منذ حوالي ساعة
أمر الله تعالى عباده في كتابه بالتوكل عليه، وأثنى على من توكل عليه، وجعل التوكل صفة من صفات أنبيائه وأصفيائه، ووعد الأجر والكفاية على من توكل عليه…
لم يخلق الله تعالى الجن والإنس إلا لعبادته، قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} } [الذاريات: 56]. والعبادة كما عرفها ابن تيمية: “هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة”، وذلك يعني أن كثيرًا من الأمور التي يأتي بها المرء هي عبادة لله تعالى، كالصلاة والزكاة، والصيام والحج، وبر الوالدين، والإحسان إلى الخلق، وغير ذلك كثير، وأعلى درجات العبادة وأجلها توحيدُ الله تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، ومن توحيده سبحانه وتعالى: دعاؤه والتضرع إليه، والذبح والنذر له وحده، والاستعانة والاستغاثة به، ومنه أيضًا: حسن التوكل عليه جل وعلا.
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في الحض على التوكل وبيان فضله، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا، وتروح بطانًا» (رواه الترمذي وأحمد).
وقال صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم» (رواه ابن ماجه).
وإذا كان التوكل من أعمال القلب وأنه صدق اعتماده على الله تعالى؛ فهذا يعني أنه لا منافاة بين التوكل والأخذ بالأسباب، ذلك أن التوكل خاص بالقلوب والأخذ بالأسباب خاص بالجوارح، فمن ركن إلى عمل القلب وحده فهو المتواكل المخطئ في فهم التوكل، ومن ركن إلى الأسباب وحدها واعتمد عليها فقد أخطأ أيضًا وأشرك بالله تعالى.
قال سهل بن عبد الله: “من طعن في الحركة فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان”. فالسنة دالة على أنه صلى الله عليه وسلم تحرك وعمل وأخذ بالأسباب ولم يجلس في بيته وينتظر النصر والرزق، ومثل ذلك من طعن في التوكل الذي هو عمل القلب فقد طعن في الآيات السابقة التي تدل عليه وتحض عليه. قال ابن القيم: “ومن هاهنا ظن من ظن أن التوكل لا يصح إلا برفض الأسباب، وهذا حق، لكن رفضها عن القلب لا عن الجوارح، فالتوكل لا يتم إلا برفض الأسباب عن القلب، وتعلق الجوارح بها، فيكون منقطعًا منها، متصلًا بها”.
وفي سفره ذاك أخذ معه صلى الله عليه وسلم زادًا من طعام وشراب مع إيمان قلبه بأن الرازق هو الله تعالى، وقبل من أبي بكر الراحلتين التين هيأهما أبو بكر لسفرهما، وكل ذلك عمل منه صلى لله عليه وسلم بالأسباب، مع صدق اعتماد قلبه على الله تعالى إذ لا منافاة بين عمل القلب وعمل الجوارح كما ذكر.
Source link