من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في التعليم – محمد بن عبد الله الدويش

هذه وقفات يسيرة مع هديه – صلى الله عليه وسلم – فـي التعليم،

هذه وقفات يسيرة مع هديه – صلى الله عليه وسلم – فـي التعليم، ولا شك أن هذا الباب واسع ويحتاج لاستقصاء وجمع لا يتيسر لأمثالي، لكن هـذا غاية ما توصلت إليه في بحثي القاصر، ورحم الله من أفادنا بملاحظة، أو إضافة، أو توجيه.

عنايته بتعليم المنهج العلمي:
ففي تربيته العلمـية لأصحابه ما كان يقتصر على تعليم أصحابه مسائل علمية فقط، بل ربى علماء ومجتهدين، وحملة العلم للبشرية. ولقد ظهرت آثار هذه التربية على صحابته في مواقفهم بعد وفاته من حادثة الردة، وجمع القرآن، وشرب الخمر، واتخاذ السجون، والخراج وغير ذلك من المسائل التي اجتهد فيها صحابته -رضوان الله عليهم-، فلم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام النوازل التي واجهتهم، واستطاعوا أن يتوصلوا فيها للحكم الشرعي، كل ذلك كان نتاج التربية التعليم ية التي رباهم عليها – صلى الله عليه وسلم – ومن معالم تعاليمه المنهج العلمي:

1- تعويدهم على معرفة العلة ومناط الحكم:
فلما سئل عن بيع الرطب بالتمر، قال: «أينقص الرطب إذا جف؟، قالوا نعم، فنهى عن ذلك»(رواه الخمسة).. وحين نهاهم عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها قال لهم: «أرأيت إن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك»؟](البخاري ومسلم). وحين قال: «وفي بضع أحدكم صدقة»، قالوا له: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر»، قالوا نعم، قال: «فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجراً»(مسلم).
ففي هذه النصوص علم أصحابه علة الحكم ومناطه، ولم يقتصر على الحكم وحده.

2- تعويدهم على منهج السؤال وأدبه:
ففي موضع يقول: «إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم من أجل مسألته» (البخاري ومسلم)، و: «إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال» (متفق عليه). فها هنا يذم السؤال، لكنه في موضع آخر يأمر بالسؤال، أو يثني عليه: «ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال»(أبو داود)، «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث» (البخاري).

3- الإجابة بالقواعد العامة:
سأله رجل: إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء فإذا توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فلم يقتصر – صلى الله عليه وسلم – في إجابته على قوله نعم، وإلا كان الحكم قاصراً على الحالة موضع السؤال وحدها، إنما أعطاه حكم ماء البحر وزاده فائدة أخرى يحتاج إليها حين قال:«هو الطهور ماؤه الحل ميتته»(الترمذي وصححه)، ويعني هذا أن ماء البحر له سائر أحكام الماء الطهور، وليس فقط يجوز الوضوء به في هذه الحالة. وسئل: ما يلبس المحرم من الثياب؟، فقال: [لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرنس ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين](الشيخان)، فلم يعدد له ما يجوز للمحرم لبسه بل أعطاه قاعدة عامة فيما يحل وما لا يحل للمحرم لبسه.

4- تربيته لأصحابه على منهج التلقي:
[عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجد»(الترمذي وقال حسن صحيح)، وقال في وصف الطائفة الناجية: «من كانوا على ما مثل أنا عليه اليوم وأصحابي»(أبو داود). وحين رأى مع عمر صحيفة من التوراة غضب، ونهاه عن ذلك، وقال: «لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي»(أحمد).

5- تربيتهم على منهج التعامل مع النصوص:
خرج على أصحابه وهم يتمارون في القدر، هذا ينزع آية، وهذا ينزع آية فغضب حتى كأنما فقىء في وجهه حب الرمان من الغضب. وقال: «بهذا أمرتم، أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟!، انظروا إلى ما أمرتكم به فاتبعوه، وما نهيتم عنه فاجتنبوه» (أحمد).

6- تعويدهم على الاستنباط:
سأل أصحابه يوماً: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي». قال ابن عمر – راوي الحديث – فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت. ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: «هي النخلة»(الشيخان).

7ـ تربيتهم على القيام بواجب العلم:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار»(أحمد). وقال – صلى الله عليه وسلم -: «بلغوا عني ولو آية»(البخاري). وقال – صلى الله عليه وسلم -: «نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع». وقد روى هذا الحديث (24) من أصحابه مما يشعر أنه قاله – صلى الله عليه وسلم – في أكثر من مناسبة.

وانظر إلى أثر هذه التربية في قول أبي ذر -رضي الله عنه-: لو وضعتم الصمصامة – السيف – على هذه – وأشار إلى رقبته – واستطعت أن أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، قبل أن تجهزوا علي لأنفذتها(البخاري).

8ـ ترغيبه أصحابه في العلم:
ولا شك أن لذلك الترغيب دوراً كبيراً في إيجاد الحماسة لدى طالب العلم للتعلم، والاستزادة من ينابيعه. فحين جاء ثلاثة نفر وهو جالس مع أصحابه فجلس أحدهم خلف الحلقة، والآخر رأى فرجة فجلس فيها، وأما الثالث فأعرض، فقال – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك:
«أما الأول فآوى فآواه الله، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض، فأعرض الله عنه»(البخاري).

9ـ تشجيع الطالب والثناء عليه:
سأله أبو هريرة -رضي الله عنه- يوماً: من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال – صلى الله عليه وسلم -: «لقد ظننت أن لا يسألني أحد عن هذا الحديث أول منك لما علمت من حرصك على الحديث»(البخاري).

فتخيل معي أخي القارئ موقف أبي هريرة، وهو يسمع هذا الثناء وهذه الشهادة من أستاذ الأساتذة، وشيخ المشايخ – صلى الله عليه وسلم -، بحرصه على العلم بل وتفوقه على الكثير من أقرانه، وتصور كيف يكون أثر هذا الشعور دافعاً لمزيد من الحرص أو الاجتهاد.
وحين سأل أبي بن كعب: «أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم»؟، فقال أبي: آية الكرسي، قال له: «ليهنك العلم أبا المنذر»(مسلم).

10ـ الجمع بين التعليم الفردي والجماعي:
في كثير من النصوص نقرأ: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – جالساً مع أصحابه، بينما كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم -، فهذا نموذج للتعليم الجماعي. وأما التعليم الفردي فنماذجه كثيرة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: علمني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التشهد كفي بين كفيه (متفق عليه).

ومن ذلك ما ورد من غير واحد من أصحابه: أوصاني رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. ومن ذلك حديث معاذ: كنت رديف النبي – صلى الله عليه وسلم – على حمار فقال: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله..»(الشيخان).

11ـ معرفة قدرات تلامذته وإدراكهم العقلي:
فهو يقول لأبي هريرة حين سأله عن الشفاعة لقد ظننت أن لا يسألني أحد عن هذا الحديث أول منك لما أعلم من حرصك على الحديث(البخاري).

12ـ التوجيه للتخصص المناسب:
روى البخاري تعليقاً والترمذي عن زيد بن ثابت: أن قومه قالوا للنبي – صلى الله عليه وسلم -: ها هنا غلام من بني النجار حفظ بضع عشرة سورة، فاستقرأني فقرأت سورة ق، فقال إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي أو ينقصوا، فتعلم السريانية. فتعلمها – رضي الله عنه – في سبعة عشر يوماً.

13ـ العناية بتعليم المرأة:
فحين صلى العيد – صلى الله عليه وسلم – اتجه إلى النساء فوعظهن وأمرهن بالصدقة(البخاري)، بل تجاوز الأمر مجرد استغلال اللقاءات العابرة، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النساء قلن لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك»، فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن: «ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار»، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: واثنين(البخاري).

14ـ استغلال المواقف في التعليم:
قدم على النبي – صلى الله عليه وسلم – سبي، فإذا امرأة من السبي تحلَّبَ ثديها تسقي؛ إذ وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها، وأرضعته، فقال: «أترون هذه طارحة ولدها في النار»، قالوا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، قال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها»(متفق عليه).

15ـ التشويق والتنويع في العرض:
فهو أحياناً يطرح المسألة على أصحابه متسائلاً: «أتدرون ما الغيبة»(مسلم)، «أتدرون من المفلس»(أحمد)، «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنما مثلها مثل المسلم فأخبروني ما هي»(متفق عليه). ولا شك أن السؤال مدعاة للتفكير وتنميته، ومدعاة للاشتياق لمعرفة الجواب مما يكون أرسخ في الذهن.

وأحياناً يغير نبرات صوته: كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم(مسلم).
وأحياناً يغير جلسته كما في حديث أكبر الكبائر: «وكان متكئاً فجلس فقال ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور»(الشيخان).

16ـ استعمال الوسائل التعليمية:
أ- فهو يشير تارة بقوله: «أنا وكافل اليتيم كهاتين وأشار بأصبعه السبابة والوسطى»(البخاري)، وقوله: «الفتنة من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان» وأشار بيده إلى المشرق. (متفق عليه).

ب- وتارة يضرب المثل، أو يفترض قصة: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان بعضهم أسفلها وكان بعضهم أعلاها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً فلم نؤذ من فوقنا، فإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً، وإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً»(البخاري).

وكما في قوله: «لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على دابته وقد أضلها في أرض فلاة وعليها طعامه وشرابه فنام تحت شجرة ينتظر الموت، فقام فإذا هي عند رأسه»(متفق عليه).

جـ- وتارة يستعمل الرسم للتوضيح فقد خط خطاً مستقيماً وإلى جانبه خطوط، وقال هذا الصراط وهذه السبل. ورسم مربعاً وقال هذه الإنسان..(البخاري).

د- وأحياناً يحكي قصة واقعية من الأمم السابقة، كما في قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فدعوا الله بصالح أعمالهم(متفق عليه). وقصة الذي قتل تسعة وتسعين نفسا.(متفق عليه)، وأمثالها كثير.

17ـ مراعاة الفروق الفردية:
كما ورد أنه كان – صلى الله عليه وسلم – يخطب فدخل رجل فقال: يا رسول الله رجل غريب يسأل عن دينه، فترك خطبته ودعا بكرسي فجلس يعلمه ثم عاد لخطبته(متفق عليه).

18ـ العناية بالتعليم:
كما في الحديث السابق، وكان – صلى الله عليه وسلم – يحدث أصحابه فجاء رجل فسأل عن الساعة فمضى في حديثه. فقال قوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال قوم: لم يسمع. ثم سأل مرة أخرى: متى الساعة؟ فمضى في حديثه، فلما انتهى من حديثه قال: «أين أراه السائل عن الساعة»، فقال: أنا، فقال – صلى الله عليه وسلم -: «إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة»، قال: وما إضاعتها؟ قال: إ «ذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»(مسلم)، فهو – صلى الله عليه وسلم – رغم أنه لم يقطع حديثه لم ينسَ هذا السائل ولم يهمله.
وحين خطب في حجة الوداع قال أبو شاه: اكتبوا لي: فقال: اكتبوا لأبي شاه.(البخاري).

19ـ تأكيد ما يحتاج التأكيد:
فقد حلف على مسائل كثيرة تزيد على الثمانين: والله لا يؤمن.. والذي نفسي بيده.. وأيم الله.. وغيرها كثير.

20ـ مراجعة العلم والحفظ:
فقد أوصى حفاظ القرآن بتعاهده والعناية به: «تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها»(الشيخان)، وكان جبريل يدارسه القرآن. (البخاري).
وحين علم – صلى الله عليه وسلم – البراء دعاء النوم قال أعده علي فقال: وبرسولك -الذي أرسلت فقال – صلى الله عليه وسلم –
«بل وبنبيك الذي أرسلت»​​​​​​(الشيخان).


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *