نشأة الإنسان – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

مقال من مجلة التوحيد (السنة الثامنة – العدد الأول 1400هـ) التي يصدرها أنصار السنة المحمدية وبقلم أ.د. أمين رضا رئيس قسم العظام والتقويم والإصابات بجامعة الإسكندرية.

 

 

لم يشهد أحد من الأحياء خلق الإنسان الأول، ولابد وأن يكون هناك انسان أول بدأت به الخليقة وبدأ به تعمير الأرض واستعمال ما فيها، ولا يمكن لأحد من الأحياء أن يعرف بطرق علمية أو عقلية كيف كان خلق الإنسان الأول، لان خلق الإنسان الأول حادثة قديمة قدمًا سحيقًا بالنسبة لاستخلافه في الأرض، محا الدهر مظاهرها ونتائجها و آثارها، بل إن الإنسان الأول هذا نفسه قد اختفي من الوجود واندثرت آثاره وانمحى كل ما يمت إليه بصلة.

لقد ألف داروين من أكثر من مائة عام نظريته المشهورة التي تفرض أن المادة الميتة وكل الجمادات كانت موجودة قبل أن تظهر الحياة والنظرية لا تفسر وجود هذه الجمادات والمواد تفسيرا علميا، وهذا التفسير ضروري لأن الجماد محتاج إلى موجد كما أنَّ الحياة محتاجة إلى من يوجدها، ثم تفرض هذه النظرية أن عدة عوامل كيميائية وطبيعية قد تضافرت في المادة تضافرا تلقائيا مبنيا على محض الصدفة، فبدأت الحياة بظهور الأجسام الحية ذات الخلية الواحدة، ثم تفرض هذه النظرية أن عدة عوامل تلقائية تضافرت فارتقت الكائنات الحية ذات الخلية الواحدة فتكونت منها كائنات حية جسمها مركب من خلايا كثيرة، وبذلك ظهرت على وجه الأرض الأسماك التي ارتقت في تكوينها فأصبحت زواحف، ثم ارتقت هذه فأصبحت طيورا فحيوانات ذوات أربع تطورت هي الأخرى تدريجيا إلى أن تكونت منها القرود بفصائلها المختلفة ، وأخيرة ارتقى القرد فأصبح إنسانا، هكذا تقول نظرية داروين.

إنَّ كثيرًا من الناس ينسون أن هذه النظرية لا تعدو أن تكون نظرية مبنية على عدة فروض، كل فرض مبني على فرض آخر، والنظرية متصلة بحادثة تمت من أمد بعيد، ولو أنَّ حادثة خلْق الحيوانات والإنسان تمت حقيقة بهذه الكيفية لما أمكن إثباتها، لأن الطريق الوحيد مشاهدتها ومعايشتها، ولم يُعْطَ أحد مِن الآدميين ُعمْرًا كافيًا لمشاهدة الفروض التي تفرضها النظرية، فهي فروض أوسع مما يمكن للإنسان إثباته بإمكانياته المحدودة.

وكل ما يقدمه أصحاب هذه النظرية من براهين إنْ هو إلَّا استنباطات وفروض واحتمالات، ولذلك ستستمر هذه النظرية إلى الأبد نظرية لا يمكن إثباتها، والعالِم المنصِف يجب أن ينظر إليها على أنها مجرد نظرية تفتقر إلى إثبات أنَّ الكائنات الحية كلها مكونة من جزئيات صغيرة مكونة من مادة كيميائية واحدة أساسها الماء، هذه الجزئيات لا ترى إلا بالمجهر، وتسمى خلايا واحدتها خلية، ومهما تغير شكلها أو حجمها فمادتها واحدة ومتشابهة في كل كائن حي، حيوانًا كان أم نباتًا.

كل الكائنات الحية متشابهة في تنظيم مقومات الحياة فيها، وفي كيميائها، وطبيعتها، وطريقة أمراضها وكيفية هزالها وشيخوختها، ثم موتها وفنائها، ثم انتقال الحياة منها إلى ذريتها. إلَّا أنها تختلف في هيئته التشريحية الخارجية والداخلية، تختلف في أجهزتها البصرية والسمعية والحسية والهضمية والدموية والعضلية، وبالرغم من هذا الاختلاف يمكن تجميعها إلى مجموعات متشابهة، ويمكن ترتيب هذه المجموعات حسب تكوينها إلى كائنات بسيطة ذات خلية واحدة، ثم إلى كائنات أكثر تعقيدا ذات خلايا متعددة، ثم إلى كائنات أكثر وأكثر تعقيدا حتى نصل في آخر الترتيب رقيا إلى كائن حي أرقى ما يكون جسمانيًا وعقليا، وهذا الإنسان {(وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ)} وبين هذين الطرفين كل درجات البساطة والتعقيد والرقي والتقدم في أجهزة الكائنات المختلفة.

إن من ينظر إلى هذا الترتيب المصطنع بنظرة عالم الحيوان الذي قسم هذه التقسيمات والذي رتب القواعد الفرضية للرقى وعدم الرقي، إن مَن ينظر إلى هذا يمكن أن تغريه الظنون إلى أن هذه الحيوانات كلها تكونت في سلسلة متتابعة، بدأت بالحيوان البسيط ذي الخلية الواحدة، وارتقت تدريجيا حتى كونت ذلك الحيوان المسمى إنسانا ! ! ! هذا التصور يصل إليه من يفكر في خلق الحيوانات خلقا ماديا تلقائيا مبنيا على الصدفة ومبنيا على عدم وجود خالق مبدع ومصور، ومبنيا على عدم وجود حكمة أو أساس لأية خليقة، وأية صدفة هذه التي رتبت كل هذه الخلقة العجيبة وهذه التكوينات المعجزة ؟ وهذا النظام الدقيق الذى لا يختل ولا يحيد قيد أنملة عما يسمى(طبيعيا) بشكل جعل لكل شيء في الحياة قِيَما (متوسطة) وحدودًا عُليا ودُنيا، وأطوالا وأبعادا محسوبة ومقررة.

إن العالِم المنصف يمكنه بتفكيره أنْ يصل إلى نتيجة مخالفة مع الحقيقة والواقع، وتتفق مع الفطر السليمة القويمة، يمكنه أن يستنتج أنَّ الجماد نفسه لا يمكن أن يوجد من عدم إلَّا بخالق مبدع، ويمكنه أن يستنتج أنَّ الذي أوجد الجماد من عدم أوجد كذلك الحياة، تلك الخاصية العجيبة التي تخالف بها النباتات والحيوانات كل جماد، وأنَّ الكائنات الحية إذا تشابهت في أنَّ مادتها الأولية واحدة، وأنَّ تكوينها جميعًا إذا كان من جزئيات هي(الخلايا) وأنَّ ترتيبها إلى مجموعات متفاوتة الرقى، ولكنَّ كل مجموعة تشبه المجموعة الأرقى منها والمجموعة الأدنى منها في شيء، يمكنه أنْ يستنتج مِن كل هذه التشابهات والصلات بين الكائنات أنها كلها مخلوقة على نمط واحد وبحكمة واحدة، وقدر واحد، ونظام واحد، وترتيب واحد، إذًا فخالقها واحد أحد هو الله سبحانه وتعالى.

أما الإنسان الأول فلا نشك برهة في أنَّ الآدميين الذين يعمرون الارض الآن لا يستطيعون بإمكاناتهم الحالية أو المستقبلة أنْ يتوصلوا إلى كيفية خلقه وإيجاده بأية طريقة عقلية أو منطقية أو عملية مبنية على البحث بالطرق العلمية السليمة المعتمدة.

أما الطريق إلى معرفة خلق الإنسان الأول، فهو الطريق المعتمد لمعرفة الغيبيات، وهى ما أخبرنا الله في كتابه العزيز المنزَّل على رسوله الأمين {(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ)} .

نقلها : سالم محمد


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *