شيء لا بُدَّ مِنْه.. المجتمع الباحث عن المعاذير، هو أقرب وقوعًا في المحاذير!
التباطؤ والتلكؤ في تنفيذ أوامر الله (أمرًا ونهيًا)؛ يقابله المسارعة والمبادرة في تنفيذ أوامر الله.
صفتان متضادتان عند كل مجتمع في القديم والحديث.
هذا المقصد الرئيس تراه بوضوح في السورة الثانية (سورة البقرة).
ما أعظمَ مقاصده! وما أجمل قاصده!
القرآن الكريم (١١٤) سورة، ثم تأتي هذه العقيدة الإيمانية، والحقيقة الإنسانية، والطبيعة البشرية في (مطلع) السور القرآنية؛ ترسم ملامح التعامل مع ظاهرة تبرز وما زالت عند جميع المجتمعات بين مُبرِّر ومُتحرِّر وعاصٍ، أو واقف مُتردِّد، أو مُستجيب مُبادِر طائِع.
كان المطلوب في بداية الأمر الإلهي أن تمتد يد أحدهم لأيّ بقرة، أي بقرة! يذبحها؛ امتثالًا لأمر الله- عز وجل-، وينتهي كل شيء، لكنّها طبيعة المجتمعات الباحثة عن المعاذير!
الآن تبصرها في: البيت، المدرسة، العمل، الإعلام، المصنع، المسجد، الحقل، الحفل، وسائط التواصل… إلا من رحم ربي، تباطؤ في الاستجابة لأمر الله ونهيه، عند كل أمر ونهي.
(مجموعة التباطؤ) يقولون: ادع لنا ربك! بلسان الحال والمآل وصاحب القرار.
في الدوائر الثلاثة المهمة: (البيت، المدرسة، الإعلام) لي رأي، في المسألة قولان، الأمر واسع، متطلبات العصر، ثم تظهر التفاعلات في دائرته الواسعة (المجتمع) بعد ذلك.
إنهم بعد كل جدال، يخرجون علينا يقولون: إنّ الأحكام الشرعية تشابهت علينا.. وإنّا إنْ شاء الله لمهتدون.
(مجموعة التباطؤ) يمتثلون الأمر، ولكن بعد شوط طويل من الحوارات الهزيلة.
إنّ أوامر الله لا تُعامل على هذا النحو أبدًا! نريد المجتمع الحي اليَقِظ المسارع لأمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- الذي هذا حالهم: ﴿ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} ﴾ [الأحزاب ٣٦].
هذا السلوك (التباطؤ) مذموم صاحبه في أمر الدنيا البشريّ، فكيف بأمر الآخرة الرباني؟!
لعل رسالة ربانية تقدمت هذا الكتاب الحق المليء بالأمر والنهي، والمنهج الرشيد.
سوف ترى بعد تدبُّرك لهذه السورة وأخواتها التي تشترك في المقصد صراحةً أو تلويحًا؛ كيف عالج القرآن سلوك (التباطؤ) بكل وضوح، ثم ترى هذا التباطؤ عند الكثيرين بكل وضوح!
والنجاة في اتباع القرآن الكريم؛ وكم أرشدنا الله مرارًا في محكم التنزيل إلى المسارعة والاتباع؛ ﴿ {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ﴾ [الأنعام: ١٥٥].
دعونا نقرأه بعين مفتوحة، وقلب يَقِظ غير غافل.
والآن نرى وقائع ومشاهد مؤلمة في غزة الصامدة والعدوان الصهيوني على أهلها، والنفوس – رغم الألم- متهيئة مُقبِلة على تدبُّر كتاب ربها علمًا وعملًا وأثرًا.
هذه دعوة للتأمل في إشراقات الفضلاء من علماء التدبر القديم والحديث، المبثوثة كتبهم -بفضل الله- في مواقع عديدة مشهورة.
السورة الكريمة كما بدأت بتشخيص المرض الشنيع، انتهت بهذا العلاج البديع: ﴿ {وقالُوا سَمِعْنا وأطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِير} ﴾ [البقرة: 286].
مطلع وختام متناسق جدًّا.. يا الله!!
بين صورة المجتمع المتقاعس الباحث عن المعاذير.. وصورة مضيئة للمجتمع اليقظ المسارع.
كيف أنّ الله كافأ مجتمع الصحابة -رضوان الله عليهم-، ورفع عنهم الحرج حين استجابوا وامتثلوا مع شدة الأمر الذي نزل بهم، ومجتمع بني إسرائيل الذي تلكأ وتردد، ثم ظلوا يراجعون نبيهم ويتلمسون المخارج من هنا وهناك، وكان ينتظر منهم الاستجابة السريعة، وتنفيذ الأمر الإلهي دون تنطع ومراوغة، ولكنها طبيعة بني إسرائيل!
تذكَّر! كل ما سبق هو حديث مفصَّل في شأن مجتمع التباطؤ والتلكؤ والمتردد، فكيف بالمجتمع المعاند المخالف المجاهر؟!
حقيقة:
شيء لا بُدَّ مِنْه.. المجتمع الباحث عن المعاذير، هو أقرب وقوعًا في المحاذير!
__________________________________________________________
الكاتب: فهد الضويحي
Source link