وفي القرآن الكريم خاطب الله الملائكة ،وخاطب الأنبياء والرسل ، وخاطب الإنس والجن مؤمنهم وكافرهم ، وخاطب النحل والنار ، وخاطب السماء والأرض والطير والجبال
أيها الإخوة الكرام : قيل أسبوع من يومنا هذا كنا نتحدث عن أن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين ، نزل به الروح الأمين على قلب إمام المتقين صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين ، هاديا وداعيا ومبشرا ونذيرا للخلق أجمعين ..
وفي القرآن الكريم خاطب الله الملائكة ،وخاطب الأنبياء والرسل ، وخاطب الإنس والجن مؤمنهم وكافرهم ، وخاطب النحل والنار ، وخاطب السماء والأرض والطير والجبال ..
لكن كان الخطاب الأعذب هو خطاب الله تعالى للمؤمنين من أمة محمد صلى اللهه عليه وسلم بقوله{يأيها الذين آمنوا } ..
نداء مدني جاء فقط في السور المدنية التي تكلمت عن الحلال وعن الحرام وعن الأوامر والنواهي ..
ومن بين الحلال الذي تكلمت عنه ورغبت فيه السور المدنية أكل الحلال ، وذلك في آيات كثيرات منها قول الله تعالى { ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُلُوا۟ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ وَٱشْكُرُوا۟ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾}
ومنها قوله عز من قائل { ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَنفِقُوا۟ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا۟ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغْمِضُوا۟ فِيهِ ۚ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ ﴾}
ومن بين الحرام الذي تكلمت عنه وحذرت السور المدنية أكل الحرام بأي وجه كان قال الله تعالى {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقْتُلُوا۟ ٱلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ ﴾}
أخطر ما في أكل أموال الناس بالباطل أنه درجات ..
فمن الناس من يأكل المال الحرام ويأتي يوم القيامة و《إنسان》 بين يدي الله تعالى يشتكيه ، وهذا قد نسميه غشاً أو نسميه خيانة أو نسميه غدراً .. والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:《المكر والخديعة والخيانة في النار 》أي أن صاحبها في النار ..
ومن الناس من يأكل الحرام ويأتي يوم القيامة تشتكيه 《أخته وأخيه 》، وهذا قد نسميه غصباً أو نسميه ظلماً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول
«مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بيَمِينِهِ، فقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ له النَّارَ، وَحَرَّمَ عليه الجَنَّةَ فَقالَ له رَجُلٌ: وإنْ كانَ شيئًا يَسِيرًا يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وإنْ قَضِيبًا مِن أَرَاكٍ »
ومن الناس من يأتي يوم القيامة وتشتكيه《 أمة》 محمد صلى الله عليه وسلم ، من الناس من يأتي يوم القيامة وقد غش《 أمة 》وقد سرق 《أمة 》وهذا ما نسميه غلولاً ، ودلت على حرمة الغلول آية مدنية من سورة مدنية يقول فيها رب العالمين سبحانه وتعالى { ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ ۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾}
هذه الآية من سورة آل عمران نزلت تدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ اتهمه بعض ضعاف النفوس في قطيفة أخذت من الغنائم قبل أن تقسم ، {﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ ۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾} آية نزلت تنزه ساحة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقترف حراما ، إذ قال ضعاف الإيمان ما أخذها إلا 《محمد 》صلى الله وسلم على نبينا محمد ..
فنزلت شهادة الله تعالى تشهد بنزاهة الأنبياء وعلى رأسهم النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم {﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ ۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾}
أما الغلول فهو : الأخذ من أموال الغنائم قبل أن 《تقسم 》على سبيل الخفاء ..
وقد برأ الله تعالى ساحة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقارف ذنباً ك《الغلول 》 {﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ ۚ ﴾}
والغلول صورة من صور أكل أموال الناس بالباطل ، والمتضرر منها عدد كبير من الناس كلهم يشكوا هذا《الغال 》يوم القيامة بين يدي الله سبحانه وتعالى
{﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ ۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾}
والمعنى: أنه ما صح ولا استقام لنبي من الأنبياء، أو لرسول من الرسل أن يغنم غنيمة ثم يخونهم فيها ، ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ ۚ ﴾ ذلك لأن الخيانة تتنافى مع مقام النبوة الذي هو أشرف مقام يهبه الله تعالى لأحد من البشر ..
أورد المفسرون في سبب نزول هذه الآية {﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ ۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾}
ورد في سبب نزولها روايات منها ما أخرجه أبو داود عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية 《 { وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} 》في قطيفة حمراء فقدت من الغنائم يوم بدر ، فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخذها، وأكثروا في ذلك فأنزل الله الآية» .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أيضا أن المنافقين اتهموا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشيء فُقد من أموال الغنائم ، فأنزل الله- تعالى- 《 { وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} 》
قال ابن كثير عليه رحمة الله : وهذا تنزيه له صلّى الله عليه وسلّم من جميع وجوه الخيانة في أداء الأمانة وقسمة الغنيمة وغير ذلك .
والمتتبع لسياق هذه الآية《 {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} 》 رغم نزولها بسبب كلام المنافقين في يوم《 بدر》 إلا أن الآية وردت في سياق الحديث عن غزوة《 أحد 》في إشارة حكيمة عظيمة، وفي تأديب وتهذيب من الله تعالى للمؤمنين، وفي تحذير لهم من الغلول وأكل أموالهم بينهم بالباطل ..
وذلك أن《 الرماة 》الذين نزلوا عن الجبل وتركوا أماكنهم وخالفوا أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزلوا ، قد دفعهم للنزول والمخالفة خشيتهم من أن ينفرد المقاتلون بالغنائم، ويرجعوا هم بلا غنيمة !!
لذلك ورد أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عتب على هؤلاء الرماة فقال لهم من بين ما قال : «أظننتم أنا نغلّ ولا نقسمُ لكم» ؟!
الغلول هو السلب والنهب والاختلاس من المال العام ، الغلول هو صورة من صور أكل أموال الناس بالباطل .. وأكثر ما ينتشر هذا 《الغلول》بين كبار القوم، وبين ولاة أمور الناس وحكام الناس وقد يقع فيه أيضا آحاد الناس .. وأكل أموال الناس بالباطل هو أحد أهم أسباب العذاب في دار الدنيا وفي دار البرزخ وفي الدار الآخرة ..
ورد في الصحيح من حديث أبي هريرة قال : «خَرَجْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ خَيْبَرَ، في العام السابع من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم» ..
قال أبو هريرة «خَرَجْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ خَيْبَرَ، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا ولَا فِضَّةً، إلَّا الأمْوَالَ والثِّيَابَ والمَتَاعَ، فأهْدَى رَجُلٌ مِن بَنِي الضُّبَيْبِ، يُقَالُ له رِفَاعَةُ بنُ زَيْدٍ، أهدى رفاعة هذا لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غُلَامًا، يُقَالُ له《 مِدْعَمٌ 》 قال أبو هريرة :فَوَجَّهَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى وادِي القُرَى، حتَّى إذَا كانَ بوَادِي القُرَى، وبيْنَما الغلام 《 مِدْعَمٌ 》يَحُطُّ رَحْلًا لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذَا سَهْمٌ عَائِرٌ أتاه لا ندري من أين أتاه فَقَتَلَهُ .. قال أبو هريرة : فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا له الجَنَّةُ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كَلَّا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّ 《الشَّمْلَةَ 》الَّتي أخَذَهَا يَومَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عليه الآن نَارًا .. !! قال أبو هريرة :فَلَمَّا سَمِعَ ذلكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بشِرَاكٍ – أوْ شِرَاكَيْنِ – 《 كان قد غلهما من الغنائم 》جَاءَ رَجُلٌ بشِرَاكٍ – أوْ شِرَاكَيْنِ – إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ النبي عليه الصلاة والسلام : شِرَاكٌ مِن نَارٍ – أوْ: شِرَاكَانِ مِن نَارٍ ..»
وعن ابن عباس قال : « لمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يا رسول الله فُلانٌ شَهِيدٌ، وفُلَانٌ شَهِيدٌ، قال : حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: يا رسول الله وفُلانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “كَلا؛ إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ”» .
أيها الإخوة الكرام :《 «إن الحلال بيّنٌ وإن الحرام بيّنٌ» 》
النّوّاس بن سمعان هو أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «أَقَمْتُ مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بالمَدِينَةِ سَنَةً ما يَمْنَعُنِي مِنَ الهِجْرَةِ 《 أي من الرجوع إلى مالي وولدي 》 إلَّا المَسْأَلَةُ، قال النواس بن سمعان رضي الله عنه وكانَ أَحَدُنَا إذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عن شيءٍ، قالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنِ البِرِّ وَالإِثْمِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ ما حَاكَ في نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ» .
ما اطمأنت إليه النفس ، وما لم تستحي منه هذا هو الحلال 《فكلْهُ》 هنيئا مريئا ..
أما ما حاك في صدرك وتردد في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس هذا هو الحرام 《فاحذره》 ..
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ:
«قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ، فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، ثُمَّ قَالَ: “لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ -أي ذهبٌ أو فضةٌ- فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ”» . أو قد أعذر من انذر إن صح التعبير ..
الغلول هو السلب والنهب والاختلاس من المال العام فاجتنبوه ، الغلول هو صورة من صور أكل أموال الناس بالباطل فاحذروه .. فأكل أموال الناس بالباطل هو أحد أهم أسباب العذاب في دار الدنيا وفي دار البرزخ وفي الدار الآخرة ..
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يلطف بنا، أن يوسع أرزاقنا ، وأن يغنينا عن الناس إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير .
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة الكرام : ما أجمله من حال، وما أطيبه بإذن الله من مآل، أن يتوب العبدُ وأن يرد المظالم إلى أهلها ما دام في دارِ الإمهال، قبل أن يلقى الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة وهو يحمل على كتفيه مظالم الناس ..
ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره أنه في زمن معاوية -رضي الله عنه- بعث معاوية جيشًا يجاهد في سبيل الله، وأمر معاوية عليهم 《عبد الرحمن بن خالد بن الوليد》فاطلق 《عبد الرحمن بن خالد بن الوليد 》فانتصر وسلم وغنم ثم إنه لما قفل الجيش -أي لما رجع- كان رجلٌ من المسلمين قد أخذ مائة دينار من الغنيمة، أخذها فأخفاها ..
فوزعت الغنائم ورجع الناس، وبينما هم في الطريق ندم الرجل أن( أخذ ما لا يحل له ) فأخذ الرجل المائة دينا فجعلها في سرة فأتى الأمير 《عبد الرحمن بن خالد بن الوليد 》 وأخبره بما صنـع، وأراد أن يرد المائة دينار، فقال له عبد الرحمن: لا أقبلها منك : وكيف آخذها منك وقد تفرق الناس، ثم عنفه فقال : اجعلها معك حتى تلقى الله بها يوم القيامة ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام «لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتَّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ»
فذهب الرجل وأتى بعض أصحابه، فقالوا له صدق الأمير كيف يأخذها منك وقد تفرق الناس، فلم يزل الرجل نادماً يمشي مهموماً محزونا ،حتى شد الرحال إلى دمشق حيث أمير المؤمنين معاوية -رضي الله عنه- فدخل عليه فقص عليه القصص ، ثم أخرج المال فجعله بين يدي معاوية فلم يقبلها منه معاوية ، قال كيف أقبلها منك وقد تفرق الناس ؟!
فخرج الرجل من عند معاوية وهو يبكي ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وبينما كان على بكائه وندمه إذ لقي رجلاً من أهل العلم فسأله: ما يبكيك؟! فأخبره بحاله، فقال العالم : أوَتطيعني إذا دللتك؟!
قال: نعم، قال: ارجع إلى معاوية -رضي الله عنه- وقل له: اقبل مني نصيبك من هذا المال ، فأعطه عشرين دينارًا، من مائة دينار ،ثم تصدق بالثمانين الباقية، وانوِ بها عن الجيشِ الذين تفرقوا ولا تَعلمهم؛ فإن الله عز وجل يَعلمهم ، فاجعلها صدقة عن أولئك ..
فرجع الرجل فدخل على معاويةَ، فقال تصدقت من المائة 《بثمانين 》فخذ مني نصيبك .. أعطاه عشرين ديناراً، فقبل منه، ثم قال معاوية: وددت لو أني أفتيته بهذا أولاً …
قال النبي عليه الصلاة والسلام 《 «مَن كانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها، فإنَّه ليسَ ثَمَّ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ، مِن قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لأخِيهِ مِن حَسَناتِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ أخِيهِ فَطُرِحَتْ عليه» 》.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يغنينا بالحلال عن الحرام ، وأن يفتح لنا أبواب رحمته في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير .
Source link