كيف أعرف طريق الحق؟ – هبة حلمي الجابري

منذ حوالي ساعة

كيف نعرف أننا على طريق الحق والهداية؟ كيف نكون من الفرقة الناجية خصوصًا ونحن في هذه الفتن المتلاطمة، والأحداث المتلاحقة، والأفكار المتباينة؟ وهل يكفي الدعاء فقط لمعرفة ذلك الطريق؟

كيف نعرف أننا على طريق الحق والهداية؟ كيف نكون من الفرقة الناجية خصوصًا ونحن في هذه الفتن المتلاطمة، والأحداث المتلاحقة، والأفكار المتباينة؟ وهل يكفي الدعاء فقط لمعرفة ذلك الطريق؟

 

أسئلة قد يطرحها الباحثون عن الحق، والذين يخافون أن يدخلوا ضمن تلك الآيات التي تُرهب الفؤاد، وتزلزل الأركان؛ يقول الله تعالى في محكم التنزيل: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: 8]، ويقول تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 108]، أو يكونوا تلك الطوائف التي ستفترق عليها الأمة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ»؛ (رواه أبو داود) .

 

لكن قبل الإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى أن نعرف ما هو ذلك الحق حتى نعرف طريقنا إليه.

 

إننا مؤمنون أن الله هو ربنا، وأن محمدًا هو رسولنا، وأن القرآن هو كتابنا، وأنه دستورنا مأمورن باتِّباعه مع سُنَّة نبيِّنا، هذا هو الحق.

 

ولم يتركنا ربنا الحق هَمَلًا؛ بل بيَّن لنا طريق الحق وصفات أهل الحق في القرآن، وجاء نبيُّنا ليكمل لنا الصورة في سنته، ونجد في سيرته التطبيق العملي الواضح الذي لا لبس فيه لهذا الحق؛ ومن ثمَّ من أراد الحق فعليه بالكتاب والسنة والسيرة.

 

والقرآن يطمئن قلوبنا أن الله يهدي عباده إلى الطريق بنوعين من الهداية:

1- الهداية العامة: وهي لجميع الناس؛ مؤمنهم وكافرهم، وهي هداية الدلالة والبيان والإرشاد لطريق الخير والشر، قال تعالى:  {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]، وقال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17]؛ أي: دلَّهُم، وبيَّن لهم بإرسال رسوله، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل: 45].

 

2- الهداية الخاصة: للمؤمنين خاصة، وهي هداية التوفيق لقبول الحق، وإلهام الرشد، وشرح الصدر، قال تعالى:  {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الأنعام: 125]، وقال الهادي سبحانه: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22].

 

ولا يمكن أبدًا أن نتصوَّر باحثًا عن الحق يسأل الله مخلصًا من كل قلبه أن يدله على الطريق ثم يضله الله! لا يمكن لربٍّ يقول في الحديث القدسي: «إذا تقرَّب العبد إليَّ شبرًا تقرَّبت إليه ذراعًا، وإذا تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولةً»؛ (رواه البخاري)، ثم يرى عبده واقفًا حائرًا يريد أن يسير إليه ولا يدله على الطريق.

 

المهم أن نتحرك هذا الشبر، أو ذلك الذراع، أن نسير إليه، أن نبذل الجهد في الوصول إلى ذلك الحق؛ فنتعلم كتابه، وسنة نبيه المصطفى، وسيرته العطرة، وسيدلنا على الطريق وقتها، سيدلنا بطمأنينة تسري في قلوبنا، أو آية نشعر أننا نتلوها لأول مرة، أو كتاب نقرؤه، أو درس نسمعه.

 

تقول أخت باحثة عن طريق الله خصوصًا وقت الفتن: “كم من فتن مرَّتْ بها الأمة فخررت ساجدة باكية إلى الله أسأله أن يهديني سبيل الحق متضرعة ألا يتركني لنفسي، وأقوم لأفتح مصحفي فتقع عيني أول ما تقع على آية بعينها فيها جواب سؤالي، فأرفع بصري إلى السماء شاكرة لله على أن هداني لما يثبتني، أو أفتح بعدها مباشرة درسًا أو وسيلة تواصل فيكون الكلام وكأنه رسالة من الله بالإجابة”.

 

أترى كل ذلك مصادفة؟ لا والله ولكنها هداية الله لمن التمسها منه وسلك السبيل.

 

ولنذهب إلى السنة لنعرف الوصفة التي وصفها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكفينا حيرتنا تلك؛ فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقةً، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقةً، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقةً كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي»، وفي بعض الروايات:  «هي الجماعة»؛  (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم) .

 

وعن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مُودِّع فأوصِنا، قال:  «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ؛ فإنه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة»؛ ( رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح) .

 

الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أُوتي جوامع الكلم يجيب عن السؤال في عبارة وجيزة محكمة جامعة: «عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين» ليس هذا فقط بل «عضوا عليها بالنواجذ»؛ أي الزموها، وتمسَّكُوا بها.

 

فكيف سنعرف سنتهم إن لم نتعلمها وندرسها؟ وكيف سنعرف أن هذا الأمر بدعة إن لم نعرف السُّنَّة؟

ومن أراد الحق غضًّا كما أُنزِل فعليه بالسيرة، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم فهي التطبيق العملي لما جاء في الكتاب، وسنعرف الحق بلا شك، فالسيرة هي أكبر مدرسة نتعلم منها ديننا ودنيانا، كل موقف مَرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم هو درس عملي لنا، تعامله في بيته مع زوجاته وبناته، تعامله مع صحابته وأعدائه، تعامله في الغزوات، تعامله وقت الفتن، وقت قوة المسلمين أو ضعفهم، كيف تعامل مع المنافقين والكفار وأهل الكتاب، إن السيرة كنز غفل عنه كثير من المؤمنين.

 

وهكذا إذا أردنا النجاة مع الفرقة الناجية فعلينا أن نأخذ بالأسباب، ولنعمل على أن نكون من أهل الإيمان، فهم أهل الهداية؛ قال الله تعالى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].

 

ومن صفات هؤلاء المؤمنين التي تساعدهم في الوصول إلى الحق:

الطاعة والتقوى، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5-10].

 

اجتناب المعاصي جميعًا، ومنها الظلم والكذب؛ لأنها من موانع الهداية، قال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 19]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28].

 

الولاء والبراء، فإن عدم الولاء للدين وأهله، والبراء من الكفر وأهله من موانع الهداية؛ قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].

 

ترك التحزُّب إلى غير الله ورسوله ودينه؛ وذلك لأن التحزُّب إلى طائفة يدفع الشخص إلى تبرير قولها مهما كان خطأً، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13].

 

عدم الميل إلى هوى النفس عند دراسة النصوص وسماع الدروس، فهذا يعمي الإنسان عن الحق وقبوله، قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50].

 

اتِّباع السلف، قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

 

العمل بالعلم، قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16].

 

الأخذ بالنص الثابت، وترك الضعيف والشاذ، وعدم التوسُّع في الأخذ بالآراء، فالرأي بشري قاصر قابل للردِّ، والدليل راسخ ثابت، قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109].

 

الدعاء؛ فإنه من أعظم الوسائل لطلب الحق والخير من الله تعالى، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].

 

إذًا بعبارات موجزة نستطيع القول: إذا أردنا الهداية فلنقرأ التفسير من المفسرين الثقة، ولنأخذ الفقه من علمائنا الثقة، ولنعش مع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته التي صحَّحها وحسَّنها علماؤنا الثقة، ولنصاحب من يعيننا على الخير ونحسبه ثقة، ولنرفع أيدينا بالدعاء بالهداية، ولنكن بالإجابة على ثقة.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

آثار التدين بالإسلام في حياة المسلم

إن من آثار التدين بدين الإسلام معرفة الإنسان للغاية من وجوده في هذه الحياة، وهي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *