منذ حوالي ساعة
تعيش الأمةُ الإسلامية الآن فتنةً عصيبة، حرب إبادة يشنها اليهود الصهاينة وحلفاؤهم على المسلمين في أرض غزَّةَ بفلسطين، وعلى مشهد من العالم كله، والكل يشهدُ أنَّها حرب إبادة، الكافر والمسلم، مع تخاذل الكثير من المسلمين…
تعيش الأمةُ الإسلامية الآن فتنةً عصيبة، حرب إبادة يشنها اليهود الصهاينة وحلفاؤهم على المسلمين في أرض غزَّةَ بفلسطين، وعلى مشهد من العالم كله، والكل يشهدُ أنَّها حرب إبادة، الكافر والمسلم، مع تخاذل الكثير من المسلمين، بل وتواطؤهم.
وهناك فئة قليلة حملت لواء الدفاع عن الإسلام في هذه الحرب معتمدة على الله وما مكَّنها الله من قوة، والكل يرى مدى جلدِهم وشجاعتهم وجهادهم في سبيل الله رغم معاناة الحصار منذ عشرات السنين، وقلة عتادهم وضيق مساحة أرضهم وكثرة شهدائهم من كل الأعمار وتدمير بيوتهم ومستشفياتهم وصراخ أطفالهم وأنات جرحاهم، ولكن قولهم الحمد لله، النصر أو الشهادة.
إنها فتنة يختبر بها كلُّ مسلم في دينه، فكل ما يحدث في هذا الكون لا يقع إلا بإرادة الله، فالشدائد والابتلاءات سُنَّةٌ إلهية قدَّرها الله للأفراد والأمم، فالفرد يبتلى والأمم تبتلى، ولا تسير الحياة على وتيرة واحدة، فهذا ابتلاء للجميع.
قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2].
وقال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 141].
وللأسف الشديد في وسط هذه الفتنة، تخرج علينا كثير من الفرق والجماعات لتهاجم بعضها بعضًا مستغلةً أحداث غزة، من يعارض ومن يؤيد، وأنا كمسلم أبحث عن الحق وكيف أسير فيه، لذلك أقول لنفسي ولكل مسلم في خضم هذه البلبلة، قول ربي: {أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ ۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى مَنْ هُوَ كَٰذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3].
يعلنها ربنا مدوية عالية في ذلك التعبير المجلجل، فهي القاعدة التي تقوم عليها الحياة كلها، بل التي يقوم عليها الوجود كله، ومن ثم ينبغي أن ترسخ وتتضح وتعلن، {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} هذا تقرير للأمر بالإخلاص، وبيان أنه تعالى كما أنه له الكمال كله، وله التفضل على عباده من جميع الوجوه، فكذلك له الدين الخالص الصافي من جميع الشوائب، فهو الدين الذي ارتضاه لنفسه، وارتضاه لصفوة خلقه وأمرهم به، لأنه متضمن للتأله للّه في حبه وخوفه ورجائه، وللإنابة إليه في عبوديته، والإنابة إليه في تحصيل مطالب عباده.
وذلك الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها، دون الشرك به في شيء من العبادة، فإن اللّه بريء منه، وليس للّه فيه شيء، فهو أغنى الشركاء عن الشرك، وهو مفسد للقلوب والأرواح والدنيا والآخرة، مُشْقٍ للنفوس غاية الشقاء، فلذلك لما أمر بالتوحيد والإخلاص، نهى عن الشرك به، وأخبر بذم من أشرك به فقال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}؛ أي: يتولونهم بعبادتهم ودعائهم، معتذرين عن أنفسهم وقائلين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} أي: لترفع حوائجنا للّه، وتشفع لنا عنده، وإلا، فنحن نعلم أنها، لا تخلق، ولا ترزق، ولا تملك من الأمر شيئًا.
إن البشرية لتنحرف عن منطق الفطرة كلما انحرفت عن التوحيد الخالص الذي جاء به الإسلام وجاءت به العقيدة الإلهية الواحدة.
أيها المسلمون: لا يليق أن يظن كل طرف في الآخر أنه على خطأ، ويتسارع البعض في إلقاء التهم على البعض الآخر، وذلك بوصفه بأقبح الألفاظ، وشتمه بأقبح العبارات، فهل يليق بنا كمسلمين ذلك؟
على المسلم أن يحسن الظن بأخيه، وهذا ما حثنا عليه ديننا الحنيف، فقال الله تبارك وتعالى في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إيَّاكم والظنَّ فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ»؛ فديننا الحنيف حرَّم الظن السيءَ بالمسلمين، حتى يصبح المجتمع قويًّا متماسكًا.
قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
وقال سبحانه: {وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ ۚ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].
لذلك أنصح نفسي وكل مسلم باتباع هُدى الله كما في الآيات، لا باتباع قومٍ فرقوا دينهم وكانوا شيعًا، {إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَىْءٍ ۚ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159].
هذا أمر الله لرسوله، وللمؤمنين، فلا تكونوا من تلك الفرق، ولا تتابعوهم على تلك الفتن التي وقعوا فيها.
__________________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى
Source link