وقفة مع العام الجديد – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

إن الجدير بكل عاقل أن يقِفَ عند نهاية عامه، كما يقف التاجر الحازم الذي يقف كل عام يناقش نفسه وموظفيه، وينظر ربحه وخسارته، ثم يعزز الجوانب الإيجابية، ويعالج الجوانب السلبية

الحمد لله القائل: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 61، 62]، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فقد انقضى عام كامل من أعمارنا، بل من عمر الدنيا بأسرها، وكل عام مضى يدني من الأجل، وهو شاهد بما كان فيه، فهل سأل أحدٌ منا نفسه: هل كان ذلك العام شاهدًا له أم شاهدًا عليه؟ هل كانت حسناته فيه أكثر أم سيئاته؟ ألسنا مسؤولين عن ذلك؟ قال الله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يوم الْقِيَامَةِ حتى يُسْأَلَ عن عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ فيه، وَعَنْ مَالِهِ من أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» [1].

 

إن الجدير بكل عاقل أن يقِفَ عند نهاية عامه، كما يقف التاجر الحازم الذي يقف كل عام يناقش نفسه وموظفيه، وينظر ربحه وخسارته، ثم يعزز الجوانب الإيجابية، ويعالج الجوانب السلبية، بل إن الذي يتاجر مع الله أحوج بكثير للمحاسبة؛ لأن خسارته لا تُجبَر ولا تعوَّض، وتكون عواقبها وخيمة، أما المتاجر مع الناس، فإنه إن خسر عامًا، عوَّض في عام آخر، ولن تتعدى آثار خسارته هذه الحياة الدنيا.

 

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أنفسكم قبل أن تُوزنوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر يوم تُعرضون لا يخفى منكم خافية”[2]؛ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18].

 

إن المحاسبة آخر العام المنصرم أو أول العام الجديد مهمة جدًّا؛ حتى لا تضِيعَ علينا الأعوام عامًا بعد عام، ونحن غارقون في غفلتنا، مواصلون لأخطائنا غير ملتفتين إلى تحسين وضعنا؛ {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: 200 – 202]، فليس المتقي هو من لا يصدر عنه ذنب أصلًا، ولكن من يحاسب نفسه، ويتذكر أمره، ويتوب من قريب، ويرجع قبل فوات الأوان، أما الغافل الخاسر، فهو الذي يُحرَم من الذكر، ويغفل عن المحاسبة، ويصر على الاستمرار في الخطأ.

 

إنه حريٌّ بنا ألَّا يكون عامنا الجديد كعامنا الماضي، أو أسوأ منه، بل يجب أن يكون خيرًا منه في كل نواحي حياتنا، إن العام الماضي قد حصد العشرات من أقاربنا وإخواننا ومعارفنا، فضلًا عن مئات الآلاف ممن لا نعرفهم، ولا نأمن أبدًا أن يحصدنا هذا العام، كما حصد العام الماضي غيرنا؛ فعلى أي حال نريد أن نلقى الله؟

 

إن التخطيط في استغلال العام في النافع المفيد المقرِّب من الله، والموجب للأجر والثواب – هو واجب كل من يؤمن بالله واليوم الآخر؛ وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].

 


[1] رواه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، وقال: حديث حسن صحيح، ج: 4، ص: 612، برقم: 2417، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم (3592).

[2] مصنف ابن أبي شيبة، ج: 7، ص: 96، رقم: 34459، والترمذي في سننه (4/ 638)، رقم: 2459.

__________________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *