القلب السَّليم هو الذي سلم من الشِّرك والغلِّ، والحقد والحسد، والشحِّ والكِبر، وحبِّ الدُّنيا والرِّياسة، فسلم مِن كلِّ آفةٍ تبعده عن الله، وسلم مِن كل شُبْهةٍ تعارض خبره، ومِن كلِّ شهوةٍ تعارض أمره…
قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89] قال العلامة ابن القيم رحمه الله: والقلب السَّليم هو الذي سلم من الشِّرك والغلِّ، والحقد والحسد، والشحِّ والكِبر، وحبِّ الدُّنيا والرِّياسة، فسلم مِن كلِّ آفةٍ تبعده عن الله، وسلم مِن كل شُبْهةٍ تعارض خبره، ومِن كلِّ شهوةٍ تعارض أمره، وسلم مِن كلِّ إرادةٍ تزاحم مراده، وسلم مِن كلِّ قاطعٍ يقطع عن الله، ولا تتمُّ له سلامته مطلقًا حتَّى يسلَم مِن خمسة أشياءٍ: مِن شركٍ يناقض التَّوحيد، وبدعةٍ تخالف السُّنَّة، وشهوةٍ تخالف الأمر، وغفلةٍ تناقض الذِّكر، وهوًى يناقض التَّجريد والإخلاص.
وجاء في تفسير الطبري قوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89] يقول: ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع إلا القلب السليم، والذي عني به من سلامة القلب في هذا الموضع: هو سلامة القلب من الشك في توحيد الله، والبعث بعد الممات، كما ذكر بعضًا من أقوال أهل التأويل مثل مجاهد قال: ليس فيه شك في الحق، وقتادة قال: سليم من الشرك، والضحاك قال: هو الخالص، وابن زيد قال: سليم من الشرك، فأمَّا الذنوب فليس يسلم منها أحد.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسد مُضْغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب»؛ (رواه البخاري ومسلم)، ذَكَر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَلمةً جامعةً لصَلاحِ حرَكاتِ بَني آدَمَ وفَسادِها؛ وهي أنَّ أساسَ صلاحِ الجَسدِ كُلِّه وأساسَ فسادِه مبنيٌّ على صلاحِ القَلْبِ وفَسادِه؛ فإذا صلَحَ القلبُ صلَحَت إرادتُه، وصلَحَت جَميعُ الجوارحِ، فلم تَنبعِثْ إلَّا إلى طاعةِ اللهِ، واجتنابِ سَخَطِه، فقَنِعَتْ بالحلالِ عن الحرامِ، وإذا فسَد القلبُ فسَدَت إرادتُه، ففسَدَتِ الجوارحُ كلُّها، وانبعثَتْ في مَعاصي اللهِ عزَّ وجلَّ، وما فيه سَخَطُه، ولم تَقنَعْ بالحلالِ، بلْ أسرَعَتْ في الحرامِ بحسَبِ هَوى القلبِ ومَيلِه عنِ الحقِّ.
فالقلب بمدلوله المادي هو قوام حياة الجسد، إذا صلح، صلح الجسد كله، وإذا فسد، فسد الجسد كله، والقلب بمدلوله المعنوي قوام العواطف، والعقائد والمفاهيم، والأفكار وركائز الأخلاق، وضوابط السلوك، فإذا صلح صلحت كل هذه الزوايا، وبصلاحها يصلح الجسد كله! فإذا صلحت حقيقة الإنسان المدرك العالم صلح أمره كله، وإذا فسدت فسد أمره كله؛ يقول الله سبحانه وتعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22]، وهو المبني على دعائم الإسلام، والإيمان، فأفهمنا الله تعالى بذلك النور أن للقوب أبصارًا، كما في قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
ما هي علامات القلب السليم؟
لكلِّ شيءٍ ما يميِّزه، والقلب السليم له علاماتٌ تميِّزه عن غيره من القلوب، ومن علامات القلب السليم:
• أنَّه قلبٌ تائبٌ عائدٌ إلى الله تعالى. أن يكون القلب خاليًا ومُحافظًا عليه من الأخلاق الذميمة، وذلك بألَّا يكون حاملًا في داخله البغض للآخرين.
• أن يكون القلب دائم الرِّضا والقناعة لتقادير الله تعالى في أمور الإنسان.
• أن يعرف القلب حاله في الدنيا، فيعلم أنَّ الدنيا محطَّةٌ وتنتهي، وأنَّ قلبه معلَّقٌ بالآخرة.
• أنَّ القلب لا يكون سعيدًا إلَّا بالقرب من الله تعالى، وحبِّه، والتوكُّل عليه، والاطمئنان بقُربه.
• أنَّ القلب السليم دائم ذكر الله تعالى، والاطمئنان بذكره.
• أنَّ القلب السليم يكون في حالة كدرٍ وتعبٍ وضيقٍ؛ إذا انقضى يومٌ من أيَّامه دون قراءة ورده اليومي.
• أن يكون القلب السليم هدفه إرضاء الله تعالى، وأن تكون كلُّ حياته لله تعالى.
• أنَّ المسلم إذا بدأ في أداء الصلوات اليوميَّة، اطمأنَّ قلبه وشعر بالفرح والسعادة، وحصلت له الراحة والسكينة.
• أنَّ القلب السليم يتألَّم إذا ارتكب ذنوبًا ومعاصي، حتى ولو كانت صغيرةً.
• أن يكون همُّ القلب السليم إتقان العمل، والإحسان في أدائه.
• أنَّ القلب السليم هو الذي يؤمن بوجود يوم القيامة، وأنَّه حقٌّ وهو آتٍ لا محالةٍ. القلب السليم هو القلب الذي لا يؤذي مَن حوله من الناس.
كيف يكون قلبي سليمًا؟
من وُفِّق إلى العمل الصالح، كان ذلك دليلًا على سلامة قلبه، وعَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الأَزَدِي يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الخَوَّاصَ يَقُولُ: «دَوَاءُ القَلْبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: قِرَاءَةُ القُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ، وَخَلَاءُ الْبطْنِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ السَّحَرِ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ».
ومما يعين على سلامة القلب:
1- الإخلاص، وهو الرغبة فيما عند الله تعالى، والزهد في الدنيا وزخرفها.
2- رضا العبد بما قسمه الله تعالى: قال ابن القيم: إن الرضا يفتح له باب السلامة، فيجعل قلبه سليمًا نقيًّا من الغش والدغل والغل.
3- قراءة القرآن وتدبُّره.
4- تذكُّر الحساب والعقاب.
5- الدعاء: فعلى المسلم أن يلتزم هذا الدعاء لنفسه، وأن يدعو به لإخوانه المسلمين {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
6- حُسْن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل.
7- إفشاء السلام.
8- محبة الخير للمسلمين.
9- ترك الاستماع للغيبة والنميمة والإنكار على مرتكبهما، حتى يبقى قلب الإنسان سليمًا.
قال ابن العربي: لا يكون القلب سليمًا إذا كان حقودًا حسودًا معجبًا متكبرًا، وقد شرط النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
وسُئل ابن سيرين رحمه الله تعالى: ما القلب السليم؟ فقال: الناصح لله في خلقه.
وقال زيد بن أسلم: دُخل على أبي دجانة رضي الله عنه وهو مريض وكان وجهه يتهلَّل، فقيل له: ما لوجهك يتهلَّل؟ فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين.
أما إحداهما: فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني. وأما الأخرى: فكان قلبي للمسلمين سليمًا.
اللهم ارزقنا قلوبًا سليمة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
Source link