من اتبع الهوى هوى – طريق الإسلام

أعزُّ ما على المؤمن سلامةُ دينِه، وثباتهُ على إيمانه.. إذ الْإِيمَانُ هو أَعْظَمُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُؤْمِنُ، الإيمانُ هُوَ أَحْسَنُ الْحَسَنَاتِ، وأساس الطاعَاتِ؛ وعَاقِبَتَهُ رِضَا الرَّحْمَنِ، وَالْخُلْدَ فِي الْجَنَّان…

الحمدُ للهِ الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [ الفرقان:1].

 

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:44].

 

والصلاةُ والسلامُ على من بعثهُ اللهُ تباركَ وتعالى هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا منيرًا، صلى الله عليه وسلم وبــاركَ عليـه، وعلى آله الأطهارِ، وصحابتهِ الأبْرارِ، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الليلُ والنّهار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أمَّا بعدُ: فأُوصيكم أيُّها النَّاسُ ونفسي بتقوى اللهِ، فاتقوا اللهَ رحمكم اللهُ؛ فمن تفكَّرَ في العواقِبِ أخذَ بالحذَر، ومن علم بطول الطريقِ تأهَّبَ للسفرِ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70].

 

معاشر المؤمنين الكرام: أعزُّ ما على المؤمن سلامةُ دينِه، وثباتهُ على إيمانه.. إذ الْإِيمَانُ هو أَعْظَمُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُؤْمِنُ، الإيمانُ هُوَ أَحْسَنُ الْحَسَنَاتِ، وأساس الطاعَاتِ؛ وعَاقِبَتَهُ رِضَا الرَّحْمَنِ، وَالْخُلْدَ فِي الْجَنَّان: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّه} [البينة:7].. وتَرْكُ الإيمانِ هو أسوأُ السيئات، وأكبرُ الموبقات، وعاقبتهُ غضبُ الجبار، والخلودُ فِي النِّارِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} [آل عمران:116].

 

فيا من أنعم الله عليك بالهداية، استشعر عِظمَ هذه النعمةِ الجليلة، واعلم يقينًا أَن اللهُ تَعَالى هو الذي وفقك وهَدَاكَ، وهو الذي ثبَّتك واعانك وقوَّاك، لتدين بهذا الدين الحقِّ، فَما أكثرَ الذين هُم أَشدَّ مِنكَ ذَكَاءً، وَأَدَقَّ منك فَهمًا، وأكثرَ منك وعيًا وحرصًا.. لَكِنَّهُم صُرِفُوا عَنِ الحَقِّ وَلم يُوَفَّقُوا إِلَيهِ، لا هَمَّ لأَحَدِهِم إِلاَّ إِمتَاعُ نَفسِهِ، وَتَحصِيلُ شَهَوَتِه، يَعِيشُ كَالبَهِيمَةِ بَل هُوَ مِنهَا أَضَلُّ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُم} [محمد:12]، فَالحَمدُ للهِ الَّذِي جَعَلَنَا مُسلِمِينَ، وَالحمد لله الذي هَدَانَا لدينه القويم، وصراطه المستقيم، ووالله لولا الله ما اهتدينا.. ولا تصدقنا ولا صلينا، فاغفر لنا يا ربِّ ما جنينا، وزدنا هدىً وتقىً ويقينا.

 

فالله جلَّ وعلا ولحكمةٍ بالغِةٍ جعلَ عبادهُ أصنافًا ودرجات، بعضهم فوقَ بعض، وبعضهم أفضلُ من بعض، فهذا ذكيٌ وذاك غبي، وهذا فصيح وذاك عيي، وهذا فقيرٌ وهذا غني، وهذا سعيدٌ، وذاك شقي، وهذا مُوَفَّقٌ تقيٌ، وَذاك مَخذُولٌ غوي، فسبحان من قسَمَ بينهم المواهبَ والأرزاق، كما قسمَ بينهم العقول والأخلاق، وجعلهم مختلفين في أشياء كثيرة، متباينين في العلمِ وفي العمل، وفي نظرتهم للحياة، وفي فهمهم لحقيقةِ ما خُلِقوا من أجله، وما سيصيرون إليه بعد الموت، قال تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:4]، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين} [هود:118]، وقال جل وعلا: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} [التغابن:2].

 

لكنه جلَّ وعلا رضيَ الإِسلامَ دينًا للجميع، وَلَن يَقبَلَ مِنهُم غَيرَهُ، كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين} [سورة آل عمران:85]، لأَجلِ هذا ولشدِّة أهميته للجميع، أَوجبَ اللهُ عَلَى كل مُسلِمٍ أَن يَسأَل اللهَ الهِدَايَةَ لِلإِسلامِ، في كُلِّ رَكعَةٍ يصليها، وَأَن يُجَنِّبَهُ طريق الغَاوِينَ والضالين، قَالَ تَعَالى: {اِهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ اللذين أنعمت…} [الفاتحة:6].. فالتَّمَسُّكَ بِالإِسلامِ عباد الله: هُوَ الحَيَاةُ الحَقِيقِيَّةُ، وَهو السَّعَادَةُ الأَبَدِيَّةُ، قَالَ تَعَالى: {مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ} [النحل:97]، وَلَيسَ المُرَادُ بالحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ في الآية: النَّعِيمَ الماَدِيَّ التام، أَوِ السَّلامَةَ مِنَ الأذى، وتسلط الأعداء، فَكُلُّ ذَلِكَ يقدِّرهُ اللهُ على عباده ابتلاءً واختِبَارًا لهم، وَلِيَتَبَيَّنَ الصادق من الكاذب، وَمَن يثبت على دينه ممن ينكص على عقبيه، قَالَ جَلَّ وَعَلا: {لَتُبلَوُنَّ في أَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذِينَ أَشرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ} [آل عمران:186]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: {وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيهِم صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ} [البقرة:155-157].

 

أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ: الإِسلامَ كلهُ حَيَاةٌ طَيِّبَةٌ، يَعِيشُهَا المُؤمِنُ بِقَلبِهِ وَإِنِ ابتُلِيَ في جَسَدِهِ، وأُنسٌ وَنَعِيمٌ يَملأُ جَوَانِحَهُ رضا وسكينهً، وَإِن قَلَّ مَا في يَدِهِ، وَسَعَادَةٌ تَغمرُ روحه وتملأ جوانحه، وَإِن حَاصَرَهُ الأعداءُ وضيَّقوا عليه، فَهُوَ يَحيَا مُطمَئِنَّ النَّفسِ، مُنشَرِحَ الصَّدرِ، سَعِيدًا بِطَاعَةِ رَبِّهِ فَرِحًا بِعِبَادَتِهِ، مَسُرُورًا بِإِيمَانِهِ وَمَعرِفَتِهِ رَبَّهُ، وَمَحَبَّتِهِ لخالقه وَالإِنَابَةِ إِلَيهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ، مُستَغنِيًا بِذَلِكَ عَمَّا يَفرَحُ بِهِ النَّاسُ مِن حُطَامِ الدُّنيَا وَزَخَارِفِهَا، وَزِينَتِهَا وترفها، مُتَقَبِّلًا كل مَا يُقَدِّرُهُ ربه عَلَيهِ مِمَّا قَد يَكُونُ مُرًّا أو مؤلمًا؛ لأَنَّهُ يَعلَمُ أَنَّ كل مَا يُصِيبُهُ في الدنيا مِن تَعَبٍ أَو أذى، لا يُعَدُّ شَيئًا إذا قارنه بمَا ينتظرهُ مِن نَعِيمٍ مقيم، في جَنَّان الخلد بإذن الله، وَمَا سيَؤُولُ إِلَيهِ أَمرُ الكُفَّارِ من خلودٍ في النَّارِ عياذً بالله.. قَالَ سُبحَانَهُ: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ المِهَادُ} [آل عمران:196]، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُؤتَى بِأَنعَمِ أَهلِ الدُّنيَا مِن أَهلِ النَّارِ يَومَ القِيَامَةِ، فَيُصبَغُ في النَّارِ صَبغَةً، ثم يُقَالُ: يَا ابنَ آدَمَ، هَل رَأَيتَ خَيرًا قَطُّ؟ هَل مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللهِ يَا رَبِّ، وعزتك وجلالك ما مَرَّ بِي نَعِيمٌ قَطُّ.. وَيُؤتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤسًا في الدُّنيَا مِن أَهلِ الجَنَّةِ، فَيُصبَغُ صَبغَةً في الجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابنَ آدَمَ، هَل رَأَيتَ بُؤسًا قَطُّ؟ هَل مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا وَاللهِ يَا رَبِّ، وعزتك وجلالك مَا مَرَّ بي بُؤسٌ قَطُّ، وَلا رَأَيتُ شِدَّةً قَطُّ».. اللهُ أَكبَرُ يا عباد الله، غَمسَةٌ وَاحِدَةٌ في الجَنَّةِ، ومن أول ثانيةٍ يدخلُ فيها المؤمن ُالجنة، ينسي كُلَّ مَا مرَّ به مِن هَمٍّ وَغَمٍّ، وَشِدَّةٍ وكرب، وَبَلاءٍ وضيقٍ وبؤسٍ.. وَغَمسَةٌ وَاحِدَةٌ، يُغَمسُها الكافرُ في النَّارِ، غمسةٌ واحدةٌ، تُذهِبُ كُلَّ مَا كان قَبلَهَا مِن نَعِيمٍ دُنيَوِيٍّ، وَمَتَاعٍ عَاجِلٍ؛ وترفُهٍ بالحرام.. وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ، إِنَّ أَمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ، وَلَيسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ، إِن أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ، وَإِن أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ» (رَوَاهُ مُسلِمٌ).

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلنصَّبرَ، وَلنتَّمَسُّكَ بِهَذَا الدِّينِ العَظِيمِ، وَلنستِقم عَلَى مَنهَجِه القَوِيمِ، فَهَذَا وَاللهِ هو وَقتُ الثبات، هذا هو وقت التَّمَسُّكِ بِالدِّينِ، وَالاستِقَامَةِ عَلَيهِ، ووقت الإِكثَارِ مِن عِبَادَةِ اللهِ وَالإِقبَالِ علَيهِ، وَلْيُبشِرِ الصَّابِرُونَ المُستَقِيمُونَ عَلَى أَمرِ اللهِ، وإن عَظُمَتِ الفِتَنُ، وازداد الفساد، ففي صحيح الامام مسلم، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِن وَرَائِكُم أَيَّامَ الصَّبرِ، لِلمُتَمَسِّكِ فِيهِنَّ يَومَئِذٍ بِمَا أَنتُم عَلَيهِ أَجرُ خَمسِينَ مِنكُم» ، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ أَو مِنهُم؟! قَالَ: «بَلْ مِنكُم» (رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ). وَقَالَ صلى الله عليه وسلم أيضًا: «العِبَادَةُ في الهَرْجِ كَهِجرَةٍ إليَّ».

 

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ * نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30-32].

 

أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين…

معاشر المؤمنين الكرام: إِنَّ مما يؤلم النفس، ويحيرُ العقلَ أَن يُضطَرَّ الناصِحُ إِلى تَوضِيحِ ما هو واضح، وَإلى تَبيِينِ ما هو بَيِّنَ، وصدقَ من قال: وكيف يصحُ في الأذهانِ شيءٌ… إذا احتاجَ النهارُ إلى دليل.. وليس هذا بسبب نَقصٍ في الدِّينِ أَو قُصُورٍ في الشَّرِيعَةِ، كما أنهُ ليسَ صُعُوبَةً في فَهمِ النَّصِ أَو إِدرَاكِ دِلالاتِه، وَإِنما هو زيغٌ في القلوب واتِّبَاعٌ للهَوى.. ووالله ما ضُربت القلوبُ بمثل الغفلةِ والهوى، قال الإمام الشعبي رحمه الله تعالى: إنما سمي الهوى؛ لأنه يهوي بصاحبه، فمن اتَّبع الهوى هوى.. ومن اتّبع الهوى حُرم الهدى، قال جل وعلا: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ ص:26].

 

نعم يا عباد الله: اتِّباعُ الهوى، زيغٌ وَضلالٌ وردى، قال جلَّ وعلا: {قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهوَاءَكُم قَد ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ المُهتَدِينَ} [الأنعام:56].. وفي الحديث الحسن قال صلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثٌ مُهْلِكَاتٌ: هَوىً مُتَّبَعٌ، وَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَإِعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ».

 

واتباعُ الهوى سببٌ لغَفلَةِ القلبِ وَفَسَادِه، قال جلَّ وعلا: {وَلاَ تُطِعْ مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].

 

وَاتِّباعُ الهوى انسلاخٌ من الدِّين واتباعٌ للشيطان اللعين، قال تعالى عن عالمٍ من عُلماء بني إسرائيل: {وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذِي آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنهَا فَأَتبَعَهُ الشَّيطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * وَلَو شِئنَا لَرَفَعنَاهُ بِهَا وَلكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأرضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِلْ عَلَيهِ يَلهَثْ أَو تَترُكْهُ يَلهَثْ ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [الأعراف:175].

 

واتِّباعُ الهوى هو الذي يَزِينُ الباطِل، وَيَجمِّلُ القَبِيحُ، قال جلَّ وعلا: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهوَاءَهُم} [محمد:14].

 

واتِّباع الهوى هو السرُّ في عدم توبةِ كثيرٍ من النّاس مع وضوح الطّريق المستقيم، وظهورِ الحقِّ المبين، وما يزالُ العبدُ يتمادا مع هواه ويخضعُ له، حتى يصيرَ ذلك الهوى صنمًا في قلبه يعبدهُ من دون الله، تأمل: {أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهدِيهِ مِن بَعدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23].

 

وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج ناسٌ من أمته، لا يتحركون حركةً إلا بهوى، ولا ينطقونَ كلمةً إلا عن هوى، فكلُ حياتهم هوىً في هوى، قال عليه الصلاة السلام: «ألا وإنه يخرجُ في أمتي قومٌ يهوون هوىً يتجارى بهم ذلك الهوى كما يتجارى الكلَبُ بصاحبه، لا يدعُ منه عِرقًا ولا مِفصلًا إلا دخله».. والحديثُ صحّحهُ الألباني.. والمعنى: إنَّ حِرصَهم على اتِّباعِ الهوى يكون مِثلَ سُرعةِ انتشارِ داء الكلَب في جسد المصاب.

ثم إن النَّبِيّ الكريم صلى الله عليه وسلم، رسمَ للمسلم شخصيةً مُستقلةً مُتميزة، ينفردُ بها عن غيره، لا يكونُ فيها تابعًا لأحدٍ غيرَ الله، حتى في أدق الأمور وأصغرها، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18]، وقال جلَّ وعلا: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [الشورى:15].. وقال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:150]..

 

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله، وَاستَعِيذُوا بالله مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ، واسمعوا بقلوبكم وصيةَ نبيكم صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الصحيح: «إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبحُ الرجلُ فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي».

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُون} [سورة الزخرف:43].

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

 

اللهم صل على محمد…

________________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالله محمد الطوالة


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *