قيامة العلويين (2-2) – طريق الإسلام

شريف حازم – مجلة البيان

تكلمنا في الجزء الأول من المقال عن نشأة الطائفة العلوية أو النصيرية وأهم عقائدها وأصولها الفكرية وفرقها، وفي هذا الجزء سنعرض لبنية المجتمع العلوي وأماكن إنتشار الطائفة وقصة صعودها لسدّة الحكم في الشام، كما سنعرض لأهم خياناتهم وجرائمهم بحق الأمة الإسلامية والعربية عبر التاريخ حتى وقتنا الحاضر.

أولاً: بنية المجتمع العلوي

العشائرية هي السمة الأوضح للمجتمع العلوي النصيري. فالفكر الطائفي الانعزالي الذي أسس الكيان العلوي جنح منذ قيام الطائفة ناحية العشائرية للحفاظ على نسيج المجتمع العلوي منسجماً ومتماسكاً في إطار محكم من السرية والكتمان، فكان أشبه بالجيتو داخل المجتمعات المسلمة الكبيرة والتي تمثل محيطاً ضخماً مغايراً ضاغطاً على الكيانات الطائفية الصغيرة، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا في خلال التأسيس العشائري.

وظلت العشائرية هي الأساس في تكوين المجتمع العلوي حتى العصر الحديث، خاصة وأن الطائفة العلوية لا تؤمن بالتبشير بمذهبها ولا تعمل على توسيعه، بل تعمل على تركيزه وإحكامه بقبضة الشيوخ والقادة أو “العقل” على الأتباع والجهال داخل الطائفة.

 ففي مرحلة التأسيس كان المجتمع النصيري العلوي يتكون من عشائر شاميّة وعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ، من الذين اعتنقوا المذهب الشيعي الإمامي في البدايات، ثم تحولوا إلى الفكر النصيري العلوي. وحتى اليوم يعتبر المذهب العلوي مقصورًا على عشائر معينة، بعضها يرجع نسبه إلى فرع القبائل الشاميّة والعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ وبعض قبائلهم كالمحارزة الذين يرجعون نسبهم إلى الهاشميين، وبعضهم ازداد عدده بهجرة قبائل طيء (نهاية القرن الثالث الهجري)، وقبائل غسّان الذين دفعتهم الحروب الصليبية من جبل سنجار في العراق إلى منطقة الشام، وهم ينقسمون بذلك إلى عشائر كثيرة كالنواصرة والجهنية والرسالنة والحيدرية.

 

والعشائر العلوية النصيرية في الشام موزعة في أربع مجموعات:

1-الخياطون: نسبة إلى جدهم علي الخياط، وهذه المجموعة تضم عشائر منها الصرامتة، والمخاليصة، والقفاورة، والعمامرة.

2-الحدادون: وهم عشيرة الأمير حسن بن المكزون في جبل سنجار، وهو مؤسس أول إمارة علوية في بلاد الإسلام، وتضم عشائر المحالبة، وبنو علي، والياشوطية، والعطاوية، والمثلبة.

3-المثاورة: نسبة إلى قرية مثور في قضاء جبلة، ومعهم الجواهرة، والصوارمة، والميلاتية، والدراوسة، والبشارغة، والعراجنة، والمحاذرة.

4-الكلبية: وتستوطن قرداحة مع النواصر والقراصلة، والجليقية والرشاونة والشلاهمة، والرسالنة، والجروية، وبيت محمد، والدراوية. وإلى هذا الفرع ينتمي حافظ الأسد والذي غيّر من اسمه الكلبي للأسد بعد أن وصل إلى سدّة الحكم في سوريا.

ثانياً: التعداد والتوزيع الجغرافي

قبل الحديث عن التعداد السكني أو التوزيع الجغرافي للعلويين النصيرية لابد من التأكيد على عدم وجود أرقام قاطعة نهائية تُحسم بها مسألة التعداد أو الانتشار الجغرافي بدقة، وذلك بسبب مبالغة العلويين في تقدير أعدادهم خاصة في الغرب في ظل غياب تعريف صحيح ودقيق للعلوي، وغياب إحصاء رسمي لتعدادهم في معظم الدول المتواجدين فيها، والتي تصنف الجميع تحت خانة المسلمين، لذلك وجب التنبيه على عدم التسليم أو الإقرار ببيانات العلويين عن تعدادهم الرسمي.

وحالياً يشكّل العلويّون نحو 12% من مجموع سكان سوريا، أي أكثر من مليون ونصف المليون شخص. ويتجمّع معظمهم (أكثر من 70%) في “جبال العلويّين”، وهي سلسلة جبال تقابل الساحل السوري ومعروفة أيضاً باسم جبال النصيرية. وهناك تجمعات علوية أخرى تقطن مناطق وقرى حول المدن كحماة وحمص، ويعيش نحو ربع مليون علوي في العاصمة دمشق لسيطرتهم على مقاليد الحكم واستئثارهم بالمناصب السيادية في الدولة.

إضافة إلى سوريا، فإن هناك تجمّعات علوية في تركيا أيضاً، خاصة في لواء إسكندرون (هتاي) المتنازع عليه بين تركيا وسوريا، وفي لبنان بضعة آلاف يتمركزون بشكل أساسي في عكار وطرابلس. كما أن هناك أيضاً علويين في الأردن، الى جانب وجود جاليات صغيرة منهم في كل من العراق وفلسطين وإيران.

أما في أوروبا وأمريكا، فيوجد في أوروبا أكثر من مليوني علوي، ويقطن العدد الأكبر منهم ألمانيا حيث يبلغ عددهم 600 ألف شخص، وهناك نحو 150 ألفًا آخرين في فرنسا. وقد اعترفت السلطات في النمسا رسمياً منذ أعوام بهم كطائفة دينية مستقلة، ويبلغ عدد العلويين هناك نحو 60 ألف شخص، وكذلك في اليونان وبلغاريا حتى ألبانيا، وفي أمريكا وحدها يوجد أكثر من مائة ألف علوي معظمهم من مهاجري الشام بعد الحرب العالمية الثانية.

ثالثاً: جرائم العلوية النصيرية عبر التاريخ

النصيرية أو العلوية كطائفة مباينة لأهل السنة لم يكن لها ذكر أو أثر في الصراع مع العالم الإسلامي-بسبب الغموض والسرية-حتى قدوم الحملات الصليبية، قبل ذلك كانت معدودة من جملة الشيعة، وإن كان الشيعة الجعفرية أو الإمامية هي الأكثر ظهوراً والأعلى صوتاً في مضمار الصراع مع أهل السنّة داخل العالم الإسلامي.

مع قدوم الصليبيين إلى بلاد الشام قاتلوا العلويين في الساحل ظناً منهم أنهم من جملة المسلمين، فلما استبانت حقيقتهم إلى المحتل الصليبي هادنهم وعقد معهم حلفاً غير معلن، وكان للعلويين دور بارز في تسهيل سقوط أنطاكية بيد الصليبيين سنة 491ه-1098م.

استغل العلويون النصيرية فترة الحملات الصليبية في الظهور والخروج إلى العلن ومبارزة خصومهم من أهل السنّة والطوائف الشيعية المنافسة بالعداء والتحدي، وتحولت منطقة اللاذقية وما حولها من القرى إلى وكر التآمر والعداء ضد العالم الإسلامي، وحظي العلويون بمكانة خاصة لدى الصليبيين، فكانت قراهم قفراً من شعائر الإسلام ومظاهره، فالمساجد تم تخريبها وتحويلها إلى خمارات وإسطبلات، لا على يد الصليبيين ولكن على يد العلويين النصيرية. يقول الرحالة ابن بطوطة في رحلته المسماة “تحفة النظار في غرائب الأمصار”واصفا ذلك عندما مر ببلادهم:  

“وأكثر أهل هذه السواحل هم الطائفة النصيرية الذين يعتقدون أن علي بن أبي طالب إله، وهم لا يصلون ولا يتطهرون ولا يصومون. وكان الملك الظاهر بيبرس ألزمهم بناء المساجد بقراهم، فبنوا بكل قرية مسجداً بعيداً عن العمارة ولا يدخلونه ولا يعمرونه. وربما أوت إليه مواشيهم ودوابهم، وربما وصل الغريب إليهم فينزل بالمسجد ويؤذن إلى الصلاة، فيقولون: لا تنهق علفك يأتيك“.

ومن جرائمهم بحق المسلمين؛ خطف المسلمين وبيعهم إلى الكفار. فقد ذكر ابن كثير في حوادث سنة سبعمائة وخمسة: وفيها سار جمال الدين أقوش الأفرم-والي دمشق- بعسكر دمشق وغيره من عساكر الشام، إلى جبال كسروان معقل النصيرية، وكانوا عصاة مارقين من الدين، فأحاطت العساكر الإسلامية بتلك الجبال المنيعة، وترجلوا عن خيولهم، وصعدوا في تلك الجبال من كل الجهات، وقتلوا وأسروا جميع من بها من النصيرية والظنينين-طائفة من الملاحدة-وغيرهم من المارقين، وطهرت تلك الجبال منهم، وهي جبال شاهقة بين دمشق وطرابلس، وأمنت الطرق بعد ذلك، فإنهم كانوا يقطعون الطريق ويتخطفون المسلمين، ويبيعونهم للكفار.

وفي سنة 717هجرية أعاد العلويون النصيرية خلع الطاعة وبايعوا رجلاً منهم ادعى المهدية، وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين: قل لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي الذي يحيي ويميت حتى يحقن دمك ويكتب لك فرمانا، ونهبوا الأموال، وسبوا الأولاد، وهتكوا النساء، وقتلوا جماعةً من المسلمين بجبلة، ورفعوا أصواتهم: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان، وسبّوا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فجرد سلطان المماليك إليهم العساكر فهزموهم وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وجما غفيرا، وقُتل المهدي الدجال.

وفي سنة 1400 ميلادية -802هجرية هجم الطاغية تيمور لنك وكان على مذهب النصيرية على بلاد الشام وفعل بها مما لا يخطر على بال إبليس نفسه، وكان مشايخ النصيرية يبشرونه بالفتوح وإبادة المسلمين السنّة، ويحرضونه على ذلك، وكان أمير حلب نصيرياً فراسل تيمور لنك خفية واتفق معه على أن يدهم حلب ويبيد أهلها وهو أميرها، وذكر المؤرخ النصيري محمد غالب الطويل أن ألوفا من أهل حلب أبيدوا، وهرب بقيتهم من بطش تيمور لنك، ولم يسلم إلا النصيريون؛ لأنهم كانوا عيونا للتتر وعونا لهم على المسلمين، حتى ذكر أنهم شكلوا من جماجم أهل السنّة في حلب منارة عالية من عشرين ألف جمجمة. واتجه تيمور بجيوشه بعد انتهائه من حلب إلى دمشق، فكرروا جرائمهم الوحشية بصورة مروعة في منتهى الوحشية وصفها بدقة مؤلمة المؤرخان؛ المقريزي وابن تغري بردي في تاريخيهما. وكل ذلك تحت شعار “الانتقام لآل البيت “.

وأما في العصر الحديث فبعد سقوط الدولة العثمانية، واحتلال فرنسا للشام انضم النصيريون إليهم، وكانوا عيونا لهم على المسلمين. يقول ليون كاهون (وهو ضابط أرسلته فرنسا في بعثة تبشيرية واستكشافية إلى جبال العلويين عام 1878م) في كتابه “رحلة إلى جبال العلويين” وقد نقله إلى العربية الدكتور سهيل زكار: “إلا أنني كنت أسمع الجملة التي يرددها الجميع: متى سيأتي الفرنسيون؟!.

وبعدما احتلت فرنسا سوريا كان النصيريون أعواناً مخلصين للمحتل الفرنسي الذي اعتمد عليهم في كثير من أعماله الإجرامية بحق السوريين، وتبنوا دعوة كبير النصيريين؛ سليمان المرشد الذي ادعى الألوهية واستخدموه، وجعلوا لمناطق النصيرية في اللاذقية وما حولها نظاماً خاصاً، فقويت شوكته وتلقب برئيس (الشعب العلوي الحيدري الغساني) وعيَّن  سنة 1938 قضاة وعسكر، وفرض الضرائب على القرى التابعة له، وأصدر قرارا جاء فيه: “نظراً للتعديات من الحكومة الوطنية والشعب السني على أفراد شعبي، فقد شكلت لدفع هذا الاعتداء جيشا يقوم به الفدائيون والقواد” وجعل لمن سماهم الفدائيين ألبسة عسكرية خاصة. وكان في خلال ذلك يزور دمشق، نائبا عن (العلويين) في المجلس النيابي السوري.

فلما تحررت سورية وجلا الفرنسيون عنها تركوا له من سلاحهم ما أغراه بالعصيان، فجردت حكومة سورية قوة فتكت ببعض أتباعه، واعتقلته مع آخرين، ثم قتلته شنقا في دمشق”.

وعندما تسلط النصيريون على حكم سوريا ابتداءً من أيام حافظ الأسد ” الكلبي سابقاً” حتى عهد ابنه الذي فاق أبيه إجراماً ووحشية؛ بشار، أوقع النصيريون جرائم في غاية الوحشية بحق مسلمي سوريا، منها مجازر حلب وحماة في سنة 1402ه. وقد كانت مذبحة حماة أبشع مذبحة في التاريخ المعاصر؛ إذ حوصرت بالمدرعات والدبابات، وقطعت عنها الكهرباء والمياه، ودكت دكا شديدا، حتى أبيدت عشائر كاملة بالمئات لم يبق منها فرد يحمل اسمها، ثم اقتحمها النصيريون فاغتصبوا النساء، ونحروا الأطفال، وأبادوا الرجال، فكان القتلى زهاء 40 ألف نفس، واعتقل 15 ألفا من خيرة الشباب أعدم جلهم بعد ذلك.

ثم جاء بشار الأسد ليواصل نهج أبيه في الإجرام والضلال، فثار عليه السوريون عن بكرة أبيهم، وحققوا انتصارات هامة وكاد عرشه أن يسقط لولا تدخل شيعة إيران مع الروس ومن وراء الستار الصهاينة والغرب، فقويت شوكته وصب جم حقده الطائفي على أهل السنة فقتل منهم أكثر من ربع مليون سوري في أقل من عشر سنوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولا يسعنا بعد هذا السرد التاريخي الموجز عن أهم جرائم النصيرية العلوية سوى أن نترحم على شيخ الإسلام الخبير بهم عندما أرسى قاعدة تاريخية ذهبية في فتاواه الشهيرة عن النصيرية، عندما قال: “فإذا كانت لهم مُكْنَةٌ سفكوا دماء المسلمين”.

وعندما احتل الفرنسيون سوريا تحول العلويون إلى أعوان وعملاء لهم، ونابوا عنهم في القيام بالأعمال القذرة، فكوفئوا على ذلك بإعلان دويلة للعلويين في شمال شرق سوريا سنة 1920ميلادية، ثم عاد الفرنسيون وتنكروا لهم سنة 1938 بدعوى عدم أهليتهم لتأسيس دولة!!

عقب قيام الجمهورية السورية، حدثت الكثير من الصراع والانقلابات على السلطة في سوريا، الأمر الذي عزز من جديد موقع الضباط العلويين بالجيش السوري.

ثم جاءت حقبة حزب البعث اليساري والذي أسهم في صعود الطائفة العلوية كنخبة حاكمة، حيث تأسس حزب البعث، وجذب بأفكاره العلمانية الاشتراكية جموع العلويين، ورأوا فيه فرصة سانحة للتخلص من سيطرة أهل السنّة على مقاليد الحكم في سوريا، كما أسهمت هجرة العلويين إلى المدن واختلاطهم بالناس في تعزيز اندماجهم بعد قرون من العزلة والانكفاء، فانضم العلويون بأعداد كبيرة إلى صفوف حزب البعث، لاسيما في فرع الحزب باللاذقية وفي فروع جامعتي دمشق وحلب.

لعب العلويون النصيرية دوراً مهماً في انقلاب مارس 1963، وتولوا مناصب حساسة في النظام، كما قاموا بانقلاب 1966، لكن نفوذهم تجلى مع الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد سنة 1973، والذي شكل بداية حكم عائلة الأسد التي من خلاله ضمنت استمرار سيطرة الطائفة العلوية على الحكم حتى اليوم بكثير من الدماء والمجازر المروعة بحق أهل السنّة في لبنان وسوريا والتي مازالت ممتدة حتى كتابة هذه السطور.

ويذكر أن حافظ الأسد، طلب من موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان إصدار فتوى بأن العلويين من الشيعة، وذلك لإسكات المعارضين لانتخابه رئيساً للجمهورية، بحجة أن الدستور يفرض أن يكون الرئيس مسلماً، وقد أصدر الإمام هذه الفتوى سنة 1974يقول “باتريك سيل” في كتابه “الصراع على الشرق الأوسط”: “إصدار هذه الفتوى أزال العقبة الأخيرة التي كانت تعترض طريق حافظ الأسد إلى الرئاسة”.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

وما توفيقي إلا بالله – طريق الإسلام

ما أعظم أن يسير المرء في طريق الخير، ويستقيم عليه، وترعاه عناية الله في كل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *