الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على أن الجهاد فرض عَيْن على كل مسلم قادر لدفع العدو المغتصب لأرض المسلمين، فيتعين الجهاد على أهل المحلة ثم على مَنْ يليهم من المسلمين، وهكذا، عرباً أو عجمًا حتى يأذن الله بالتخلص من العدو؛ قال – تعالى -: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190]، وقال سبحانه: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191]، وقال سبحانه: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: 75]، وقال – تعالى -: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 91]، وقال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39]، وقال -عز وجل-: الى -: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41]”، وقال – تعالى -: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 39-40].
{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ* وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 14، 15]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِ} [الصف: 10 – 13]، فالجهاد محمود عواقبة في الدنيا بالنصر والفتح؛ وفي الآخرة بدخول الجنة النجاة من النار؛ ولذلك قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف: 4]، ففي الجهاد حكمة عائدة إلى الله تعالى، وفيه رحمة للعباد؛ ومن ثمّ قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحجرات: 15]، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاِقِينَ} [التوبة: 24]، وقال: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [التوبة: 19، 20].
فالمسلمون لا ينالون بترك الجهاد منفعة، بل لا يحصلون إلا الذل والهوان وخسارة الدنيا والآخرة، وتلحقعهم سنة الاستبدال؛ قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]، وقال: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35].
والحاصل أن ذكر الجهاد في الكتاب والسنة، وذِكر فضائله، ونصرة المظلومين، وإعلاء كلمة الدين، وبيان محاسن الإسلام وأحكامه العادلة، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور= أكثر من أن يحصر، وقد نقل الأئمة الأعلام إجماع المسلمين على أن الكفار إذا دهموا بلاد المسلمين، تعين جهادهم، ووجب دفعهم عن بلاد المسلمين.
قال أبو محمد بن حزم “مراتب الإجماع” (ص 200): “واتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة الإسلام وقراهم وحريمهم، إذا نزلوا على المسلمين= فرض على الأحرار البالغين المطيقين”.
وجاء في غياث الأمم” (ص: 258) لإمام الحرمين: “فأما إذا وطئ الكفار ديار الإسلام فقد اتفق حملة الشريعة قاطبة على أنه يتعين على المسلمين أن يخفوا ويطيروا إلى مدافعتهم زَرَافات وَوِحْدَانًا”.
وقال شيخ الإسلام في “الاختيارات الفقهية” (ص 309): “وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعًا”.
وقال أيضًا في “الفتاوى المصرية” (4/ 507): (. . . فأما إن هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعًا”.
وجاء في “الإنصاف” (10/ 14) للمرداوي: “ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد، أو حضر العدو بلده تعيَّن عليه بلا نزاع”.
فالواجب على جميع المسلمين في تلك الأقات العصيبة الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة الصادقة، وبذل الوسع، والاستعداد للجهاد في سبيل الله، وومساعدة المجاهدين بكل ما نستطيعه؛ فالجهاد هو أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، وأفضل بذلت فيه الأنفس والأموال؛ حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: “رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد”؛ رواه أحمد، وعن أنس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: “جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم”؛ رواه أحمد وأبو داود.
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض”.
وروى البخاري أيضًا قال – صلى اللَّه عليه وسلم-: “من اغبرَّت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار”، وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: “رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه وأُمن الفتان”.
وروى أصحاب السنن قال صلى الله عليه وسلم: “رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل”، وقال صلى الله عليه وسلم: “عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرص في سبيل الله”؛ رواه الترمذي وحسنه.
ويكفي أنه لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها مثل ما ورد فيه؛ ففي الصحيحين: أن رجلا قال: يا رسول الله أخبرني بشيء يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: لا تستطيع، قال: أخبرني به؟ قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم لا تفطر، وتقوم لا تفتر؟ قال لا، قال: “فذلك الذي يعدل الجهاد”.
وهذا أيضًا ظاهر عند الاعتبار؛ فنفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا والآخرة، والمجاهد بين إحدى الحسنيين دائمًا، إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة؛ قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].
إذا تقرر هذا؛ ظهر جليًا أن العلاج الناجع لاسترداد فلسطين، ومقدسات الإسلام، ليس بالجوء إلى الغرب الكافر، ولا لمجلس الأمن، ولا للشرعية الدولية التي هي مرادفة لشريعة الغاب؛ فهم يدٌ واحدة مع أعداء الله من اليهود ضد المسلمين، وقد ظهر هذا جليًا لكل ذي عينين.
ويكفي أن نعلم أن مجلس الأمن منذ إنشائه إلى الآن أصدر أكثر من 120 قرارًا ضد إسرائيل، لم يتفذ منها شيء، ولا عجب في دعم الغرب الكافر الحاقد على الإسلام والمسلمين، وإنما العجب أن يعلق المسلم أملاً على عدوه، وإنما الأمل في الله ثم في رباط المجاهدين الصامدين في وجه الغرب الكافر الذي يمد الكيان الصهيوني بكل ما يحتاجه.
فالسبيل القويم هو صحوة الأمة، وإحياء فريضة الجهاد؛ ليتحقق وعد الله، وبشارات القرآن العظيم؛ قال الله تعالى في شأن هؤلاء اليهود: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}[آل عمران: 112]، وقال: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64]، ثم يحكم الله عليهم حكمًا أبديًا، ينصب على رؤوسهم ورؤوس أوليائهم من الكفار: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ* وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 167، 168].
فوعد الله قائم لا يتخلف، ينتظر العصبة المسلمة التي تحمل الراية، وتمضي مبتدئة من نقطة البدء التي بدأت بها خطوات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حاملاً دين الحق، متحركًا بنور الله، متحملاً ما يلقاه في سبيل ذلك من العنت والألم والشدة والضر، بله الموت! ثابتين على عقيدتهم، لم تزعزعهم شدة، ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق المحنة والفتن؛ كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَاًتِكُم مَّثَلُ الَذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَاًسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}[البقرة: 214]، حينئذ يحققوا نصر الله تعالى.
أما اليهود والغرب الكافر فسيجعل كيدهم في نحورهم، ويعلي كلمته، ويخذلهم أمام العصبة المؤمنة، الذي منّ الله عليهم بالإسلام، واختار لهم دينه القيم، واستعملهم لاستئصال كل من أراد أن يطفئ نوره، وينصر دينه؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36]، وقال سبحانه عن كفرة أهل الكتاب: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}[التوبة: 32]، فعداوة المشركين، وكيدهم ومكرهم، ومبارزتهم لله ولرسوله، وسعيهم في إطفاء نوره وإخماد كلمته، ونصرهم الكفرة= سيعود عليهم حسرة وندامة، ويجعل كيدهم في نحورهم، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وينصر دينه، ويعلي كلمته.
قال صاحب الظلال (1/ 447): “وهذا ما ينبغي أن تدركه الامة المسلمة؛ لتعرف حقيقتها وقيمتها، وتعرف أنها أخرجت لتكون طليعة، ولتكون لها القيادة بما أنها خير أمة؛ الله يريد أن تكون القيادة للخير لا للشر في هذه الارض، ومن ثم لا ينبغي لها ان تتلقى من غيرها من امم الجاهلية، إنما ينبغي دائماً ان تعطي هذه الامم مما لديها، وأن يكون لديها دائماً ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح، والتصور الصحيح، والنظام الصحيح، والخلق الصحيح، والمعرفة الصحيحة، والعلم الصحيح. هذا واجبها الذي يحتمه عليها مكانها، ويحتمه عليها غاية وجودها، واجبها ان تكون في الطليعة دائماً، وفي مركز القيادة دائماً، فهي خير أمة أخرجت للناس، لا عن مجاملة، أو محاباة، ولا عن مصادفة أو جزاف -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- وليس توزيع الاختصاصات والكرامات كما كان أهل الكتاب يقولون: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]، كلا انما هو العمل الايجابي لحفظ البشرية من المنكر، واقامتها على المعروف مع الإيمان الذي يحدد المعروف والمنكر”.
هذا؛ والله أعلم.
Source link