من هم منكرو السنة؟ – طريق الإسلام

في كتابه القيم: (منكرو السنة .. المذهب الضال عن القرآن) في زمن أصبح فيه إنكار السنة يجاهر به في قنوات في بلاد المسلمين، فهذه دعوة لقراءة الكتاب ونشره

 

هذا أحد الأسئلة التي أجاب عليها الشيخ المجاهد الدكتور هيثم طلعت في كتابه القيم: (منكرو السنة .. المذهب الضال عن القرآن) في زمن أصبح فيه إنكار السنة يجاهر به في قنوات في بلاد المسلمين، فهذه دعوة لقراءة الكتاب ونشره والتشمير لمجاهدة هذا الفكر الهدام.

من هم منكرو السنة؟ منكرو الأحاديث… منكرو المصدر الثاني للتشريع، هم فئة ازداد ظهورها مؤخرًا، وأغلبهم من تحت عباءة التنوير، وقد خرجوا على الأمة الإسلامية بقولهم: نحن نكفر ببعض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كلها، هذا ملخص فكرة هذه الطائفة.

وهم مختلفون فيما بينهم: فبعضهم يكفر بكل الأحاديث، وكل الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية، وثان يكفر بأحاديث الآحاد، ويؤمن بالمتواتر، وثالث يكفر بالسُّنة القولية للنبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمن بالسنة الفعلية، لكن في الجملة أغلب السنة آحاد، وأغلب السنة قولية، ففي الأخير هم يكفرون بأغلب الشريعة .. يكفرون بما لا حصر له من المعلوم من دين الله بالضرورة.

وبعض منكري السنة يُسمون أنفسهم بـ: “القرآنيون”؛ وهم أبعد الناس عن القرآن، فلو كانوا قرآنيين حقًا لما أنكروا ما أوجب الله اتباعه في القرآن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع سبيل المؤمنين، وضرورة التسليم لدين الله قرآنا وسنة، فقد أجمعت الأمة على وجوب العمل بالسُّنة، وأجمعت على اعتبارها المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن.

والسنة محفوظة كالقرآن قال الله تعالى: { ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لفِظُونَ ﴾} [الحجر: 9].

قال ابن حزم رحمه الله : ” ودعوى أنَّ الذَّكَرَ المحفوظ هو القرآنُ وحده، هذه دعوى كاذبة، وتخصيص بلا دليل، فالذكر هو: اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه من قرآن أو سنة “[1]، وقال – رحمه الله: “ولو أنَّ امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافرًا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى ء عند الفجر، وقائل هذا كافر مشرك (٢).

ومن الغريب أنَّ منكري السنة هم من أجهل الناس بالشريعة، وحين ظهرت الفرق الضالة كالخوارج والجهمية وغيرهم كان فيهم من درس الشريعة جيدا، لكنهم كانوا يتأولون النصوص على غير وجهها فضلُّوا، أما منكرو السنة فلا يعرفون شيئًا في علوم الشريعة، فتراهم كلهم كلهم كلهم بلا استثناء واحد ليسوا علماء حديث، وليسوا علماء شريعة، فهم بعيدون كل البعد عن ذلك.

وتراهم دائمًا يستخدمون كلمات براقة مثل: “البحث الأكاديمي” “احترام العقل” و “البحث الحر” و “نهضة الأمة” و ” التخلص من الجهل” و” التنوير”، مصطلحات مستهلكة لا يملكون منها شيئًا، ولا يرغبون بشيء مما فيها، منتهى ما يفعله منكر و السنة أنهم ينشرون شبهات سطحية مكررة عن السنة، ينقلونها عن المستشرقين… ينقلونها عن أعداء الإسلام.

وإنكار السنة هو قنطرة الإلحاد الأولى بلا منازع، وأغلب من انتهى به الحال إلى الإلحاد والمروق من الإسلام كانت بدايته أنه أنكر بعض الأحاديث الصحيحة، وقدَّم الهوى العقلي عليها… قدم النظرة الغربية على بعض الأحاديث الصحيحة .. قدَّم تصورات توهمها على السنة، فانتهى به الحال إلى الطعن في الحديث والسنة والتراث وكتب الفقهاء، ثم قام بتأويل القرآن تأويلا يخرجه عن معناه؛ ليوافق هذه الأهواء فكانت نهايته الإلحاد، فهذا خط سير طبيعي ومتوقع.

والأغرب من هذا والذي يبين خطورة إنكار السنة أن هناك فئة من الملاحدة استغلت هذه البوابة بوابة إنكار السنة فدخلوا منها وفرخوا لهم فيها أتباعًا، فالملحد يظهر بصورة منكر السُّنة، لكنَّه بعد ذلك سيستخدم هذا المدخل لنشر الإلحاد في الدين، فإذا تم إنكار السنة لن تستطيع أن تواجه أي إلحاد في دين الله.

وهذا بالضبط المشروع التنويري، فالتنويري يتزعم إنكار السنة لكن هدفه الإلحاد في دين الله، وحين يتم إنكار السنة يُصبح النص القرآني عُرضةً لأي تأويل وفق أي هوى، فلا حديث نبوي يعصم عن الفهم الخاطئ للقرآن، ولا إجماع يعود إليه منكر السنة؛ ليفهم مراد النص الشرعي؛ لأنه لا يؤمن بالإجماع، ولا فهم لسلف هذه الأمة ينصلح به نظره في مراد الشرع، فالنتيجة الأخيرة هي: العبث في دين الله كما يريدون، فغاية الملحد التنويري الذي يدعي أنه فقط منكر للسنة هي أن يُضعف تسليمك للنص الشرعي، فيجعلك تشلُّ في معاني القرآن، فتبدأ في تقبل الإلحاد شيئًا فشيئًا.

وإنكار السنة في الواقع يعني التطاول على قدسية النبي صلى الله عليه وسلم حيث يتم رد كل حديث نبوي، وبالتالي تضعف حرمة هذا الدين إلى أن يتلاشى بالكلية من القلب مع الوقت، فإذا ضاعت السنة، وأصبح كل ما يَرِدُ على ذهنك من معاني القرآن قد يكون المعنى بخلافه، فمن الطبيعي أن تضيع قيمة النص، وبالتالي يفقد المسلم هيبة النص الشرعي، ومن ثَم يفقد التسليم لظاهر النص، فماذا نتوقع بعد هذا إلا الانسلاخ الكامل من الدين، والجري خلف غرور الإلحاد الذي يغازل الإنسان مع كل شهوة.

فما أن سَمَحَ نُفاة السُّنة لأنفسهم بالتطاول على حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، أجمع المسلمون عبر القرون على قبوله والعمل به، إلا وقد وضعوا أولى خطوات التمرد على قداسة وعظم قدر النبوة، فهم يستحقون أن يزدادوا بعدا عن دين الله، وأن يزدادوا فتنةً.

ومشروع منكري السنة متداخل بطبيعة الحال مع مشروع دعاة التنوير، حيث يبدأ منكرو السنة برمي علماء السلف بالجهل أو التزوير أو التبعية لمصالحهم الشخصية، ورمي الدعاة المسلمين بالجمود والدروشة، وهذه أولى خطوات زراعة الشك.

ويقومون بالتوازي بتضخيم صنم القيم الغربية، وتأول نصوص القرآن بحيث تتفق مع صنم هذه القيم، فمن يفعل ذلك تحديدا هم تنويريون بزي منكري السنة.

وما هي النتيجة لمن يتبعهم؟

لن يبقى من شيء إلا غرور الإلحاد، ففكرة منكري السنة من التنويريين تقوم على جعل الدين في قفص الاتهام، وحتى يستطيع الدين أن ينجو من هذه التهم فعليه أن يضع التأويلات التي يتفق بها مع أي هوى سائد، وإلا ما خرج من قفص الاتهام، وأول طريق لرفع التهمة عن الدين هو إنكار النصوص، فيتم إنكار الحديث وتأويل القرآن.

فيُصبح الدين عند منكري السنة مطالبا باتباع أية ثقافة سائدة مهما كان انحلالها، وليس أن يقوم الدين بتعديل هذه الثقافة وتعبيد الناس لرب العالمين المليك المقتدر.

بل إنَّ الدين ينزل من السماء، ويأتي النبي، وينزل الشرع، حتى يتوافق مع أية ثقافة.

إذا كان الأمر بهذه الصورة، فما فائدة الدين إذن؟

إذا كان الدين في الأخير مجرد تابع لأي ثقافة، فما قيمته، وما الغاية منه ابتداء؟

تقديم دين الله في القلب على أية ثقافة مهما كانت .. هذه أولى عرى الإيمان وليس وراءها مثقال حبة من إيمان.

وإذا رأى إنسان أنَّ أية ثقافة أفضل من الإسلام، وتشريع الإسلام، فهذه ردة لا يختلف فيها مسلمان.

ودين الله سيبقى شامخًا، والسُّنة المطهرة ستبقى شامخة محفوظة بحفظ الله إلى قيام الساعة محفوظة كالقرآن.

فالسنة هي الشارحة للقرآن والمبينة للقرآن، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك في العديد من الآيات: {﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾} [القيامة : ١٩] فقد تكفّل الله ببيان القرآن ولا يمكن تطبيق القرآن تطبيقا صحيحًا، ولا يمكن بيانه إلا بالسُنَّة؛ لذلك ستبقى السنة محفوظة كالقرآن.

فلا يمكن إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت إلا بالسنة، ولذلك قال الله تعالى: {﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾} [النحل : ٤٤] لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ: بِالسُّنة، فبيان القرآن إنما يكون بالسُّنة.

والصحابة -رضي الله عنه – هم أقرب الناس للقرآن والسنة، وهم الذين شهدوا تنزل القرآن والسُّنة، وصحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهدوامعه، وزكاهم القرآن الكريم.

والصحابة أيضًا هم أعلم الناس بلغةِ القرآن، ومعاني القرآن؛ لذلك كان فهمهم للقرآن والسنة مُقدَّم على غيرهم، قال الله تعالى: { ﴿فَإِنْ ءَامَنُوا بِمِثْلِ مَا امَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ﴾ } [البقرة:۱۳۷].

فأصلح إيمان، وأنقى إيمان، وأعلم إيمان بعد الأنبياء هو إيمان الصحابة رضي الله عنهم وهو الإيمان الأقرب لمعاني القرآن، وتطبيق القرآن؛ لذلك كان منهج أهل الحديث هو الإيمان بالقرآن والسنة بفهم سلف هذه الأمة، وهو المنهج المعصوم… المنهج الذي أجمع أهل السنة والجماعة على الأخذ به.

 


[1]  الأحكام في أصول الأحكام، ابن حزم 1/118


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *