ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها

إن الله سبحانه أمَرَ العباد بالصلاح والإصلاح، ونهاهم عن الغي والفساد؛ قال الله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}

إن الله سبحانه أمَرَ العباد بالصلاح والإصلاح، ونهاهم عن الغي والفساد؛ قال الله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].

 

والفساد – عباد الله – إخراج الشيء عن صلاحه، والفساد هو سبيل الشيطان الذي هو باب المعاصي والآثام، باب الشهوات والشبهات، وطريق البدع والمحدَثات، وطريق الغيِّ والضلال، وأعظم فسادًا وأسوأ ضلالًا هو الشرك بالله تعالى بجميع صوره وتعدد أشكاله: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [طه: 74].

 

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها:

بعد أن أصلحها الله عز وجل لعباده بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبيان الحجة، واتضاح المحجة.

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها:

باتباع خطوات الشيطان، وطاعته، والسير في طريقه.

 

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها:

بالمجاهرة بالمعاصي والذنوب، والتبجُّح بها، والتمرد على الله بها: «كل أُمَّتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» [1].

 

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها:

بانحراف القيم، وفساد الأخلاق، والبعد عن الفضائل، وارتكاب الرذائل، والوقوع في مُضِلَّات الفتن: «ستكون فتنٌ، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشَّرف لها تَسْتَشْرِفُه، فمن وجد ملجأً أو معاذًا، فَلْيَعُذْ به» [2].

 

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها:

بالزنا والفواحش: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].

 

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها:

بأكل الرِّبا الذي حرمه الله، وأبدى فيه وأعاد: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: “آكِلُ الربا يُبعث يوم القيامة مجنونًا يُخنق”.

 

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها:

بالغش والخداع، في أنواع التجارات، والتطفيف، وأخذ أموال الناس بغير حق: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1 – 3].

وأهَلَكَ الله عز وجل قوم شعيب، ودمرهم على ما كانوا يبخسون الناس في المكيال والميزان.

 

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها:

بظلم الناس، والبغي عليهم، والاستطالة على حقوقهم وأعراضهم وأموالهم: ﴿إِ {نَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 42]: إنما السبيل؛ أي: العنت والمشقة.

 

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها:

بتضييع الصلوات وتركها، والاستهانة بأوقاتها وشأنها، وهجر المساجد، وعدم عمارتها بالصلاة والذكر: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].

فالصالح – عباد الله – لا يتهاون في صلاته، ولا يترك الجماعة ولا الجمعة.

 

عباد الله: إن الله لا يحب المفسدين، والله لا يحب الفساد، فاسلكوا طريق الخير والصلاح، فإذا أراد الله عز وجل هداية عبده، وفقِه مواطن الخير والصلاح، وسلك به سبيل الرشاد والفلاح، فلا بد للعبد أن يبذل أسباب الخير والهدى، وأن يحرص على لزوم البر والتقوى، فثَمَّ سعادته.

 

أما بعد عباد الله:

فإن الإصلاح والنهي عن الفساد هو ما كان عليه الأنبياء والمرسلون والصالحون من عباد الله الناصحين المصلحين، فإن النهي عن الفساد في الأرض سببٌ لعمران البلاد، ونعيم العباد، وهذه الخَصلة العظيمة – وهي النهي عن الفساد في الأرض – واجب كل مسلم ذَكَرًا كان أو أنثى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: 116].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيِّروه، أوشك أن يعُمَّهم الله بعقابه» [3].

 

وأولُ صلاحٍ – عباد الله – أن تبدأ بنفسك؛ إذ صلاحك صلاح الأسرة، وصلاح الأسرة صلاح المجتمع، فليجتهد كل منا في إصلاح نفسه وتقويمها، مع أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وليغير المرء من حاله إلى حال أفضل، حتى يكون مرضيًّا عند ربه.

 

عباد الله:

إن من الفساد في الأرض إطلاق الشائعات، وبث الأخبار الكاذبة، والتحليلات الظنية التي لا تنفع الناس، بل تضرهم وتبث فيهم الإحباط، واليأس، ويدِب فيهم الخوف والفزع.

 

فليتَّقِ اللهَ العبدُ، فلا يَفُهْ إلا بما هو خير، وليبعث التفاؤل الذي هو الكلمة الطيبة، ومنه الدعاء الحسن.

نعوذ بالله من زعزعة الأمن، واختلاط الأمور، ونسأل الله تعالى اجتماع الكلمة، وتوحُّد الأمة على الخير.

 

عباد الله، لا تنسَوا إخوانًا لنا في غزةَ من دعاء طيب، نتضرع به إلى الله أن يكُفَّ عنهم السوء والشر، وأن يَدْحَرَ عدوهم من يهود مفسدين، وصهاينة غاصبين، وأن نمد يد المساعدة وجوبًا لإخواننا في غزة بما نقدر عليه من معونة، ولا سيما في هذا الشتاء البارد، ومنهم المرضى، ومنهم المشردون، والله المستعان، ولا ننسى كذلك إخوانًا لنا في السودان، وإخوانًا لنا في اليمن، وإخوانًا لنا في فلسطين، وغيرها من بلاد المسلمين، والله المستعان.

 


[1] البخاري, 6069

[2] البخاري, 7082

[3] أخرجه أبو داود (4338)

________________________________________________________
الكاتب: وليد مرعي الشهري


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *