فلو أردنا أن نَصِفَ الأسرة في كلماتٍ، لَقُلْنا: الأسرة أمان… الأسرة سكن وسكينة… الأسرة حِضن ومصنع لبناء الأفراد والمجتمعات…
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]؛ أما بعد أيها المؤمنون:
فهل تدرون متى تَقَرُّ عينُ إبليس؟
أتدرون من الذي يحظى مِن شياطينه بالقرب منه؟
استمعوا إلى حديثِ مَن لا ينطق عن الهوى؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليسَ يَضَعُ عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين امرأته، قال: فيُدنيه منه ويقول: نَعَمْ، أنْتَ»؛ (رواه مسلم).
عباد الله:
يبيِّن لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن رأس الشياطين وسيَّدهم يرسل جنوده وشياطينه في نواحي الأرض؛ ليُوَسْوِسوا للناس، ويُضِلوهم عن دينهم وعن الطريق المستقيم، فيكون أقرب الشياطين إلى إبليس هو أكثر الشياطين إضلالًا للناس، وإبعادًا لهم عن الحق، فيجيئه أحد هؤلاء الشياطين الذين بعثهم لفتنة بني آدم، فيذكر له الشيطان ما فعله من أصناف الفتن والإضلال، فلا يقنع بذلك إبليس وكأنه يستقلها منه، ثم يجيء شيطان آخر فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته؛ أي: ما تركت الزوج حتى جعلته يطلِّق زوجته، أو جعلتها تطلب الخلع منه، وهدمتُ الأُلفة والمودة التي كانت بينهما بإلقاء العداوة والبغضاء بينهما، فيقرِّبه إبليس منه، وينزله منزلةً أعلى من أقرانه، ويمدح فعله في التفريق بين الزوجين بقوله: “نعم أنت”؛ لأنه يعلم أن في التفريق بين الزوجين وتفكيك الأسرة المسلمة من المفاسد الشيءَ الكثير؛ كانقطاع النسل، وانعدام تربية الأطفال والأولاد، وما يحتمل من وقوع وانتشار الزنا، الذي هو أفحش الكبائر وأكثرها فسادًا، وما في ذلك من التباغض والتشاحن وإثارة العدوات بين الناس.
أيها المسلمون:
بعد أن رأينا ما تقر به عين إبليس – وهو العدو الأول لبني آدم – دعونا نستمع إلى كلام ربنا تعالى، وإلى حديث نبينا صلى الله عليه وسلم؛ يقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]؛ فالزواج: سكن، ومودة، ورحمة.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم حاثًّا الشبابَ على الزواج وتكوين الأسرة: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاءٌ»؛ (رواه البخاري).
ويقول صلى الله عليه وسلم حاثًّا أولياء البنات على تيسير وتسهيل الزواج، إذا كان الخاطب صاحب دينٍ وخُلُقٍ: «إذا خُطِبَ إليكم مَن ترضَون دينه وخُلُقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض»؛ (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
فالزواج وتكوين الأسرة المسلمة، وتنشئة الأولاد على الصلاح وطاعة الله؛ هذا من مقاصد الشرع العظيمة.
وفي المقابل، التنفير من الزواج، والدعوة إلى الطلاق أو الخلع دون سبب شرعي، والدعوة إلى استقلالية كل فرد في الأسرة دون ترابط وتكاتف؛ كل هذا مخالف للإسلام، ومخالف لمقاصد الشرع التي بالتزامها تتحقق السعادة في الدنيا والآخرة.
فلو أردنا أن نَصِفَ الأسرة في كلماتٍ، لَقُلْنا:
الأسرة أمان… الأسرة سكن وسكينة…
الأسرة حِضن ومصنع لبناء الأفراد والمجتمعات…
الأسرة هي قلب المجتمع، إذا صلحت، صلح المجتمع، وإذا فسدت وغفلت، فسد وغفل المجتمع.
عباد الله:
من الوسائل لتثبيت دعائم الأسرة، وتعزيز مكانتها، وتقويتها:
• حث الشباب والفتيات على الزواج، وتوعيتهم بأن الزواج سبب للسعادة الدنيوية والأخروية، وأنه امتثال وطاعة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه سبب للرزق؛ كما في الحديث: الصحيح: «ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف»؛ (رواه الترمذي).
كما يجب على الفتيات وأوليائهن تسهيل وتيسير الزواج، والبعد عن المفاخرة والمغالاة في المهور والاحتفالات.
ومما ينبغي على الأزواج والْمُقْبِلين والْمُقْبِلات على الزواج:
أن يتعلموا أحكام الزواج والمعاشرة وتربية الأولاد؛ كما في قول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرُك –أي: لا يُبْغِض– مؤمن مؤمنةً، إن كرِهَ منها خُلُقًا، رضِيَ منها آخر، أو قال: غيره»؛ (رواه مسلم).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ألَا كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألَا فكلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته»؛ [متفق عليه].
ويقول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
ويقول صلى الله عليه وسلم: «ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة»؛ (رواه مسلم).
وفي النفقة على الأهل والأولاد؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا أنفق المسلم نفقةً على أهله، وهو يحتسبها، كانت له صدقةً»؛ (متفق عليه).
ولما سُئِلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: «كان يكون في مهنة أهله – تعني: خدمة أهله– فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة»؛ (رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»؛ (رواه الترمذي).
نسأل الله أن يملأ بيوتنا مودة ورحمة وإيمانًا ويقينًا، وأن يجعلنا من الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.
_______________________________________________________
الكاتب: تركي بن إبراهيم الخنيزان
Source link