السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما الاستعداد على المسلم تجاه لفظ “الإله” عند الديانات الأخرى ؟ كانت وضعية أم سماوية محرفة مثل اليهودية والنصرانية؟ عند الهندوس مثلا نجد لفظ “برميشوار” ومعناه الإله المطلق ؛ هل يعني هذا يعني يقصدون اللَّه عزوجل بهذا المفهوم ؟ وبارك الله فيكم
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فمما لا شك فيه أن الأديان التي يدين بها البشر باعتبار النظر في المعبود تنقسم إلى: ديانات سماوية تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ولا يوجد إلا الدين الإسلامي. ثم ديانات سماوية محرفة وهي اليهودية والنصرانية، وقد غدت بعد التحريف والتبديل كتب شرك؛ كما قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[التوبة: 30، 31]، فإن الله عز وجلَّ أوكل حفظ التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزلة إلى أهلها، ومن ثمّ دخلها الخرم والنقصان والزيادة؛ قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} [المائدة: 44].
أما الديانات الوثنية الأرضية التي من وضع البشر، وقائمة على تقديس المخلوقات، كالبراهمة، الهندوكية والبوذية والكونفوشيوسية، والسيخية، وغيرها كثير.
أما الواجب على المسلم تجاه هؤلاء الكفار سواء أصحاب الديانات السماوية المحرفة، أو الديانات الأرضية المخترعة= الواجب عليه هو البراءة منها ومن أهلها ومما يعبدون من دون الله.
والحاصل أن أصل شرك العالم هو عبادة الأشخاص ثم الكواكب، فغلوا في تعظيم البشر أو القبور، أو بعض المخلوقات كمن يعبد النجوم، ويعتقد فيها النحوس والسعود. وليس الشرك هو اعتقاد وجود رب مساوٍ لله تعالى، فإن هذا لم يعتقده أحد من بني آدم، فهم معترفون بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض، وهو ربها ومدبرها، وهم مع هذا قد اتخذوا من دونه أولياء يعبدونهم، وأولئك الآلهة لا تملك لأنفسها ولا لعابديها بطريق الأولى نفعًا ولا ضرا، أي لا تحصل لهم منفعة ولا تدفع عنهم مضرة؛ كما تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ* وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ* وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ* إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ} [الأعراف: 191 – 195]، وقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]، وقال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].
وقال سبحانه: { قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16]، فجميع المشركون معترفون أنه بذلك؛ حتى أن مشركوا العرب كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك.
قال الله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ* قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84 – 89]، ومع هذا فقد أشركوا معه في الإلهية، فعبدوا غيره معه مع اعترافهم أن الذين عبدوهم لا يخلقون شيئًا، ولا يملكون شيئا، لظنهم أنهم يقربونهم إلي الله؛ كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].
فالمشرك يميز بين الإله الحق وبين الآلهة المخلوقة؛ ففي “سنن الترمذي” عن عمران بن حصين، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: “يا حصين كم تعبد اليوم إلهًا؟”، (قال أبي: سبعة، ستة في الأرض وواحدًا في السماء. قال: “فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟” قال: الذي في السماء)، هذا قول المشركي، وهو قول وحال كل مشرك، كما تقول اليهود والنصارى: نحن نعبد الله، ويظنون أن عبادتهم مع الشرك به عبادة!
والحاصل أن المشركين مقرّونٌ بربوبية الله له، وإن كانوا مع ذلك كفارًا من وجه آخر؛ قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: 67]، وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس: 12]، ونظائره في القرآن كثيرة.
وعليه فلفظ الإله عند المشركين يراد به معبوداتهم الباطلة كوسائط وشفعاء عند الله،، والله أعلم.
Source link