختلافُ الأحوال؛ ليلٌ ونهار، حرٌّ وبرد، شتاء وصيف، ربيع وخريف، ولله الحكمة البالغة في ذلك، وتأمَّل أخي المسلم.. نعمة الله على عباده في دخول الشتاء على الصيف، والصيف على الشتاء، كيف يكون بالتدرُّج والمهلة؟!

 

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في معرض حديثه عن بعض حكم مخلوقات الله تعالى:

…. تأمل أحوال هذه الشمس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هذه الأزمنة والفصول، وما فيها من المصالح والحكم، إذ لو كان الزمان كلَّه فصلاً واحداً لفاتت مصالحُ الفصول الباقية فيه، فلو كان صيفاً كلَّه لفاتت منافعُ ومصالح الشتاء، ولو كان شتاءً لفاتت مصالح الصيف، وكذلك لو كان ربيعاً كلَّه أو خريفاً كلَّه..

فوا عجباً كيف يعصى الإله  **  أم كيف يجحده الجاحد 

ولله في كل تحريكــــــــــة  **   وتسكينة أبداً شاهــــــد 

وفي كل شيء له آيـــــــــة  **  تدل على أنه الواحــــــد 

 

فالمسلم الحق له وقفات تربوية مع آيات الله الكونية لذلك كان لنا وقفة مع فصل الشتاء وذلك من خلال العناصر الرئيسية التالية..

1- عظمة الله تعالى.

2- الشتاء آية من آيات الله تعالى الكونية.

3- الشتاء غنيمة يجب استغلالها في تقديم القربات.

 

العنصر الأول: عظمة الله سبحانه وتعالى:-

أيها الأكارم!! سؤال نسأله لأنفسنا مع نزول هذه الأمطار الغزيرة علي بلادنا؟

بقدرة من وقع ذلك؟ ومن الذي أذن بذلك؟ ومن الذي يملك تلك القدرة حتى يفعل ذلك؟ أسألوا أهل الأرض قاطبة، مَن منكم فعل ذلك؟ اسألوا عظماء الدنيا، من منكم فعل ذلك؟ لن تجد إجابة من أحد مطلقاً، ولن تسمع كلمة أنا من أحد.

 

الكل هنا يخنس، لن تجد جوابا في الأرض، ولكنك ستجد الجواب في السماء فقط، ومن رب السماء فقط، ومن القادر المقتدر، الذي أخبر عن قدرته العظيمة حينما قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم:25].

 

وما يجري في السماء والأرض من تغيرات هنا وهناك فهي بأمره سبحانه، فحينما يذهب فصل ويأتي فصل فبإذن الله، وحينما ترتوي أرض وتجف أرض فبأمر الله، وحينما تفتح السماء أبوابها بماء منهمر فبإذن الله، وحينما تمسك السماء ماءها فبإذن الله، فربك هو قيوم السموات والأرض، وهو مالك خزائن السموات والأرض، {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر:22] هذه المياهُ التي يرزقها عباده، يأمرُ السحاب فيجتمع، ثم يسيرُ بأمر الله تعالى إلى ما أراد من أرضه، ثم ينزله غيثًا مباركًا.

 

عمليات تتم لنزول هذا الغيث المبارك، من إنشاء السحاب، وإضاءة البرق، وتسبيح الرعد {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 12، 13]

 

ولو كان دخول أحدهما على الآخر مفاجأةً، لأضرَّ بالأبدان وأهلكها، ولأفسد النباتات وأتلفها، فما أعظمها من نعمة وما أجلها! ولله آيات عظيمة تكثر في الشتاء؛ كالرعد والبرق، والصواعق والمطر والبَرَد، يقول الله تعالى {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13].

 

وثبت في المسند، وسُنن الترمذي وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أقبلت يهودُ على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، نسألك عن أشياء إن أجبتنا فيها، اتبعناك وصدَّقناك، وآمنَّا بك، قال فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على نفسه، قالوا: الله على ما نقول وكيل، فسألوه أسئلة، وقالوا في جملة أسئلتهم أخبرنا عن الرعد ما هو قال:(الرعد ملك من الملائكة مَوْكولٌ بالسحاب بيديه، أو في يده مخراقٌ من نار يزجر به السحاب، والصوت الذي يسمع منه زجره السحاب، إذا زجره حتى ينتهيَ إلى حيث أمره الله)، قالوا: صدقتَ، ويقول الله جل وعلا في شأن المطر والبرد؛ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور: 43].

 

ولم ينكر المشركون بالله قدرة الله تعالى في إنزال الماء قال تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 63].

 

وقال تعالى {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: 60].

 

وقال تعالى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [لقمان: 10 – 11]

 

فالملاحظ في الآيات السابقات أن الامتنان بنعمة الغيث يعقبه التذكير بلزوم التوحيد لله تعالى.

 

ولا يستطيع أن أحد أن يعلم وقت نزول المطر إلا الله تعالى، قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]

 

وعن عبد الله ابن عمررضي الله تبـارك وتعالى عنهما قـال رسـول الله صلى الله عليه وسلم. «مفاتيح الغيب خمس لايعلمها إلا الله: لايعلم ما في غدا إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متي يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس باي ارض تموت ولا يعلم متي تقوم الساعه إلا الله». (البخاري).

 

الشتاء والغيث يذكران بيوم البعث: وإذا كان الله تعالى قادرًا على إحياء الأرض بالماء بعد موتها فهو كذلك قادر على بعث العباد ومحاسبتهم؛ لذا كان الإخبار في القرآن عن إحياء الأرض مثلاً مضروبًا لبعث العباد يوم القيامة قال تعالى {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ} ﴾ [الحج: 5 – 7].

 

وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57].

 

وقال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي المَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصِّلت: 39].

 

قال تعالى: {وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر9]. والحياة على الأرض لا تكون بلا ماء؛ فالبشر والحيوان والنبات لا يحيون إلا بالماء {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30].

 

وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} [طه: 53 – 54].

 

وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ المُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} [النَّبأ: 14 – 16].

 

وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} [الفرقان: 48 – 49] والأرض تحيا بالماء، وتموت إذا فقدت الماء، وكذلك من عليها من الخلق، {وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [النحل: 65].

 

العنصر الثاني: الشتاء آية من آيات الله تعالى الكونية:-

بأمر ربنا سبحانه يأتي الشتاء ويذهب الصيف، وبأمر ربنا سبحانه ينزل القطر من السماء، ولذلك أيها المؤمن إذا دخل الشتاء عليك فلا بد أن يحرك قلبك، وأن يحييك، وأن يزيد إيمانك ويقوي عقيدتك، وأن يذكرك بالله ربك؛ يذكرك بقدرته وقوته ومشيئته ورحمته وإرادته وملكه، يذكرك بآيات الله التي غفل الناس عنها اليوم، حتى بات بعضهم لا يرى في فصل الشتاء سوى أن منسوب الماء يزيد، وقوة البرد تشتد، وتَعُمّ السيول، وتكثر الحاجة للمدافئ، كل هذا دون أن ينبض قلب هؤلاء بلحظات تفكر وتأمل إيمانية، يتذكر فيها أن الشتاء هو آية من آيات الله،  {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية: 3 – 5]

 

وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190، 191]

 

وغذاءُ الإنسان طيلة حياته إنما كان من ثمرات هذا الماء الذي أنعم الله به على العباد ليتمتعوا ويؤمنوا {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 24 – 32]

 

ففيه الفرج والأمل قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28].

 

في فصل الشتاء نتعرض لبعض الآيات الكونية مثل:-

الرياح والغيم والرعد والبرق، فلا بد لنا من وقفة مع هذه الآيات، لا بد أن نتفاعل معها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاعل مع الآيات الكونية، عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ، فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا» (رواه مسلم).

 

وأخذ يومًا بيد عائشة رضي الله عنها وأشار إلى القمر، وقال: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ:  {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف: 24، 25]، (رواه البخاري).

 

تأمل حال الرياح وأنها من آيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته جل وعلا، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164].

 

فما معنى تصريف الرياح؟

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: أي فتارة تأتي بالرحمة وتارة تأتي بالعذاب، وتارة تأتي مبشرة بين يدي السحاب وتارة تسوقه، وتارة تجمعه وتارة تفرقه، وتارة تصرفه ثم تأتي تارة من الجنوب وهي الشامية، وتارة تأتي من ناحية اليمين وتارة صبا وهي الشرقية التي تقدم وجه الكعبة، وتارة دبورًا وهي غربية تنفذ من ناحية دبر الكعبة، وهكذا….

 

واعلم أن الريح جند من جنود الله يسخرها كيف يشاء فهي مأمورة مسخرة، لها عدة مهام ووظائف، ومن هذه المهام والوظائف: علاقتها بالأمطار.

 

اعلم أن الرياح تثير سحابًا: قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 48 – 50].

 

وقال تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر:9]، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57].

 

ففي هذه الآيات يبيِّن الله أثرًا من آثار قدرته ورحمته وذلك عندما أرسل الرياح مبشرات بالغيث، وهي التي تثيره بإذن الله، فيستبشر الخلق برحمة الله.

 

والرياح لواقح: قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22]، فهذه الرياح تلقح السحاب فتدر ماءً، وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وآكامها.

 

وكذلك سير الله بها السفن في البحر: قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس: 22].

 

وسخرها ربنا لسليمان عليه السلام:  {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12].

 

وأهلك الله بها من شاء من عباده:  {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:68]، ورد بها الأحزاب الذين حاصروا المدينة المنورة.

 

وهي كذلك التي تقبض أرواح المؤمنين في آخر الزمان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تَعَالَى يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ اليَمَنِ ألْيَنَ مِنَ الحَرِيرِ فَلا تَدَعُ أحَدًا فِي قلْبِهِ مِثْقالُ حَبَّةٍ مِنْ إيمانٍ إلاَّ قَبَضَتْهُ» (رواه مسلم).

 

ومن الآيات كذلك:

الرعد والبرق، فتشهد معنى القدرة لله تعالى، وتشاهد آثار ربوبيته عز وجل، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 24].

 

وعلي المؤمن أن يستعد لمواجهة الشتاء، وهكذا جعل الله لنا سرابيل تقينا الحر وأخرى تقينا البرد فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: 81]

 

العنصر الثالث: الشتاء غنيمة باردة يجب استغلالها في تقديم القربات:-

الشتاء غنيمة للعابدين:-

والشتاء غنيمة باردة للعباد والمطيعين؛ فنهاره قصير يسهل صيامه، وليله طويل يهون قيامه؛ يقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه الشتاء غنيمة العابدين، وقال ابن مسعود رضي الله عنه مرحبًا بالشتاء؛ تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام، وقال الحسن البصري رحمه الله نعم زمان المؤمن الشتاء؛ ليله يطول يقومه، ونهاره قصير يصومه.

 

وكان عبيد بن عمير يقول إذا جاء الشتاء: يا أهل القرآن، طال ليلكم لقراءتكم فاقرؤوا، وقصر نهاركم لصيامكم فصوموا.

 

وعن الحسن قال: ونعم زمان المؤمن الشتاء! ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه.

 

قال ابن رجب رحمه الله قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف ولهذا بكى معاذ عند موته، وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركاب عند حلق الذكر.

 

وقال أبو سليمان الداراني: كنت أصلي في ليلة باردة فأقلقني البرد، فخبأت إحدى يدي من البرد، وبقيت الأخرى ممدودة فغلبتني عيني وأخذتني سنة من النوم فهتف بي هاتف يقول: يا أبا سليمان، قد وضعنا في هذه ما أصابها ( أي استجبنا لدعائك باليد الممدودة) ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها، قال أبو سليمان: فآليت على نفسي ألا أدعو إلا ويداي خارجتان، حراً كان أو بردا.

 

وكان صفوان وغيره من العباد يصلون في الشتاء بالليل في ثوب واحد ليمنعهم البرد من النوم، ومنهم من كان إذا نعس صب على رأسه الماء ويقول: هذا أهون من صديد جهنم.

 

هذه مشاعر السلف رحمهم الله في الشتاء فرحٌ وغبطةٌ هِمَّة ونشاط، جِدٌّ واجتهاد فيما يقرِّب إلى الله.

 

وأما أحوال كثير من الناس في هذا الزمن، ففي تضييع الفرائض والواجبات، وغَشَيان المحرَّمات والمكروهات، والاجتراء على حدود ربِّ الأرض والسماوات، والسهر الطويل في الليل على ما يُغضِبُ الله، ويُظلِمُ القلوبَ ويُضعِفُ نور الإيمان.

 

في الشتاء مضاعفة الأجر:-

في الشتاء البارد يضاعف لك أجرك على تلك العبادات الشاقة في البرد الشديد، ففي حديث أبي هريرة كما في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات» ؟، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط». وإسباغ الوضوء على المكاره أن تسبغ وضوءك في شدة البرد.

 

فلك الحمد يا ربنا على كرمك العظيم وعطائك الجزيل.

 

التذكير بالآخرة وما فيها من أهوال:-

وإن من أعظم فضائل الشتاء التي لا يلتفت إليها أكثر الناس أن زمهرير الشتاء وبرده القارص يذكر بزمهرير جهنم ويوجب الاستعاذة منها والعمل الصالح من اجل النجاة والسلامة من زمهرير النار.

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم شديد البرد، فإذا قال العبد لا اله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم! اللهم أجرني من زمهرير جهنم، قال الله تعالى لجهنم: إن عبدا من عبيدي استجار بي من زمهريرك وإني أشهدك أني قد أجرته، قالوا: وما زمهرير جهنم؟ قال: بيت يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة برده».

 

وإن كل عاقل يدرك أن من الناس من يموت من حر الشمس وحرقها ومنهم من يموت من حرق الصقيع والثلج والجليد لجسده، لذلك فإن من سنن الإسلام في الشتاء أنه إذا كان اليوم البارد الشديد البرودة فلنذكر عذاب الزمهرير في النار ونستعيذ بالله من ذلك الزمهرير.

 

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر. وقال كعب: إن في جهنم بردا هو الزمهرير يسقط اللحم حتى يستغيثوا بحر جهنم.

 

وعن عبد الملك بن عمير قال: بلغني أن أهل النار سألوا خازنها أن يخرجهم إلى جانبها، فأُخرجوا فقتلهم البرد الزمهرير حتى رجعوا إليها مما وجدوا من البرد.

 

وقد قال الله عز وجل:  {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} [ص: 57].

 

قال ابن عباس: الغساق هو الزمهرير البارد الذي يحرق من برده.

 

والبرد الشديد من زمهرير جهنم، كما أن الحرَّ الشديد من سمومها في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم «اشتكت النار إلى ربِّها، فقالت يا رب، أكل بعضي بعضًا، فجعل لها نفسين؛ نفسًا في الشتاء، ونفسًا في الصيف، فشدة ما تجدون من البرد، وشدة ما تجدون من الحر من سمومها».

 

فهلاَّ ذكرنا عباد الله ذلك بالنار، ومن يتحمل البرد والحر الشديد في الدنيا، فكيف بحرِّ جهنم، و زمهريرها؟!

 

أجارنا الله وإياكم منها.

 

استشعار قيمة الإخوة الإنسانية: عند الشتاء والبرد علينا أن نتذكَّر الفقراء وذوي الحاجة ممن يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، ممن لمس البرد الشديدُ أجسامَهم، واخترقت شدتُه عظامهم، ألا اتقينا حرَّ جهنم وزمهريرها بالعطف على هؤلاء.

 

فعنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» (البخاري). فَلَمْ يَتَصَدَّقْ أَحَدٌ، والتمرة – عباد الله – لحافٌ يفيد هؤلاء في البرد، كما أن الغطاء لحاف والثوب الدافئ لحاف، فتصدق يا من وسَّع الله عليه، ولو بشيء يسير؛ فربما يكون في نظرك حقير وهو عند ذلك الفقير المحتاج كبيرٌ عظيم، ولا تحقرنَّ من المعروف شيئًا.

 

الخير كله في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم:-

وحتى يكتمل موقف العبد المؤمن من فصل الشتاء وما فيه، وحتى نكون لرسولنا صلى الله عليه وسلم أتبع، ولله أقرب، لا بد لنا جميعا من أن نعمل بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم الذي جاء عنه في الشتاء وتوابعه، فمن فضْل الله علينا كمال ديننا، وكمال هدي نبينا صلى الله عليه وسلم،ولذلك دعونا نستذكر طائفة من السنن النبوية التي نحيها في حياتنا في فصل الشتاء ونتعبد الله تعالى بها.

 

المناجاه وقت نزول المطر:-

وقت نزول الغيث هو وقت فضل ورحمة الله من الله على عباده، وتوسعة عليهم بأسباب الخير،وهو مظنة لإجابة الدعاء عنده جاء في حديث حسنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة: «اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول المطر». وفي رواية أخرى حسنها الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير: «ثنتان ما تردان الدعاء عند النداء وتحت المطر». وقال المناوي في فيض القدير: «ثنتان ما» في رواية لا «تردان الدعاء عند النداء» يعني الأذان للصلاة «وتحت المطر» أي دعاء من هو تحت المطر لا يرد أو قلما يرد فإنه وقت نزول الرحمة لاسيما أول قطر السنة والكلام في دعاء متوفر الشروط والأركان والآداب. انتهى.

 

عند هبوب الريح:-

عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُسُبُّوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا» (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

 

عند نزول المطر:-

ومن السنة عند نزول المطر التعرض له، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن ثوبه حتى أصابه من المطر. فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: «لأنه حديث عهد بربه تعالى» (رواه مسلم).

 

ومعنى حسر كشف، أي كشف بعض بدنه، ومعنى حديث عهد بربه أي بتكوين ربه إياه، ومعناه أن المطر رحمة، وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها. وفي هذا الحديث دليل على أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر.

 

ويقول المؤمن أثناء نزول المطر، كما في الحديث الصحيح: اللهم صيبا نافعا، أي: منهمرا متدفقا كثيرا ونافعا.

 

اذا كثر المطر وخيف منه الضرر.

 

كان صلى الله عليه وسلم إذا اشتد المطر قال: «اللهم حوالينا ولاعلينا، اللهم على الآكامِ والظرابِ وبُطون الأودية، ومنابت الشجر» . ( (متفق عليه).

 

احذر الشركيات:-

قال الإمام النووي رحمه اللهمن اعتقد أن الكوكب والنجم فاعل قدير مُنشئ للمطر كما كان يعتقد أهل الجاهلية؛ فهذا يكفر والعياذ بالله، وأما من اعتقد أن المطر من الله وفضله ورحمته وأن النوء ميقات له أو علامة فهذا وقع في محذورأو مكروه. وهناك بعض الأمور الشركية،وهي أن يدعو الأنواء بالسقيا، كأن يقول: يا نوء كذا اسقينا أو أغثنا أو ما شابه ذلك، فهذا شرك أكبر؛لأنه دعاغيرالله، قال الله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس:106]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: 5].

 

أو أن ينسب حصول الأمطار إلى هذه الأنواء على أنها هي الفاعلة بنفسها ولو لم يدعها، فهذا شرك في الربوبية، والأول في العبادة.

 

يقول المؤمن بعد نزول المطر كما في الحديث الصحيح- مُطِرْنا بفضل الله ورحمته.

 

عند حدوث الرعد والبرق:

عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: «اللَّهُمَّ لا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الشيخ أحمد شاكر).

 

وكَانَ عبد الله بن الزبير إِذا سمع الرَّعْد ترك الحَدِيث وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَة من خيفته، وَيَقُول: إِن هَذَا الْوَعيد شَدِيد لأهل الأَرْض.

 

وكان طاوس التابعي يقول إذا سمع الرعد: سُبْحَانَ مَنْ سَبَّحْتَ لَهُ.

 

وأخيرا..ينبغي علينا أن نغتنم فصل الشتاء في التقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات والقربات، والسعيد من عرف وظائف المواسم حتى يعمرها بطاعة الله تعالى، والشتاء ربيع المؤمن.

 

اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئا يا رب العالمين.

_________________________________________________________
الكاتب: السيد طه أحمد


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح دعاء الهم والحزن – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *