لا تستبطئوا النصر – إيمان الخولي

نعم الكل يتمنى النصر لكن كثيرا من الناس إذا طلبوا النصرة فلم يعطوها تعجبوا وصار عندهم شك ألسنا على حق وأليسوا على باطل فلماذا تأخر النصر ؟ هؤلاء المتعجبون هل سألوا أنفسهم سؤالاً واحداً

نعم الكل يتمنى النصر لكن كثيرا من الناس إذا طلبوا النصرة فلم يعطوها تعجبوا وصار عندهم شك ألسنا على حق وأليسوا على باطل فلماذا تأخر النصر ؟ هؤلاء المتعجبون هل سألوا أنفسهم سؤالاً واحداً: وهل نستحق النصر ؟! قال تعالى :” { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [40]

فهل تحقق ذلك الشرط وهو نصرة الله أم أننا مازل أمامنا الكثير حتى نتصالح مع الله ونرجع إليه

إن الله لا يريد أن يتنزل النصر على عباده سهلا بلا عناء حتى وإن كانوا يصلون ويصومون ويقرءون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء كلما وقع عليهم اعتداء فهذه العبادات وحدها لا تكفى ليتنزل النصر إنما هى الزاد الذى يتزودون به فى مواجهة الباطل

تأمل قول الله تعالى فى كتابه العزيز { ” إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ”}  ثم أعقبها  آيه الإذن بالقتال  فلماذا إذن  يطلب الجهد البشرى فى تحقيق النصر؟ولماذا  الجهاد والجرح والقتل ؟وهو الذى يدافع عنهم ويحميهم من عدوهم  بدون مشقة ولا تضحيات كما بينت الآيات  إنها حكمة الله فى الجهاد لتكون كلمة الله هى العليا

فلابد من بذل الجهد والوصول لأقصى ما تملكه الأمة  من طاقة حتى يتم نضجها وتتهيأ لحمل الأمانة والقيام بها فالنصر الذى يأتى سريعا يضيع سريعا  فلابد من أن يذوقوا طعم الهزيمة حتى يعرفوا قيمة  النصر ويحتفظوا به لسنوات طويلة لأن الذى اعتاد النعيم لماذا يبذل الجهد ويضحى ؟

من هنا نقول قد يبطىء النصر لأن الأمة لم تنضج بعد ولم تتوحد صفوفها وكلمتها على كلمة واحدة  تراهم حين يتنازعون ويختلفون هل يحتكمون إلى شرع الله على مستوى الفرد  والمجتمع  مصداقا  لقوله  تعالى  عزوجل : {” فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } ” 

 وقد يبطىء النصر حتى لا يبقى غال ولا عزيز إلا وقد ضحت  به الأمة  فى سبيل الله وقد يتأخر النصر حتى يتمحص الخير فلا يبقى فيه ذرة شرا فيتوجه  بقلبه خالصا لله  ويتجرد من كل تعلق بالدنيا الفانية

وقد يتأخر النصر حتى نتقرب من الله أكثر فمنا  من يسرع بالتوبة لله ويتخلص من ذنوبه التى تحول دون النصر ومنا من يتقن عمله حتى لا يؤتى الإسلام من قبله

وحتى يجد المؤمنون  أنفسهم بمفردهم  ليس لهم سند إلا الله فيزيد تعلقهم به وتوجههم إليه وحده فى الضراء

وحتى تتضاعف التضحيات وتتضاعف الآلآلم فيرى المولى  عزوجل ذلك فيتقبله ويتنزل النصر

تحقيق النصر لا يحتاج إلى توبة فقط إنما يحتاج إلى الإستقامة على الطاعة

إذ يقول    تعالى   {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا

لو استقاموا على الطاعة لسقاهم الماء عذباً فراتاً بدون جهد ولا تعب 

كما أن ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سبب من أسباب تأخر النصر ترى الرجل يمر بجوار القوم يفعلون المعاصى فلا يلومهم ولا حتى يتمعر وجهه من رؤية المعاصى فعابة ذلك يبينها فعَنْ حُذيفةَ

 عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: « والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ “» ح [ديث حسن]

فلا تسأل إذن لماذا يتأخر النصر وكان هذا الأمر سبب فى لعن أمم سابقة وخروجها من رحمة الله التى نحن فى اشد الحاجة إليها الآن

إذ يقول تعالى :” { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}

لماذا لم يتحقق النصر؟ …… ليتخذ منكم شهداء  فمن مات فى سبيل الله فقد نال أجره من الله وهذا ما ناله أهلنا فى غزة ولكن عليك أن تسال نفسك هل باقى الأمة تستحق النصر أو الشهادة ؟

ماذا قدموا لدينهم  ؟ هناك من  يهمل تربية أولاده فيصبحون أداة فى يد أعداء الاسلام يوجهها كيف يشاء

ولا يتقن عمله فيكون السبب فى أننا اليد السفلى ولا ننتج شيئا إنما نستهلك ما ينتجه أعداؤنا

ولنسأل أنفسنا هل كانت الهزيمة فى أحد لأن المشركين كانوا أكثر من المؤمنين عدة وعتاد أم لأن المسلمون خالفوا أمر رسول الله والذى  هو من أسباب النصر “طاعة رسول الله “

وإذا تأملنا فى القصص القرآنى نرى بنى إسرائيل من بعد موسى  طلبوا من نبيهم الجهاد فى سبيل الله  فماذا كان رد نبيهم ؟  “ { قَالَ هَلۡ عَسَیۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَـٰتِلُوا۟ } ”  فهل كان بنو إسرائيل مستعدون للقتال وقتها أم أنهم مروا بالعديد من الإختبارت مع طالوت حتى يثبتوا جديتهم ويبذلوا مااستطاعوا ويكونوا مخلصين فى التضحية بأنفسهم وأموالهم لله لأن القلب الموصول بالله تتغيير موازينه ويوقن أن الله يسانده وأن معه القوة التى لا تغلب فالنصر من عند الله وبيد الله مهما كانت قوة العدو وعدته وعتاده والنصر بهذا المفهوم لا يخضع إلى سنن كونية وأسباب مادية فلا علاقة بين النصر ونظرية الكم والكيف ومن ناحية آخرى فإن الله لا ينصر الكثرة المؤمنة المغرورة إذا نسيوا أن النصر من عند الله  كما حدث يوم حنين إذا اغتر المسلمون بكثرتهم فكانت الهزيمة  إذ يقول تعالى :” وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ” إذن المقاييس عند الله مختلفة

وها هى  قصة فرعون وموسى خير دليل على أن المقاييس مختلفة  إذ كيف أن فرعون كان يقتل الأطفال ويستحى النساء لسنوات طويلة وليس لأيام وشهور

هل كان هذا يغيب عن المولى عزوجل أم أنه يسمع ويرى الظلم والتجبر فقد أمهل الله عزوجل فرعون الكثير وأقام عليه الحجة بإرسال موسى وهارون عليهما السلام إليه    ولكى تدرك معنى الله غالب على امره تامل كيف انه كان يقتل كل مولد يولد لبنى إسرائيل ثم يربى موسى عليه السلام فى قصره ….. حقا إنه غالب على أمره

ترى الآيات تختصر المدة الزمنية  فى آيه ولكنها تعد بعشرات السنوات وهو يفعل ذلك حتى إذا اخذه الله عزوجل لم يفلته وجعله عبره لمن خلفه  فكل شىء بقدر ولكنكم تستعجلون أقدارالله وسننه 

وقد وجدنا فى الأحداث الأخيرة ما يثبت أن حتى القتل والرمى بمشيئة الله وليس ببراعة المؤمن بأدوات بدائية الصنع يقضى  على معدات حربية ضخمة إنه ليذكرنا بقول الله تعالى وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا

وإذا تأملنا فى عصر النبوة كم أوذى الصحابة كثيرا وزلزلوا زلزالا شديدا هذا ليس كلامى إنما قول الحق

{“أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}

وكانوا يستنصرون بالنبى صلى الله عليه وسلم ويتسألون مثلنا متى نصر الله عنْ أبي عبدِاللَّهِ خَبَّابِ بْن الأَرتِّ قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ ﷺ وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ  الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» [ رواه البخاري]

أنظروا هل قال لهم توجهوا إلى الله بالدعاء ليل نهار وهو ناصركم أم أنه تعجب من قول خباب وهو يقول له أدعو لنا يا رسول الله وذكرهم بأمم سابقة كان الرجل يشق نصفين ويمثل بجثته كل ذلك من أجل دينه وفى سبيل الله وهو صابر محتسب فما يحدث اليوم ليس بغريب على من تمسك بدينه وقاتل من أجل أن تكون كلمة الله هى العليا ولكنها سنة فيما كان قبلنا حتى أن فى اسبانيا  ( الأندلس سابقا )  حفروا تحت مبنى   ليجدوا رفات حوالى ثمانية ألاف من المسلمين مدفونين تحت الركام فماذا عن الباقى ؟  وكم من أخاديد حفرت ليُلقى فيها الموحدون بالله بالمئات والآلآف فلا تستعجب مما يفعله أعداء الإسلام اليوم فقد قتلوا أنبياءهم من قبل  دون أى اعتبار  أنهم مرسلون من عند الله عزوجل

 لنعتبر من سيرة النبى وصحابته الكرام كيف انتصروا على أعدائهم وصدقوا ما عاهدوا الله عليه  وأخلصوا له وبذلوا كل ما فى وسعهم وتركوا الراحة من أجل الفوز بالنعيم الأبدى فى الجنة بينما نحن نبذل كل ما فى وسعنا من أجل الدنيا والوصول إلى مكاسب مادية

فقد رأينا أن القلة القليلة  المؤمنة انتصرت ونحن كثرة منهزمة وكيف أنهم نجوا من فتن الدنيا ونحن غارقون فى ملذاتنا وشهواتنا وكيف أن هؤلاء تمسكوا بدينهم وطبقوا أوامر الله وأعرضنا نحن عن هذه التعاليم لهثا وراء الثقافة الغربية حتى وإن كانت مخالفة لعقيدنا

ورأينا كيف  قتلوا الخوف من أعدائهم بالتوكل على الله والثقة فى نصره إذ يقول تعالى :” الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ” آل عمران بينما نحن قتلنا الخوف من أعدائنا  

فمن يتحدث عن النصر ويستعجله فماذا أعددت لهذا النصر ماذا اعددت لمواجه كيد أعدائنا ليل نهار هل صبرت على الشهوات وحاربت الشبهات بالعلم واليقين فى نصر الله

فإنا نثق فى موعود الله لنا أن هناك حربا فاصلة بين المسلمين واليهود  «“لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» ​​​​​​​

وسيكون النصر فيها للمسلمين ماداموا معتصمين بدينهم متوحدين تحت راية الإسلام  وقد نبذوا أسباب الفرقة واختلاف  الرأى وأن يعود المسلمين للتمسك بدينهم بعيدا عن أى شعارات حتى يستحقوا النصر كما يجب التذكير بالقضية التى تلتف حولها الأمة الإسلامية وهى قضية تحرير المسجد الأقصى حتى تبقى حية فى قلوب المسلمين

لمن يستعجل النصر فما هو إلا وقت قليل يعتمد على صبرك وقوة يقينك فى وعد الله الحق

انشغل بمشروع ينفع المسلمين والإسلام   وكن سبب فى النصر  ولا يشغلك متى سيأتى ؟ لأن الابتلاء سنة فى الأرض فالدنيا ليست دار جزاء  إنما هى امتحان للمؤمن والكافر 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *